التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

ويليام والاس ... القلب الشجاع: بين الحقيقة و الأسطورة

تكبر الأساطير في ثقافات الشعوب على امتداد العالم، فهم يصنعون أبطالاً وطنيين فيثيرون مشاعر الوطنية و العزة و لكنها عادة ما تكون غير دقيقة و مبنية على الخرافات على الرغم من أن هذه الأساطير غالباً ما تولد من رحم الأحداث التاريخية و تكون مبنية على أشخاص حقيقيين.

هذه هي حال البطل الاسكتلندي ويليام والاس ، فلقد كان ويليام والاس انساناً من لحم و دم و لم تكن لديه أي فكرة بأنه سيصبح يوماً بطلاً وطنياً أو اسطورة عالمية، و لكن في الوقت و الظرف المناسبين يصبح العادي استثنائياً و يصبح الاستثنائي أسطورة.

إن أول تأريخ لويليام والاس هو ذلك التأريخ للشاعر هنري ، أو المعروف باسم هنري الأعمى، لقد كتب هنري الأعمى تاريخ حياة و مغامرات و الأعمال البطولية للسير ويليام والاس الشهير في القرن الخامس عشر و ذلك بعد إعدام والاس بحوالي 150 عاماً، و التي أعتقد بأنها تمثيل تاريخي دقيق لحياة والاس، و من المعروف بأن هذا التأريخ غير دقيق و مليء بالزخرفات الرومانسية ، إلا أن قصة هنري الأعمى ما زالت مرجعية في السير الذاتية و المقارنات بين الحقيقة و الأسطورة.

إن تفاصيل ولادة ويليام والاس غير موجودة، فقد كتب هنري أن والاس ولد في Ellerslie لأب مالكوم والاس و ابنة السير رونالد كراوفورد، بعض المؤرخين يشيرون إلى أن وليام ولد حوالي العام 1270 و كان الابن الثاني للسير مالكوم في حين يذكر آخرون أن والاس ولد في فترة مجهولة بين عامي 1260 – 1278 و يقال أنه ولد في إحدى المناطق الثلاث:Ellerslie، Elderslie، Renfrew وأما والده فكان: مالكوم، أندرو، أو ويليام و والدته هي جان، جون، مارغريت أو امرأة مجهولة. هنا التكهنات كثيرة أيضاً حول عدد و جنس أشقاء ويليام و أنه ولد لعائلة نبيلة عريقة أو غير عريقة، أو أنه كان مجرد شخص من عامة الشعب دون أي رابط لإرث نبيل.

تقول الباحثة التاريخية Fiona Watson إن غياب الأدلة التي يكن التحقق منها، أو حتى الفرضيات المؤكدة ذات الصلة بحياة أو مآثر ويليام والاس هي بنفس الوقت نعمة و نقمة، إن النعمة بعدم دليل واضح تعني أن الغموض و الروايات الأسطورية حول ويليام ستستمر بالتزايد، أما بالنسبة للمؤرخين الذين يحاولون إظهار الحقيقة فإن نقص الأدلة يشكل نقمة عليهم.

يأتي في المقام الأول أندرو فيشر هو أحد كتاب السيرة الذاتية المعروفين لويليام والاس، و في دراسته لكتابات والاس القليلة التي بقيت حتى الآن يعتقد أن والاس هو ابن آلان والاس مستشهداً برسالة كتبها ويليام بعد معركة جسر سترلينغ الشهيرة عام 1297 حيث أن نقوش خاتمه الشخصي أسفل الرسالة توضح أنه ابن آلان فكان النقش (ويليام آلان والاس)..

تابع الباحث فيشر الخط الزمني للوالد آلان، فاستطاع أن يعيد جمع بعض المعلومات عن خلفية العائلة منها أداء الوالد آلان قسم اليمين و الولاء للملك إدوارد الأول ملك انكلترا، كما فعل الكثير من النبلاء الاسكتلنديين و ذلك ليحصلوا على الثروة و الحماية من التاج الانكليزي، و قد وجد فيشر أيضاً أن ويليام كان له أخوان، مالكوم و جون و قد دعم ويليام أسرة Baliol و التي كانت سلطتها كحكام لإسكتلندا تقوض باستمرار من قبل الملك ادوارد الاول ،في حين دعم أخواه Robert the Bruce و هو منافس آخر على عرش اسكتلندا وهذا الدعم قد دفع جون حياته ثمناً له عندما أعدم في عام 1304 بتهمة خيانة التاج البريطاني.

