البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

البكتيريا والبشر... قصة حياة| كيف ساعدت البكتيريا على استقرار المجتمعات الحيوية البشرية؟

لو عدنا بالتاريخ حوالي 30 أو 40 ألف عاماً من الآن، لوجدنا أنّ عدد سكان الأرض لم يتجاوز الـ40 ألف، موزَّعين بين إفريقيا وأوروبا وأجزاء من آسيا. ولكن يا ترى هل بقي البشر موجودون حتى الآن بِفِعل الحظ؟ أم أنّ وجودنا ناتج عن قدرة أسلافنا على الصمود أمام الكوارث الطبيعية والتغيرات البيئية التي واجهتهم؟

بحسب دراسات، فإنَّ الاحتمال الثاني هو الصحيح.

يفوق تعداد البكتيريا الموجودة في أجسامنا تعداد الخلايا الحية بما يعادل نسبة 10/1. وقد تم الكشف حديثاً عن الدور الكبير لهذه البكتيريا في بعض العمليات الحيوية في جسم الإنسان، كالمزاج والوزن والمعرفة. أما بعض الأنواع كالبكتيريا المعدية "الملوية البوابية Helicobacter pylori" قد تكون متعايشة لعقود دون أيّ ضرر على صحة للمضيف، ومن ناحية أخرى فقد تسبب القرحة المعدية أو حتى سرطان المعدة، مع ازدياد احتمال الإصابة بالمرض مع التقدم في السن.

فمن المحتمل جداً أنّ هذه البكتيريا قد عملت على تخفيض عدد المسنين، مما أتاح لغيرهم من اليافعين والصغار الحصول على غذاء وموارد أكثر. وبهذا تكون هذه البكتيريا قد شاركت في عملية إطالة سن الطفولة لدى البشر مقارنة مع الكائنات الحية الأخرى.

حيث يقول أحد الباحثين: "بدأت أعتقد أنّ الكائن المتعايش الحقيقي هو الكائن الذي يساعدك على البقاء حياً ما دمت يافعاً ويقتلك عند تقدمك بالعمر. وهو ليس بالأمر المحبّذ على الصعيد الشخصي ولكنه حتماً ذو نتائج إيجابية على صعيد الجماعة".

ولاختبار حقيقة تأثير البكتيريا على دورة حياة البشر قام الباحثون بوضع نموذج حسابي لمحاكاة جماعة بشرية قديمة. حيث افترضوا عمر الـ120 كالحد الأقصى لحياة هذه الجماعة، وهو العمر الأقصى نفسه للإنسان الحالي، وذلك على الرغم من أنّ العمر المفترض للبشر القدماء كان أقصر من العمر الحالي، وهو ما يعود لعوامل وأسباب خارجية أخرى كالأمراض التي يمكن أن يصاب بها الأفراد أو الأذيات الجسدية التي يمكن أن يتعرضوا لها، أوبعض الأمراض الميكروبية التي أصبحت تعالج اليوم ببساطة بوساطة المضادات الحيوية والتي لم توجد في السابق.

اعتمد النموذج على تقسيم البشر في مجموعات ثلاث وهي: الصغار، ومن هم في سن الإنجاب، والمسنين أو الذين انتهت سنواتهم الإنجابية. وتم تتبع التغيرات السكانية وفق التقسيمات بناءً على الخصوبة ومعدل الوفيات.

على سبيل المثال، تمت تجربة محاكاة رفع عدد البكتيريا من نوع Shigella، وهي مسؤولة عن التسمم الغذائي، كما يمكن أن تُسبب وفاة الأطفال الصغار.

كانت النتيجة انهيار الجماعة.

أما في مثال آخر وعند زيادة عدد البكتيريا Helicobacter pylori، والتي تتزايد طبيعياً مع التقدم بالعمر. وُجِد أنّ الجماعة تميل لأن تكون أكثر استقراراً، حيث أنّ أكثر الوفيات كانت في المسنين. مما أتاح لليافعين الحصول على الموارد الغذائية بشكل أكبر. وفي المقابل، فإنّ الجماعات التي لم تتواجد فيها هذه البكتيريا فقد ازدادت نسبة عدد المسنين فيها ووُجِد أنّ الجماعة بشكل عام تميل للتناقص أو الانهيار كما في المثال الأول.

وفي النهاية، تدل الأبحاث على أنّ البكتيريا قد تطورت لتتصيد المتقدمين في العمر دون غيرهم مساهمة في استقرار البشر واستمرار وجودهم، ولكن ذلك طبعاً لم يكن محبّة بالبشر، وإنما كان ذلك من مصلحة الجماعات البكتيريا حيث تعتمد على وجود عدد مستقر دائماً في أعداد المضيفين لتحافظ بدورها على وجودها.

المصدر: هنا

البحث الأصلي: هنا