الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

أمطار أشد غزارة في ظل التغير المناخي

تزايد في العقود الثلاثة الماضية عدد الهطولات المطرية الشديدة محطمةً القيم القياسية المسجلة سابقاً. وفي حين كانت التغيرات في قيم الهطولات الحديّة "التي تتجاوز المعدلات القياسية" حتى العام 1980 قابلةً للتفسير بالتغيرات الطبيعية، اكتشف فريق من العلماء من معهد بوتسدام لأبحاث الآثار المناخية نزعةً واضحةً للتزايد في عدد الهطولات الحدّية خلال العقود الأخيرة، (المقصود بالنزعة هو ميل القيم المسجلة للارتفاع أو الانخفاض مع تقدم الزمن).

كما وجدوا أن هذه النزعة تتلاءم مع التغيرات الحاصلة بدرجات الحرارة العالمية التي تتسبب بها انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتي تنتج بشكل أساسي عن حرق الوقود الأحفوري.

إن الهطولات الشديدة التي تحصل على سطح الأرض يمكن أن تتسبب بفيضانات فتاكة، فعلى سبيل المثال في باكستان 2010 حصل فيضان مدمّر تسبّب بمقتل المئات تلا ذلك انتشار الكوليرا، كذلك الأمر في تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية 2010 حيث تسببت الهطولات الشديدة بعدة فيضانات سريعة ومفاجئة flash floods. كما حصل في ألمانيا خلال عامين ابتداءً 1997 ما لا يقل عن ثلاثة فيضانات ذات زمن تكرار 100 عام (وهي الفيضانات التي يفترض أن لا تتكرر أكثر من مرةٍ واحدةٍ في القرن).

وفي جميع هذه الكوارث وتبعاً للباحث المشارك ياشا ليمان "كانت كمية المياه الهاطلة خلال يوم واحد تتجاوز المعدلات القياسية المحلية، وبينما كانت كل من هذه الأحداث متعلّقة بعدد من العوامل فقد وجدنا نزعة واضحة للزيادة في هذه الأحداث التي تتجاوز التوقعات".

اعتمدت معظم الدراسات السابقة على نظرية القيم العظمى لتحليل التغيرات في القيم الحدية. ويتضمن ذلك اعتماد تابع توزيع احتمالي يلائم القيم المسجلة، إلا أن صغر سلسلة القياسات المتوفرة يمكن أن يتسبب في عدم موثوقية للتابع الذي تم اختياره مما قد يتسبب بتأثيرات شديدة على النتائج.

تقدم هذه الدراسة أول تحليل يشمل العالم بأكمله لقيم الهطولات اليومية الحديّة ويتميز بعدم فرض توزيع احتمالي مسبق للقيم المقاسة وإنما يركز بشكل مباشر على التغيرات الحاصلة في تسجيلات قيم الهطول الحدية العظمى. وبالتالي يمكن مقارنة عدد الهطولات الحدية المسجلة بعدد الهطولات المتوقعة عند فرض عدم وجود نزعة في البيانات. هذا الأسلوب أثبت نجاعته وأهميته خاصة في الدراسات المتعلقة بفهم طبيعة تغيرات القيم العظمى لدرجات الحرارة. وبناء على الدراسات السابقة يمكن القول أن النزعة في قيم الهطولات المطرية الحدية تتجه إلى قيم هطولات مطرية أشد على مساحات أوسع على سطح الأرض مقارنة بمساحات المناطق التي ستشهد هطولات مطرية حدية ذات شدات أقل.

تعتمد النماذج المناخية في تفسيرها للتغيرات في قيم شدّات الهطول على علاقة Clausius-Clapeyron والتي تتوقع زيادة بخار الماء بنسبة 7% لكل ارتفاع مقداره 1 درجة مئوية في الحرارة بفرض بقاء الرطوبة النسبية ثابتة، إلا أن التغيرات الديناميكية يمكن أن تؤثر كذلك في تواتر وشدة الهطولات المطرية مما يتسبب في الإخلال بنتائج علاقة Clausius-Clapeyron.

