الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

المياه الافتراضية.. فاتورة استهلاكك للمياه كما لم تعهدها من قبل

المياه الافتراضية:

إن إنتاج البضائع وأداء الخدمات يحتاج بشكل عام إلى الماء، وتــُـعرف كمية المياه المستخدمة في عملية الإنتاج لمنتج صناعي أو زراعي باسم المياه الافتراضية Virtual water .

فإذا أخذنا بعين الاعتبار فنجان القهوة فإننا بحاجة إلى 250 مل من الماء لتحضير هذا الفنجان، ولكن هناك مياه أكثر من تلك التي نراها في الفنجان؛ هي المياه اللازمة لزراعة بذور البن المستخدمة في تحضير فنجان القهوة والتي تتضمن الري والهطولات المطرية.

إن حبوب البن تتضمن كميةً كبيرةً من المياه مختفية ضمن عملية الزراعة والإنتاج والتغليف والشحن. نحتاج عادةً إلى 140 لتراً من الماء لسقاية بذور البن ولكافة العمليات اللازمة لتحضير فنجان من القهوة. وإذا كنت من مفضلي شرب الشاي فلك أن ترتاح قليلاً لأن تحضير كأس واحد من الشاي يتطلب حوالي 34 لتراً من الماء. وبالتالي فإننا نستهلك الكثير من الماء ولو أننا لا نفعل ذلك فعلياً ضمن المنازل. وعند التفكير في الاستخدام المنزلي للماء فإنه لا يعدوا عن كونه جزءاً صغيراً من الاستهلاك الكلي.

تستخدم العمليات الصناعية الماء أيضاً فتوليد 1 كيلو واط ساعي من الكهرباء يحتاج إلى 60 لتر ماء (ضمن محطات الطاقة الكهروحرارية). وإنتاج قميص قطني يحتاج إلى 4000 لتر وتصنيع سيارة ربما يحتاج إلى نصف مليون لتر من الماء.

وبالتالي فاستخدامك أو استهلاكك لأي منتج صناعي أو زراعي يعني استعمال كميات ضخمة من الماء وعندما تفكر في استهلاك الماء في منزلك فعليك بعد اليوم أن تأخذ في الحسبان ما هو أكثر من الماء الخارج من الصنبور؛ ربما يجب أن تفكر في الصنبور نفسه أو التفاحة التي تقوم بغسلها.

يبين الجدول التالي كمية المياه الافتراضية ضمن سلع مختلفة

إن مفهوم المياه الافتراضية كان قد طرح من قبل طوني ألان Tony Allan في أوائل التسعينات من القرن الماضي، ولكنه احتاج عقداً من الزمن قبل أن ينال الاعتراف العالمي بأهميته في الوصول إلى الأمن المائي الإقليمي والعالمي. عقد أول إجماع عالمي بخصوص هذا الموضوع في مدينة دِلفت Delft في هولندا عام 2002.

الاستخدامات العملية لمفهوم المياه الافتراضية: لها استخدامان أساسيان هما تجارة المياه الافتراضية والبصمة المائية

1- تجارة المياه الافتراضية:

يمكن أن تــــُــــفســِّـــر المياه الافتراضية كيف يمكن لبلد معين أن يستهلك مياهاً أكبر من المياه المتوفرة في أراضيه. مثلاً؛ هل سيكون نقل متر مكعب واحد من الأرز أسهل أم نقل 3400 متر مكعب من المياه اللازمة لزراعة هذا الأرز؟!

من الطبيعي أن يكون نقل متر مكعب من الأرز أسهل بكثير وبالتالي فإن تجارة المياه الافتراضية يمكن ان تستبدل حاجة منطقة إلى المياه عن طريق إدخال بضاعة زراعية أو صناعية تتطلب الكثير من المياه لإنتاجها من مناطق أخرى من العالم لا تعاني من العجز المائي. وهي إحدى الطرق التي يمكن للأمم أن تتعاون من خلالها لإدارة الموارد المائية.

الشكل أعلاه: تجارة المياه الافتراضية حول العالم بين العامين 1995 و1999 يشير الأحمر إلى وجود صافي واردات والأخضر إلى صافي صادرات.

