التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

كارثة السفينة البيضاء هل كانت حادثاً مدبراً أم كانت قضاءً و قدرأ؟! الجزء الثاني

نتابع معكم في هذا الأسبوع الجزء الثاني من مقالنا عن كارثة السفينة البيضاء، إحدى أغرب قصص الجرائم البحرية في التاريخ.

فسر العديد من المؤرخين غرق السفينة البيضاء بأنها مجرد حادثة، كان سببها ثمل الركاب وطاقم السفينة، فهم يرون أن تلك الحادثة كانت مشيئة الله على الفعل الآثم لأولئك الذين ركبوا على متن السفينة البيضاء.

إلا أن باحثةً واحدة، كان لديها نظرية أخرى، فيكتوريا تشاندلر، و التي كانت تحاضر في كلية جورجيا حتى وفاتها عام 1999. لقد كتبت تشاندلر مقالاً بعنوان "تحطم السفينة البيضاء: هل كشف عن ارتكاب جريمة جماعية؟" حيث تشير من خلال مقالها هذا إلى إمكانية أن يكون أحدهم قد حول اتجاه السفينة عمداً نحو الصخور بعيداً عن هارفلور. و قد قامت بإجراء دراسة لمن قد يكون لديه الدافع لارتكاب مثل هذا العمل و قد وجدت بعض الأدلة المثيرة للاهتمام .

قد يكون أحد أبرز المشتبه بهم ستيفين من بلوا، أولاً بسبب مغادرته للسفينة تماماً قبل انطلاقها، و ثانياً لأنه في نهاية المطاف هو المستفيد الأكبر من وقوع هذه الكارثة، فالملك هنري الأول لم يعد لديه وريث شرعي. فقد كان من المفروض أن تستلم ماتيلدا ابنة الملك هنري الأول الحكم بعد وفاته في العام 1135، إلا أن ستيفن استطاع أن يحصل على دعم نبلاء الانجلو نورمان ويسلم حكم انكلترا لابنه ستيفين "الثاني".

لكن فكتوريا تشاندلر، استبعدت أن يكون هذا هو الدافع وراء كارثة السفينة البيضاء، لأنه و حتى لدى وفاة الأمير ويليام سيكون من المستبعد جداً أن يحظى ستيفين بمنصب الوريث الملكي، كما أن الملك هنري كان كثير النسل و كان مايزال أمامه العديد من السنوات لإنجاب أطفال قد ينصب أحدهم الوريث الشرعي له.

و بدلاً من ذلك فقد وجدت فكتوريا تشاندلر أن رجلاً آخر كان مرشحاً قوياً ليستفيد من هذه الكارثة في تحقيق مكاسب كبيرة، رانولف ميشن ابن شقيق ريتشارد، وايرل مدينة شيستر، و يعتبر أحد أهم نبلاء مملكة الانجلو نورمان. لقد كان ريتشارد أحد الذين ركبوا على متن السفينة البيضاء مع العديد من أفراد العائلة، مما يتيح الفرصة أمام رانولف ميشن أن يكون وريث تركتهم الوحيد في حال قضوا جميعاً في حادثة السفينة البيضاء.

و قد كان رانولف على متن قارب الملك عندما غادر هارفلور. تذكر تشاندلر في ملاحظاتها:

كان رانولف بحاجة إلى مساعدة شخص آخر يكون موجوداً على الشاطئ في المؤامرة التي كان يرسمها، و يبدو أنه كان لديه الشخص المطلوب. لقد كان من بين أولئك الذين غادروا السفينة قبل إبحارها، كما فعل ستيفن من بلوا، شخص يدعى ويليام من رومير وهو ابن روجر فيتز و لوسي من بولينغ بروك. توفي والد ويليام وهو ما يزال طفلاً مما دفع بوالدته إلى الزواج للمرة الثالثة و قد كانت هذه المرة من نصيب رانولف ميشن. ربما قام ويليام و زوج والدته رانولف ميشن بمراقبة ركاب كل من السفينة البيضاء و قارب الملك في ذلك اليوم من شهر تشرين الثاني، و قد أدرك كل منهما أن لديه فرصة العمر، فرصة الحصول على لقب ايرل تشيستر، إضافةً إلى إرباك خلافة العرش، خالقين بذلك حالةً في المستقبل تجعل من يملك زمام الأمور حينها المرشح الأكبر لنيل لقب الملك.

"و على كل فقد كان ويليام و زوج والدته بحاجة إلى متواطئ آخر يكون موجوداً على متن السفينة و يخطط لجعل المجدفين يصلون إلى مرحلة من الثمالة يفقدون فيها السيطرة على المجاديف و يوجهون السفينة في الاتجاه الخاطئ. لقد تمت معرفة هوية هذا المتواطئ، و بدقة عالية من قبل المؤرخ أوردريك فيتاليس. فقد كان من بين قائمة الضحايا التي وضعها فيتاليس شخص يدعى ويليام من بيرو (يعمل كخادم ملكي على متن السفينة)، إلا أن ويليام في الحقيقة بقي على قيد الحياة حتى عام 1123. و لكن كيف لأوردريك أن يرتكب خطأً كهذا؟ أو هل حقاً كان ذلك خطأً؟ أو هل كان يحاول أوردريك لفت انتباه قرّاءه إلى ويليام بيرو؟ هل كان بيرو موجوداً على متن السفينة عندما أبحرت و استطاع أن يغادرها من دون أي توجيهات؟"

لقد تبين أن ويليام بيرو كان على قيد الحياة لأنه ظهر كشاهد ملكي على وثيقة السابع من كانون الثاني من العام 1121 و هي وثيقة تم توقيعها أيضاً من قبل رانولف ميشن. تذكر التقارير أن ويليام بيرو قد غادر بورت سماوث إلى نورماندي بعد سنتين من وثيقة عام 1121، و اختفى اسمه من التاريخ بعد ذلك.

تختتم تشاندلر مقالها: "كم أنه لأمر مذهل أن يقدم لنا القرن الثاني عشر نموذجاً حقيقياً عن لغز الجريمة الحديثة، و حتى وصولنا إلى النتيجة النهائية التي تنسب تلك الجريمة إلى الخادم الملكي. نعم في الحقيقة لقد كان ذلك الخادم و من دون الحاجة إلى المراوغة. لربما يكون ذلك من أكثر الأمور إثارةً للدهشة في دراسة هذه الجريمة باستثناء بعض النقاط التي تعتمد على الحدس و التفسير، فإن القصة بكاملها حقيقية".

المصدر:

هنا