التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

الحوافزُ النقديةُ للمصرفيين في العهدِ الروماني

يتبوّأُ المصرفيونَ في يومنا هذا موقعاً مذموماً في أذهانِ الناس، حيثُ يرتبطُ ذِكرُهم باللعنِ والشّتمِ، و خاصةً بعدَ الأزمةِ الاقتصاديّةِ الأخيرةِ التي أصابتِ العديدَ منَ البلدان. وهذا ليس بالشيء الجديد فهم كذلك منذ فجر التاريخ حيث نَقدَهم "كاتو" في القرن الثاني وساواهم بالقتلة، كما صُوّروا في الأعمالِ الأدبيةِ على أنهم عديمو الضميرِ والأخلاق.

برغم ذلك فقد كانوا جزءاً أساسياً (كما اليوم) في الإقتصادِ الرومانيِّ، وقد أدّى عدمُ دعمِ الدولةِ الرومانيّةِ لهم في ذلك الوقت إلى نتائجَ كارثيةٍ على الإقتصادِ برغم مرورِه بفتراتِ نموٍّ استثنائية.

قدّمَ الدكتور "فيليب كاي" تحليلاً مفصّلاً للإقتصادِ الرّومانيِّ في عهدِ الجمهوريةِ المتأخرِ، حين مرّت الدولةُ الرّومانيةُ بازدهارٍ و نموٍّ اقتصاديٍّ غيرِ مسبوق بعد الحرب البونيّة الثانية(218-201 قبل الميلاد) بسبب نجاحاتها عسكرياً، فقد جمعت الضرائبَ والتعويضاتِ من سوريا وقرطاج ومقدونيا وغيرها، و أدّى وصولُ أكثرَ من ألف طَن من الفضةِ بعدَ الحربِ ب 50 عاماً إلى سكّ المزيدِ من الدنانيرِ و دخولِها التداولِ (من 68 مليون في 150 قبل الميلاد إلى 240 مليون في 50 ق.م) وكذلك ازدياد الودائع البنكية ممّا غذى الاستثمار في البُنى التحتيّةِ والزراعةِ في حوضِ المتوسط، ورفْعِ حركةِ التجارةِ 500% بين 249 ق.م و 50ق.م ولكنّ هذه الأرباحَ و الازدهارَ عادا بشكلٍ غيرِ متساوٍ على السّكانِ فقد استفادت الطبقاتُ العُليا في المجتمعِ 7 أضعافٍ ممّا حصلتْ عليه الطبقاتُ المتوسطة ثم اجتاحَ "ميثراداتس السادس" أسيا الصغرى واستولى على العديدِ من الأملاكِ والاستثماراتِ الرومانية هناك، ممّا أدّى إلى ضربِ الإقتصادِ الرّومانيِّ برُمَّتِه بشكلٍ مشابهٍ للأزمةِ الاقتصاديةِ الأخيرةِ التي تبعتها فترةٌ من النّمو الاقتصاديّ العالميّ يين 2001 و 2007، اقتبس الدكتور "كاي" عن "سيسرو" ما معناه أنّ الاموالَ الرومانيةَ ارتبطت بالأموالِ في آسيا ووأنّ الخسائرَ في إحداهما يعني بالتأكيد حدوثَ الخسائرِ في الأخرى.

لكنّ الفرقَ الأهمَّ بين الفترتين أن السّاسةَ القدماء عل عكسِ نُظرائهم الحاليين، لم يتعاملوا جيداً مع الرّكود ففي الأزمةِ الحاليةِ تمَّ تخفيضُ الفوائدِ، وقامت الحكوماتُ بالتحفيز و الضخِّ الماليِّ، كما ساعدت منظماتٌ أخرى كبنكِ النقد الدوليّ و منظمةِ التجارةِ العالمية بتأمينِ استمرارِ التجارة في العالم، ورغم تلقي القطاعِ الماليّ ضربةً موجعةً من حيث المعدّل العامّ للأجورِ والتوظيف، الا أن كبار المدراء التنفيذيين تلقوا حوافزَ بمئات الألوف.

في نفس السنة التى بدأت فيها الأزمة في روما، قام المستشاران "سولا و "وبومبيوس روفوس" بإصدار قانون يقضي بتحديد الفوائد، وبتعويضاتٍ جزئية على الديون. ثم قام "سولا" بمصادرةِ أملاكِ العديدِ من المواطنين البارزين.

هذه القراراتُ وغيرُها جعلَ أسعارَ العقاراتِ تتدهور أكثر، ومن ثم زاد الضّرر الواقع على البنوك، وأدّت الى انخفاض وتحديد حجم السيولة حتى نهاية القرن. لهذا يجبُ على القادةِ الحاليين أخذَ الحذرِ من الاهتمام بالمطالب الشعبية في هذه الأمور..

في 33 ب.م قام "تايبيريوس" باتخاذِ أحدِ القراراتِ الجريئةِ للتعاملِ مع الأزمةِ الاقتصادية، حيث سمح بالإقراض من دون فوائد، من هنا نجد أنّ الدرسَ الثمينَ الذي يجب أن نعيه من الدّولةِ الرومانيةِ و أخطائها في تلك الفترة أنه في حال حدوث هكذا أزمات فإن دعمَ القطاعِ الماليِّ و المصرفيِّ هو عادةً المانع الوحيد في وجه الكساد و هو ما يُفضَّل أن نفعله عند حدوث أزماتٍ اقتصاديةٍ في المستقبل.

هنا