تعتبر كندا وأستراليا غنيتان بالمياه ولذلك فإنهما تنتجان العديد من البضائع التي تتطلب كميات كبيرة من المياه مثل اللحوم والمواشي، بينما تنتج الدول المستوردة للمياه الافتراضية بضائع أقل من تلك التي يتطلب إنتاجها كميات كبيرة من المياه. وبالتالي فإنها تقلل من العجز المائي لديها.

2- البصمة المائية Water Footprint:

الاستخدام العملي للثاني لمصطلح المياه الافتراضية يكمن في حقيقة أن المحتوى الواقعي للماء ضمن سلعة معينة تخبر شيئاً عن الأثر البيئي الناتج عن استهلاك هذه السلعة. فعند معرفة المحتوى الماء الواقعي لإنتاج سلعة ما فهذا يخبر عن كمية المياه المحتاجة لإنتاج مختلف السلع، وبالتالي يعطي فكرة عن أثر المنتج على النظام المائي وكيف يمكن تحقيق توفير في استهلاك المياه خلال الإنتاج.

قام الباحثان Hung و Hoekstraعام 2002 بطرح مفهوم البصمة المائية Water footprint ليعبر عن كمية المياه الافتراضية التراكمية ضمن السلع والخدمات التي يستهلكها الفرد أو المجتمع. وشكل مفهوم البصمة المائية أداة قوية لإظهار أثر البشر على المصادر الطبيعية.

وهنا يجب التمييز بين نوعين من البصمة بصمة الإنتاج وبصمة الفرد:

- البصمة المائية للإنتاج: وهي حجم المياه العذبة التي يستخدمها الناس لإنتاج السلع وتقاس كمية المياه على طول عمر السلعة من الإنتاج إلى الاستهلاك. تصنف البصمة المائية ضمن هذا المفهوم إلى ثلاثة أصناف:

1. البصمة المائية الخضراء: وتعبر عن حجم مياه الأمطار التي تتبخر خلال عملية إنتاج السلعة حيث تكون ضمن الزراعة مثلاً ممثلةً بكمية المياه المختزنة ضمن التربة والتي تتبخر من حقل المحاصيل.

2. البصمة المائية الزرقاء: وتعبر عن كمية المياه المستهلكة من مصادر المياه السطحية أو الجوفية وضمن الزراعة تمثل كمية المياه التي تتبخر خلال ري المحاصيل.

3. البصمة المائية الرمادية: وتعبر عن كمية المياه اللازمة للتخفيف من الملوثات الناتجة عن عملية الإنتاج.

تتضمن البصمة المائية لدولة ما كافة المياه العذبة المستخدمة في إنتاج السلع والخدمات المستهلكة من قبل المواطنين. وبالتالي تعني كمية المياه المطلوبة من مختلف المصادر المائية لتأمين إنتاج الدولة. وإذا أردت أن تعرف البصمة المائية لبلدك يمكنك استخدام الشكل التفاعلي على الرابط: هنا

- البصمة المائية للفرد: تمثل الاستهلاك المباشر وغير المباشر من المياه للفرد. ويكون الاستهلاك المباشر للمياه نتيجة لاستخدام المياه في الشرب والغسيل والري. أما الاستهلاك غير المباشر فيمثل كمية المياه العذبة المستهلكة والتي استخدمت لإنتاج البضائع والخدمات المشتراة ( الكهرباء مثلاً) من قبل الفرد.

إن البصمة المائية الوسطية للفرد في الولايات المتحدة الأمريكية تساوي 2480 متر مكعب للفرد في السنة. بينما تكون البصمة الوسطية للفرد في الصين 700 متر مكعب للفرد في السنة. أما المتوسط العالمي فيساوي 1240 متر مكعب للفرد في السنة.

يمكنك حساب البصمة المائية لنفسك بشكل تقريبي من هنا

بعد قراءة هذا المقال، هل يمكن أن تغير نمط حياتك يوماً ما نحو استهلاك منتجات تحتاج كميات مياه أقل لحماية مصادرنا؟! إذا كانت إجابتك بنعم فقد صرت على الأقل قادراً على إدراك مفهوم المياه الافتراضية المرتبطة بالسلع.

المصادر:

المصدر الرئيسي:

1. Tom Theis and Jonathan Tomkin، Sustainability، A comprehensive foundation، CONNEXIONS، 2012. هنا

مصادر أخرى:

2. A.Y. Hoekstra، Virtual water trade Proceedings of the International Expert Meeting on Virtual Water Trade، IHE Delft،2003. هنا

3. هنا