الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

كيف تؤثر عنفة الرياح صديقة البيئة على سكان البيئة؟

إن الطلب المتزايد على الطاقة مع الشعور بأن كوكبنا هو عبارة عن نظام بيئي ذو توازن حسّاسٍ جداً، أدّى بالإنسان إلى البحث عن آليات جديدة لتحويل الطاقة مع المحافظة على هذا التوازن. لذلك، فقد شهدنا تسارعا كبيرا باستخدام الطاقات المتجددة ومنها: عنفات الرياح. ولكن هذه المنشآت، بالرغم من محاسنها العديدة بما يخص التلوث، لاتخلوا من بعض المساوئ على الإنسان والحيوان. سنتحدث في هذا المقال عن تأثيرات عنفات الرياح على الطيور وعن ردود أفعالهم تجاهها أو مايُسمّى ب "التجنُّب" و"الفخّ البيئي" (Ecological Trap) وسنعرض أيضاً بعض آثارها السلبية على الإنسان (جماليّة، صحيّة وثقافيّة).

1- عنفات الرّياح والطيور: بعض التأثيرات التي يمكن أن تسببها عنفات الرياح على الطيور: الموت من خلال التصادم، تغيير المسارات، تناقص وتغيير أماكن السكن بسبب الإزعاج. بالإضافة إلى إن وجودها ممكن أن يؤدي إلى تناقص الولادات عند الطيور بسبب الأثار الناتجة عن تغيير الأماكن (هجر الأعشاش) وفقدان الأهل بسبب الموت من خلال التصادم وزيادة عدد الطيور التي تقوم بالبحث عن الغذاء في الحاويات مما يؤدي إلى حدوث خلل في ديناميكات مجتمعات الطيور. ولكن من الصعوبة الجزم بأن عنفات الرياح لها دوماً تأثير كبير على مجتمعات الطيور لأن هذا يعتمد على تحديد الإصابات الناتجة عن التصادم وعلى الجهد المبذول من أجل تفادي الأخطار وأيضاً على توافر أماكن سكن بديلة. لذلك يجب تجنب إنشاء عنفات الرياح في مواقع يكثر فيها تواجد الطيور وخصوصا المهددة بالانقراض أو الحسّاسة منها مع مراعات مسارات تنقلها، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة فدراسة تنقلات الطيور (لماذا؟ كيف؟ أين؟ وماهي العوامل الخارجية المؤثرة؟) هو أمر معقد تدخل به الكثير من المتغيرات مثل الهجرات والنشاطات السُكانيّة وقوة الرياح وتقلبات المناخ وحركات السفن وغيرها الكثير.

لطالما قامت الفرائس عبر الزمن بتطوير ردود أفعالٍ تجاه الحيوانات المفترسة. بنفس الطريقة تقوم الطيور بالتجاوب مع أخطار عنفات الرياح التي دخلت بشكل مفاجئ على بيئتهم. يَفتَرض بعض الباحثون بأن "عنفات الرياح" مشابهة ل "خطر الافتراس" حيث أن كلاهما يفرضون على الطيور بذل جهد ووقت من أجل تفاديهم بدل من أن يقومون بصرف هذه الطاقة على نشاطاتهم المعتادة مثل الاطعام والاهتمام بأولادهم والتودد فيما بينهم. لذلك يُعتبر ال "تجنّب" مشابهاً لحد ما لاستراتيجيات تفادي "خطر الافتراس" مع الفرق بأن عنفات الرياح ثابتة بعكس الحيوانات المفترسة.

بهدف فهم هذه المشكلة من أجل محاولة إيجاد حلولٍ لها، يقوم باحثون بتحليل عمليّات "التجنّب" حيث قام "المعهد النرويجي للعلوم الطبيعية" من خلال إحدى الدراسات بتحديد ثلاثة أنواع له:

- * التجنّب على النطاق الكبير: تغيير المكان. تقوم الطيور بتجنب مناطق وجود عنفات الرياح بشكلٍ كامل (تسمى هذه المناطق بالغابات)،

- * التجنّب على النطاق المتوسط: مراوغة ارتجالية مبنية على التوقع. يتم تجنّب بضعة عنفات رياح (مايسمى بالأشجار)،

- * التجنّب على النطاق الصغير: هروب باللحظة الأخيرة من شفرات العنفات (تُسمى بالأغصان).

عند بناء عنفات رياح في مناطق تواجد الطيورٌ ، يمكن أن تكون ردة فعل الطيور بتجنب هذه المناطق مما يؤدي إلى تقلص المساحات التي تتنقل بها الطيور وفقدانها بعضاً من مساكنها المعتادة (تجنّب على النطاق الكبير). أمّا في حال وجود العنفات في مسارات تستخدمها الطيور، للهجرة أو البحث عن الطعام، فإن الرد يكون تفاعليا خلال عملية الطيران (تجنّب على النطاق المتوسط والصغير).