و يقول فيشر أنه إذا كان ويليام ابن آلان فمن المرجح أنه ولد في Ayrshire و ليس في Elderslie كما كان يعتقد. ليس واضحاً ما الذي سبب انقلاب ويليام بعنف ضد انكلترا في أيار عام 1297 و لكنها حقيقة أن ويليام قد قام بقتل شريف Lanark حيث تقول الأسطورة أن ويليام كان يأخذ بثأر زوجته المحبوبة Marion Braidfute و التي تزوجها سراً.

قد تكون جريمة قتل Marion قد أغضبته كفاية ليقتل الشريف أو أن الشريف قد حرض جريمة أو هجوماً على أحد آخر مقرب من ويليام ، ويورد فيشر أن هناك دلائل قدمت في محاكمة عام 1305 تشير إلى أن الشريف قد قتل في نفس اليوم الذي عقد فيه محاكمات في مقاطعة Lanark و يقدم فيشر شرحين محتملين لذلك، أولاً أن يكون الشريف قد أصدر حكماً ضد والاس و قتل انتقاماً لذلك، و الثاني و الذي يعتقد فيشر أنه المرجح، و هو أن جريمة قتل الشريف كانت طريقة رآها والاس ليوجه ضربة لممثل عرش انكلترا و بالمقابل اعفاء الشعب الاسكتلندي من الحكم.

لكن مهما كانت دوافعه، فلا يوجد شك أن والاس قد قتل الشريف و هو الأمر الذي حدث في وقت مناسب جداً ليضع والاس في الواجهة الأمامية للثورة الاسكتلندية، فقد نمت فرقته بشكل كبير بالتوازي مع مقتل الشريف و قد بدا والاس غير خائف و ظهرت رغبته في التخلص من الانكليز و لو أن ذلك سيثير غضب ملك انكلترا القوي ادوارد.

عندما تقدم الجيش الانكليزي على جسر Stirling في أيلول عام 1297 و ذلك للانتقام من التمرد و الغارات الاسكتلندية المستمرة ضد الإنكليز، قاد ويليام والاس و النبيل Andrew de Moray القوات الاسكتلندية. عندما وصل الانكليز فقد قام James stewart و هو الممثل الأعلى في اسكتلندا و Malcolm ايرل Lennox و -هو اسكتلندي حاربت قواته سابقاً مع الإنكليز- بالتقدم إلى المعسكر الاسكتلندي و ذلك في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام معهم، و لكن والاس و Andrew de Moray رفضا العروض المقدمة من زملائهم الاسكتلنديون أما القوات الانكليزية فقد كانت بقيادة ايرل Surrey و قد استقرت لمدة ليلة واحدة و استعدت للمعركة.

فاجأ الانكليز الاسكتلنديين في الصباح التالي، فالجسر كان بالكاد يتسع لفارسين يسيران جنباً إلى جنب مما أجبر طليعة الجيش الانكليزي أن تأخذ وقتاً طويلاً لعبور الجسر لكن ما أن عبروا فقد عادوا أدراجهم وذلك لأن ايرل Surrey كان ما يزال نائماً، و ما أن استيقظ القائد الانكليزي حتى عاد الجيش الانكليزي لعبور الجسر مرة ثانية لتعود و تنسحب مجدداً بعد عودة James stewart و ايرل Lennox من المفاوضات و بعد أن علم ايرل Surrey القائد الانكليزي بفشل المفاوضات فقد أرسل راهبين دومينيكانيين إلى قادة الاسكتلنديين في محاولة أخيرة لحقن الدماء. ووفقاً للرواية فقد عاد الراهبان مع رسالة واضحة من ويليام والاس "خذوا هذا الجواب مني، نحن لم نأت إلى هنا من أجل السلام بل لنخوض المعركة دفاعاً عن أنفسنا و حرية مملكتنا، دعوهم يأتون إلينا و سوف نثبت لهم ذلك".