الزيادة في المتوسط العالمي لا تنطبق على بلدان منطقة المتوسط!:

من خلال تحليل إحصائي متطور لبيانات الهطولات المطرية خلال السنوات من 1901 وحتى 2010 والتي تم جمعها من آلاف المحطات المناخية المنتشرة حول العالم تبين وجود زيادة بنسبة 12% في عدد الهطولات المطرية الحدية عن ما توقعته النماذج التي تفترض ظروف الاستقرار المناخي "سيناريو بدون تغير مناخي" وبسبب هذه النزعة فقد شهد العالم خاصة خلال العام الأخير الذي تضمنته الدراسة زيادة وصلت إلى 26% في الهطولات الحدية" تبعاً لليمان وتباينت أنماط هذه النزعة في القيم الحدية للهطولات في قارّات الأرض المختلفة حيث تبين أن المناطق الرطبة ستمتلك.

الحصة الأكبر من التزايد في القيم الحدية للهطولات، بينما تذهب الحصة الأقل للمناطق الأشد جفافاً. وبلغت هذه الزيادة نحو 56% في منطقة جنوب شرق آسيا 31% في أوروبا 24% في وسط أمريكا. فيما شهدت ضفاف البحر الأبيض المتوسط انخفاضاً في هذه القيم بنسبة 27% وكذلك انخفضت النسبة في غرب الولايات المتحدة بمقدار 21% ويتوقع أن تعاني هذه المناطق بشكل عام جفافاً شديداً، ومن الجدير بالذكر أن موثوقية النتائج المتعلقة بمنطقة المتوسط تعتبر منخفضة نتيجة عدم استقرار النزعة التي أظهرتها البيانات المعتمدة وهو ما ظهر كذلك في عدد من الدراسات السابقة.

الارتباط بالتغير المناخي: الهواء الدافئ يحمل مياهاً أكثر:

وبالطبع لا يستطيع التحليل الإحصائي تقديم علاقة واضحة بين السبب والنتيجة لهذه الظاهرة، فقام العلماء بمقارنة ما قدّمه التحليل الإحصائي بما تقدمه المعرفة النظرية التي تفسر قدرة الهواء على حمل كميات أكبر من المياه عند ارتفاع درجة حرارته والتي تعرف بمعادلة (Clausius-Clapeyron) حيث يمكن إطلاق هذه الكميات الإضافية من المياه المحتجزة في الهواء عند الهطولات المطرية الشديدة. ووجد العلماء توافقاً بين القيم القياسية من الهطولات المطرية الشديدة وبين ما تتوقعه معادلات الديناميك الحراري في ظل التغير المناخي. إن الزيادة بنسبة 12 % في الأحداث المطرية الحدية تعني أنه وسطياً وخلال العقود الثلاث الأخيرة واحد من كل عشرة هطولات مطرّية شديدة جداً ما كان ليحدث لولا التغير المناخي الناتج عن النشاطات الإنسانية.

في العام 2010 تصبح النسبة كبيرة جداً لتصل إلى 88% . ولا يمكن بحال من الأحوال تفسير هذه الزيادة من خلال التقلبات المناخية الطبيعية التي تحدث كل عدة عقود كما بينت الدراسة. وبناء على الدراسات السابقة لا تزال الثقة متوسطة في مشاركة غازات الاحتباس الحراري بزيادة معدلات الهطول المطري الشديدة على المستوى العالمي والمناطقي. إلا أن البحث الجديد يساعد في ملئ هذا الفراغ العلمي مستفيداً من الأبحاث السابقة في هذا المجال وكونه الأول الذي يعتمد على قياسات مباشرة للهطولات المطرية الحدية. النزعة للتزايد في العقود الأخيرة مثيرة للقلق أخذ العلماء بالحسبان أن نوعيّة البيانات التاريخية المعتمدة تختلف من مكان لآخر. فعلى سبيل المثال لا يوجد في الصحراء شمال أفريقيا ما يكفي من تسجيلات الهطولات المطرية لوضع أيّة استنتاجات موثوقة عن هذه المنطقة، فيما تمتلك الولايات المتحدة وأوروبا ما يكفي من البيانات الممتدة خلال القرن الماضي الذي بدوره ساعد العلماء على وضع نتائجهم بموثوقية عالية. وإن الزيادة في الهطولات المطرية الحدية هي بالتأكيد مبعثٌ للقلق تبعاً ل كومو إلا أنه من المفيد معرفة أن ارتباطها بالتغير المناخي الذي يتسبب به الإنسان يعني أنه من الممكن معالجة الوضع عندما يصبح الإنسان قادراً على تخفيض الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري بما يكفي.

المصدر:

هنا

ورقة البحث:

Increased record-breaking precipitation events under global warming by Jascha Lehmann، Dim Coumou and Katja Frieler، published in Climatic Change، DOI: 10.1007/s10584-015-1434-y