"الفخ البيئي" (Ecological Trap)

تقوم الطيور باتخاذ أماكن سكنٍ لها عن طريق الموازنة بين خطر الافتراس ونوعية وسهولة الوصول إلى الغذاء آخذين بالحسبان الطاقة التي يجب بذلها. لذلك فإنها تقوم بإمضاء وقت قصير في الأماكن ذات المخاطر العالية وتنتقل إلى أماكن سكن أخرى اعتماداً على الموازنة بين الضرر الفائدة من ترك هذا المكان. ولكن إذا كانت أماكن السكن الأخرى غير متوافرة أو بعيدة، أو إذا كانت أماكن السكن بقرب عنفات الرياح ذات جودة عالية، فقد تضطر الطيور للبقاء بها مما يزيد من أخطار الموت من خلال التصادم. يطلق على هذه الحالة اسم: "الفخ البيئي" حيث تُغرى الحيوانات بأماكن سكن خطرة ذات معدلات تكاثر منخقضة. يوجد العديد من العوامل (نوع الطير، الحجم، آليات الانجاب، الموسم، إلخ..) التي تؤثر على خيارات السكن وعلى قرار البقاء في مكان خطر. بالإعتماد على حساسية المخلوق تجاه الازعاجات (أ) ضعفه تجاه خطر الموت بالتصادم (ب)، تقوم الطيور إمّا باختيار السكن في الأماكن الخطرة (في حال كان أ < ب، مما يعني "فخ بيئي") أو تجنب أماكن السكن الجيدة بالقرب من عنفات الرياح (أ > ب، مما يسمى ب "الفخ الحسّي" Perceptual Trap). تعتمد هذه القرارات أيضاً على ذاكرة الطيور وعلى قدرتهم على التنقل.

بالرغم من أن أعداد الطيور والخفافيش التي ماتت بسبب التصادم بشفرات عنفات الرياح يبقى قليلاً خصوصاً بالمقارنة مع أسباب موت أُخرى(جدول 1)، إلّا أن الكثير من الدراسات تتطرق لهذا الموضوع بشكل مُتعمّق. هذا التحرّك العلمي يهدف إلى تجنُب المشكلة قبل أن تتفاقم وتصبح خطراً كبيراً ويهدف إلى إيجاد حلول تجعلنا نستفيد من الميزات المهمّة لعنفات الرياح دون إخلال توازن بيئتنا.

2- عنفات الرّياح والإنسان:

الآثار الجماليةAESTHETIC IMPACTS

بالرغم من قلة الدراسات التي تُعنى بموضوع الآثار الجماليّة لعنفات الرياح، إلّا أنها تعد سبباً أساسيا للقلق فيما يتعلق بهذه المشاريع. ترتبط الناس بشكل كبير بالأرض وتميل بشكل فطري لحمايتها والقلق بشأن تغيير ملامحها ولكن الرأي العام تجاه مشاريع الطاقة الريحية ليس واحداً. فللبعض، تبدو العنفات الريحية مُسرّة بصرياً وللبعض الآخر تبدو كآلة صناعية دخيلة. أظهرت إحدى الدراسات أن المزارع الريحية تحظى بتأييد كبير بشكل عام ولكنها تحظى بتأييد أقل عند الاقتراب من منزل الفرد. لذلك فإنها تسبب بعضاً من الازعاج الجمالي بسبب ارتفاعها الذي يتجاوز معظم المنشآت الأخرى في المنطقة، بسبب حركة شفراتها التي بالإضافة إلى أضواء الإشارة لتنبيه الطيران تقوم بجذب الانتباه من مسافات بعيدة.

* الآثار الثقافية CULTURAL IMPACTS

تؤثر مشاريع المزارع الريحية سلباً وإيجاباً على كل من الأماكن الترفيهية والتاريخية والمقدسة. بعض الآثار الإيجابية: استقطاب السياح والباحثون. من جهة أخرى، تأتي الآثار السلبية المباشرة على الأماكن الترفيهية عندما يحول وجود عنفات الرياح دون وإنشاء نشاطات ترفيهية في المنطقة. أما الآثار غير المباشرة فإنها تحدث عندما يؤثر المشروع على القيمة الجمالية للموقع وبالتالي سلباً على متعة النشاط الترفيهي.

بالنسبة للمواقع التاريخية والأثرية والمقدسة يجب الأخذ بعين الاعتبار ألا تحدث مشاريع عنفات الرياح ضرراً دائماً على الموقع. يجب استشارة السلطات المعنية فيما يتعلق بالآثار قبل بدء الإنشاء، كما يجب الانتباه إلى قدسية المكان بالنسبة للسكان المحليين.

في معظم الأحيان يمكن تجنب الآثار المباشرة (إزالة المكان أو إحداث ضرر فيزيائي) ولكن الضرر الغير مباشر يتمثل في الضرر على تجربة الزيارة لهذه الأماكن بسبب مشاهدة أو سماع صوت العنفات الريحية.