بعد أن رأى الاسكتلنديون محاولتي عبور الجسر السابقتين، فقد قرروا أخذ المبادرة في الوقت المناسب، و انتظروا حتى عبرت طليعة الجيش الانكليزي المؤلفة من 2000 فارس و جندي.

لقد أطلق فلم Brave heart العنان للخيال في تصوير هذه المعركة، فقد أظهر الفيلم الجيشين يتقدمان باتجاه بعضهما البعض على مرج واسع، و تكلم Mel Gibson أو ويليام والاس في الفيلم بفصاحة موقظاً حماسة المقاتلين إلى الحد الأعلى، و أنهى خطابه موضحاً " قد يأخذون حياتنا و لكنهم لن يأخذوا حريتنا أبداً" و لكن الروايات و السجلات التي نجت من المعركة لا تظهر أن هكذا خطاب قد حصل فعلاً، بالتأكيد حصلت بعض الخطابات التشجيعية قبل بداية المعركة، أما في المعركة الحقيقية فإن أصوات الأبواق قد دوت، و الأسلحة ضربت بقوة على الدروع، و ارتفعت أصوات المعركة حين هاجم الاسكتلنديون الإنكليز. فقد سيطر الخوف على الإنكليز الذين كانوا قد قطعوا الجسر عندئذ و أصبح المشهد حكماً بالموت عليهم، فقد علقوا بين الاسكتلنديين المهاجمين من الأمام و النهر من الوراء، و مع بقاء قسم منهم على طول الجسر الضيق، لم يمتلكوا من خيارات سوى قتال الجيش الاسكتلندي المهاجم في حين خفض الاسكتلنديون رماحهم الطويلة و قابلوا بها الفرسان و دفعوا القوة الإنكليزية بكاملها إلى النهر.

لقد هُزم الإنكليز على الضفة الجنوبية من الجسر من قبل جيش اسكتلندي مكون من عامة الشعب و محاربين نبلاء و سفاحين و خارجين عن القانون أو قائد مولود بالفطرة. فقد تمكن ويليام والاس من التفوق و أخذ الأفضلية على جيش انكليزي منظم و أكثر عدداً و قد أطلقت معركة Stirling شرارة البداية لأسطورة ويليام والاس.

إن المناظرات حول منشأ ويليام لا تغير الحقيقة في أنه قد استطاع هزيمة الإنكليز الحائرين بقوة صغيرة، و إن التكتيك الذي استخدمه في المعركة يتطلب ذكاءً و شجاعة و قلباً ثابتاً لتطبيقه، و قد أثبت ويليام أنه يمتلك ما هو ضروري ليقود الرجال في المعركة، و كمكافأة له فقد مُنح لقب فارس و لقب حامي اسكتلندا في 29 آذار 1298.

في غياب الملك، رجل من أصل متواضع قد برز إلى أعلى سلطة في اسكتلندا في ذلك الوقت، في حربه لحماية بلده فقد بدأ ويليام مسبقاً بأخذ موقعه الأسطوري قبل موته ففي الفيلم Brave heart يتحدث المقاتلون و عامة الشعب عن انجازات ويليام بعد معركة Stirling و يتبجحون بعدد الرجال الذين قتلهم وتتراوح الأعداد بين خمسين إلى مئة رجل و أصاب الاسكتلنديون شعور بالفخر و الاعتزاز لكونهم اسكتلنديون و احتشدوا حول ويليام، أما الانكليز فقد قاموا بنشر الروايات المخيفة حول ويليام وذلك في محاولة للقبض عليه، فقد وصفوه بأنه "غول لا يمكن وصف سفالته و هو يذبح سجنائه و هم أحياء، و يحرق الأطفال، وقد أجبر الراهبات على الرقص عاريات".

و في انعطاف للأحداث، فقد جلبت معركة Falkirk هزيمة والاس و نهاية دوره الرئيسي في اسكتلندا، فقد التقى والاس مع الإنكليز في معركة ضارية و استخدم نفس التكتيكات التي استخدمها في معركة جسر Stirling.

