الفيزياء والفلك > فيزياء

تحويل الخلايا الحية إلى ليزرات صغيرة

أصبح الليزر في العقود الأخيرة جزءاً مهماً من حياتنا بفضل تطبيقاته المتنوعة، إذ يتميز الليزر بحزمة ضيّقة تنتشر في اتجاه محدد. كما أن الأصبغة المتألّقة أصبحت شائعة الاستخدام أيضاً، وتستخدم بشكل روتيني في الأبحاث و التشخيص لتحديد خلايا وأنسجة محددة (وسمها بعلامات محددة لتمييزها كما في الصورة حيث يمكن تمييز الخلايا المضيئة بلون أخضر مميز بفعل الليزر عن محيطها). إذ أن تسليط الضوء على الأصبغة المتألقة تجعلها تعيد إصدار ضوءٍ بلونٍ مميز. ويتم استخدام اللون و شدة الإضاءة كمقياس لتراكيز موادٍ كيميائيةٍ مختلفة، مثل الـ DNA، والبروتينات، أو حتى وسم الخلايا. ولكنّ للأصبغة المتألقة مساوئ جوهرية، منها أنه لا يمكن تمييز سوى بضعة عشرات من الألوان المختلفة.

وجد الباحثون أنه إذا قمنا بوضع الأصبغة في حجرة بصرية تعمل على تقييد الضوء، كجملة مرآتين مثلاً، فسيكون بإمكانها إصدار ليزر. وبذلك يمكننا تكوين ليزر مصغّر بإمكانه إصدار الضوء داخل خلية حية واحدة.

قام الباحثون بصناعة هذه الليزرات من حبيبات البوليستيرين الصلبة الأصغر بعشر مرات من قطر شعرة الإنسان. تحتوي هذه الحبيبات على صباغ متألق، و يحجز سطح الحبيبة الضوء بداخله مشكلاً بذلك حجرة بصرية. ثم قاموا بإدخال هذه الحبيبات إلى الخلايا الحية التي ستمتص الليزر خلال بضع ساعات. ثم شغّلوا الليزر بإضاءته بضوء خارجي دون أن يضر ذلك بالخلية، و تم التقاط الضوء الصادر عن الخلايا باستخدام مقياس طيفي ليتم تحليله.

يعمل الليزر هنا كحساس شديد الفعالية مما يجعل فهمنا للعمليات الخلوية أفضل. فمثلاً، استطاع الباحثون قياس التغير في قرينة الانكسار نتيجة تغير تراكيز الملح في الوسط المحيط بالخلية؛ حيث ترتبط قرينة الانكسار مباشرةً بتركيز المكونات الكيميائية في الخلية كالـ DNA، والبروتينات، والدهون. كما يمكن استخدام الليزر كما ذكرنا في وسم الخلايا، إذ يختلف الليزر الصادر من خلية إلى أخرى، ما يجعلنا قادرين على التمييز بين الخلايا. و بما أن حزمة الليزر ضيقة للغاية سيجعلنا ذلك قادرين على وسم عدد كبير من الخلايا، وهو ما لم يكن ممكناً من قبل. بتصميم دقيق لليزر يمكننا وسم حوالي ألف مليار خلية، و يقترب هذا الرقم من عدد الخلايا الإجمالي في جسم الإنسان، لذا نستطيع نظرياً تعليم جميع الخلايا في جسم الإنسان، وتعدّ هذه قفزة نوعية في طرائق تعليم الخلايا المستخدمة حتى الآن، والتي لا تستطيع سوى وسم بضع مئات من الخلايا على الأكثر، وقد قام الباحثون حتى الآن بوسم الخلايا في أطباق بيتري، لكن ما من سبب يدعو لعدم تطبيق ذلك على الخلايا داخل الجسم الحي.

استخدم الباحثون في هذه التقنية قطرات الزيت كليزر داخل الخلايا بدلاً من الحبيبات الصلبة، و ذلك بحقن القطرات الحاوية على الصباغ المتألق داخل الخلية باستخدام ماصّة مكرويّة. وقد استطاعت القوى الفاعلة في الخلية أن تغير شكل قطرة الزيت ( وهو مالا يمكن فعله في الحبيبات الصلبة )، وبتحليل الضوء المنبعث من ليزر القطرة، بإمكاننا قياس القوة المطبقة عليها. و تعدّ هذه طريقةً للحصول على صورة دقيقة لأنواع القوى الميكانيكة المتولّدة داخل الخلية نتيجة عدّة عوامل كالهجرة الخلوية و الانقسام الخلوي.

كذلك من المعروف أن الخلايا تحتوي بالأصل على قطرات الدّسم، و التي يمكنها أن تعمل كليزرات طبيعية، فلا تحتاج لحقنها بالليزر و إنما تزويدها فقط بأصبغة متألقة غير سامة. وبالتالي فإن كلاً منا يمتلك ملايين الليزرات داخل أنسجته الدهنية، والتي تحتاج فقط لأن تُفعّل لتنتج ضوءاُ ليزرياُ.

تساعدنا هذه التقنية الجديدة في فهم العمليات الخلوية، و بالتالي تحسين التشخيص والعلاج الطبي.كما قد تمكننا في النهاية من إجراء بعض الفحوصات داخل جسم الأنسان دون الحاجة لأخذ العينات، إذ تعتبر الخلية كآلة ذكية مزودة بمعالج داخلها هو الـ DNA . أما الخلايا المتخصصة كالخلايا المناعية فسيكون بإمكانها إيجاد الأمراض وأماكن الالتهابات ناقلةً الليزر إلى تلك الأماكن و استخدامه بهدف التشخيص والعلاج. تخيل أنه بدلاً من أخذ خزعة لكتلة ما يشتبه الأطباء في كونها خبيثة، ستساعد الليزرات الخلوية في تحديد مكونات الكتلة. و من المتوقع أن تشكل الخلايا الليزرية طريقة لاستخدام الليزر في العلاج، فعلى سبيل المثال يُمكن تفعيل عقار حساس للضوء في الأماكن المستهدفة لقتل الجراثيم أو الخلايا السرطانية.

المصدر: هنا