* الآثار على صحة وسلامة الإنسان IMPACTS ON HUMAN HEALTH AND WELL-BEING

يمكن لمشاريع المزارع الريحية أن تؤثر سلباً وإيجابا على صحة وسلامة الإنسان. تتلخص الآثار الإيجابية بعدم تلويث الهواء من خلال توليد الطاقة الكهربائية بطرق أخرى. وعلى النقيض فإنها تؤثر سلباً عن طريق الضجيج وارتعاش الخيال Shadow flicker.

تحتوي العنفة الريحية على العديد من الأجزاء الدوارة التي ينتج عنها نوعان من الضجيج خلال التشغيل: ميكانيكي وايروديناميكي. إن الضجيج الميكانيكي يُبث بصيغة تردد طنيني Tonal مترافق مع التجهيزات الدوارة بينما تتمتع الأصوات الآيروديناميكية بتردد واسع الطيف Broadband. يُنتج الضجيج الميكانيكي من الأجزاء الدوارة في القمرة بينما يأتي الضجيج الآيروديناميكي نتاجاً لتصادم شفرات العنفة مع جريان الهواء المضطرب.

إن مستوى الضجيج من عنفة ريحية واحدة حوالي 90-105 dB (A) ومثل هذه العنفات تحدث ضجيجاً يترواح بين 50-60 dB (A) على بعد 40 متراً (وهو ما يساوي مستوى الضجيج الناجم عن محادثة) ويتراوح مستوى الضجيج من مشاريع المزارع الريحية بين 35-45 dB (A) على بعد 300 متراً وهو ما يعتبر مستوى منخفض مقارنة بمكتب مزدحم ( حوالي 60 dB (A)). بالرغم من ذلك فإن بعض الدول الأوروبية قامت بوضع حدود عليا للضجيج المسموح به وفقاً لطبيعة المنطقة المحيطة وحسب وقت التشغيل (جدول 2).

ترمي شفرات العنفة الريحية خلال دورانها في الأيام المشمسة ظلاً متحركاً على الأرض مما يؤدي إلى تغير متناوب مع شدة الإضاءة وتعرف هذه الظاهرة باسم ارتعاش الخيال Shadow flicker. يمكن لهذه الظاهرة أن تكون مزعجة للبشر المتواجدين في الجوار.

يؤثر ارتعاش الخيال بشكل أكبر في الشتاء نتيجة انخفاض زاوية الشمس في السماء. يتبع ارتعاش الخيال لعدة عوامل منها موقع السكان مقارنة مع العنفة وسرعة الرياح والتغير النهاري لضوء الشمس وخط العرض للموقع والطبوغرافية المحلية ووجود العوائق. لا يعتبر ارتعاش الخيال ظاهرة مهمة على مسافة كبيرة من العنفة (أكثر من 300 متر) إلا في الصباح والمساء عندما تكون الظلال أطول (شكل 1).

شكل (1): أثر ظل العنفة

المراجع:

Schaub، M. (2012). Spatial distribution of wind turbines is crucial for the survival of red kite populations. Biological Conservation، 155، 111-118.

May، R. F. (2015). A unifying framework for the underlying mechanisms of avian avoidance of wind turbines. Biological Conservation، 190، 179-187.

European Wind Energy association، "Wind Energy-the facts، a guide to the

technology، economics، and the future of wind power"، Earthscan، 2009،pp. 334.

Thayer، R.L.، and H.A. Hansen. 1988. Wind on the land. Landscape Archit. 78(2):69-73.

Wolsink، M. 1990. The siting problem: Wind power as a social dilemma. Pp. 725-729 in European Community Wind Energy Conference: Proceedings of an International Conference، September 10-14، 1990، Madrid، Spain، W. Palz، ed. Bedford، England: H.S. Stephens.

Gipe، P. 2002. Design as if people matter: Aesthetic guidelines for a wind power future. Pp. 173-214 in Wind Power in View: Energy Landscapes in a Crowded World، M.J. Pasqualetti، P. Gipe، and R.W. Righter، eds. San Diego، CA: Academic Press.

Hecklau، J. 2005. Visual Characteristics of Wind Turbines. Presentation at the Technical Considerations in Siting Wind Developments: Research Meeting on December 1-2، 2005، Washington، DC

Committee on Environmental Impacts of Wind-Energy Projects Board on Environmental Studies and Toxicology Division on Earth and Life Studies، " Environmental Impacts of Wind-Energy Projects'، THE NATIONAL ACADEMIES PRESS، 2007. Pp.144

BWEA (British Wind Energy Association). 2000. Noise from Wind Turbines—The Facts. British Wind Energy Association، London

Sathyajith Mathew، " Wind Energy Fundamentals، Resource Analysis and Economics"، Springer، 2006، pp.199.

Erich Hau،"Wind Turbine، Fundamentals، Technologies، Application، Economics"، Springer، 2006. pp. 539.

Nielsen، A. 2003. Shadow Flicker Briefing. Prepared for Zilkha Renewable Energy، Portland، OR، by Wind Engineers، Inc.

هنا

هنا