في بداية الأمر بدا و كأن الاستراتيجية و الأرض نفسها ستعمل لصالحه، و لكن الانكليز تمكنوا من اختراق خط حملة الرماح الاسكتلنديين و تراجع ويليام إلى الشمال. لا يوجد دليل واضح على أن النبلاء الاسكتلنديين قد خانوا والاس في ذلك اليوم، و لكن تشير الأسطورة إلى أن John III Comyn و هو منافس آخر على عرش انكلترا، قد ترك والاس في أرض المعركة هو و فرسانه. و قد يكون من المحتمل أن John III Comyn كان يطارد فرسانه ليعود بهم و ينضموا مجدداً إلى المعركة.

و تورد القصص أيضاً أن Robert the Bruce قد نزل إلى الميدان في ذلك اليوم إلى جانب الملك إدوارد الأول في حين أن قصصاً أخرى تروي أن Robert the Bruce قد كان على بعد خمسين ميلاً في قلعة Ayr. على الرغم من أن Robert the Bruce قد حمى الملك ادوارد من هجوم والاس، و لكنه قد أنقذ أيضاً حياة والاس قبل وصول رجال الملك إليه بعد إصابته في المعركة.

لقد صور Brave heart قصص الخيانة هذه و أعطاها دوراً رئيسياً في الصورة المسرحية لمعركة Falkirk و ذلك عندما ينادي والاس على الفرسان و النبلاء لينضموا إلى المعركة و لكنهم يستديرون و يغادرون ساحة المعركة و يهجرون والاس. فقد ويليام منصبه كحامي اسكتلندا بعد هزيمته في معركة Falkirk و بالسرعة نفسها التي بزغ فيها نجمه فقد أفل مجدداً و عاد إلى وضعه كخارج عن القانون.

لم ينس الملك إدوارد الأول القاسي و المتصلب أبداً والاس و المشاكل التي سببها له، و قد ألزم النبيل الاسكتلندي السير John de Mentieth لكي يعتقل والاس. لا يوجد دليل يفسر لنا لماذا خان John de Mentieth والاس، على الرغم من أنه كان صديقه المقرب ذات يوم. و بعد القبض عليه في الثالث و العشرين من آب عام 1305 نقل ويليام إلى Westminster ليحاكم بتهم الخيانة.

لم تكن المحاكمة أكثر من قراءة لجرائم ويليام ضد ملك انكلترا، اتهمه القضاة بقتل راهبات و كهنة انكليزيين، سرقة قطع أثرية من الكنائس، الخيانة، و عدد كبير من التهم، فكانت إجابته الوحيدة أنه لم يقسم يمين الولاء مطلقاً لإدوارد الأول، و حكم عليه بالموت، فما كان من والاس إلا ان يواجه اتهاماته بالصمت.

إن طريقة إعدام رجل مثل ويليام والاس قد ضمنت مكانته في التاريخ، فقد شنق و نزعت احشاؤه، و تم تقطيع جسده إلى أربعة أرباع، أما رأسه فقد قطع و علق على جسر لندن، و عرضت أجزاء جسده الأربعة علانية واحد في كل من Newcastle، Perth، Berwick، و الأخير على الأرجح علق في Aberdeen في Stirling . إن طريقة عرض أجزاء جسد والاس كانت لكبت و إخماد أي محاولة لاحقة للثورة.

و بعد مرور تسع سنوات فقد قاد Robert the Bruce الاسكتلنديين في معركة Bannock burn في عام 1314 وعلى أثرها نالت اسكتلندا استقلالها. سبعة قرون مرت على إعدام ويليام والاس و لكنه بقي جزءاً متكاملاً من تاريخ اسكتلندا، لا يهم أي من القصص عن ويليام هي الصحيحة، فلا يوجد ببساطة دليل كافي ليزودنا بتاريخ واضح عن حياته، لكن اسكتلندا و العالم يعلمان أهم حقيقة عنه، لقد قاتل والاس من أجل استقلال اسكتلندا، لا من أجل لقب البطل، بل لأنه ببساطة أراد أن يصبح بلده حراً.

المصادر:

هنا

هنا