الهندسة والآليات > مهندسون مبدعون

الجزري: العالم والمهندس العبقري

بديع الزمان أَبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري الملقب بـ الجزري (1136-1206) م. ولد الجزري في منطقة جزيرة ابن عمر التي تقع اليوم في الأقاليم السورية الشمالية على نهر دجلة، ثم عمل كرئيس المهندسين في ديار بكر (آمد) شمال الجزيرة الفراتية.

وحَظِيَ برعاية حكام ديار بكر من بني أرتق، ودخل في خدمة ملوكهم لمدة خمسٍ وعشرين سنة، وذلك ابتداءً من سنة( 570هـ/1174م) ، فأصبح كبير مهندسي الميكانيكا في البلاط.

يعتبر الجزري من أحد أعظم المهندسين والميكانيكيين والمخترعين في التاريخ. حقق شُهرَةً وعظمةً من خلال كتابه الشهير" الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل"، والذي يعتبر الأطروحة الأهم في الهندسة الميكانيكية في التراث العربي الإسلامي، وقد أثار هذا الكتاب اهتماماً بالغاً من قبل مؤرخي التقنيات ومؤرخي الفن كذلك.

وبالإضافةِ لإنجازاته كمخترعٍ ومهندسٍ كان الجزري فناناً بارعاً، فمخطوطاته التي مازالت باقية إلى الآن تزود القارئ بتعليمات مفصلة عن جميع اختراعاته وتوضحها باستخدام لوحات مصغرة، حتى يتمكن من إعادة بناء هذه الاختراعات، وهذا هو الأسلوب الخاص بالفن الإسلامي في القرون الوسطى.

وقد اعترف العالم "لين وايت" والكثير من علماء الغرب أن الكثير من تصاميم الآلات التي ابتكرها الجزري قد نقلت إلى أوروبا، وأنَّ التروس القطعية ظهرت لأول مرة في مؤلفات الجزري، وأنها لم تظهر في أوروبا إلا بعد الجزري بحوالي قرنين في ساعة "جيوفاني ديدوندي" الفلكية عام 1364م .

وكتب "دونالد هيل" وهو مؤرخٌ وأكاديميٌ مختصٌ في تاريخ الميكانيكا والهندسة الإسلامية في كتابه "دراساتٌ في التقنيات الإسلامية في القرون الوسطى: "من المستحيل أن نتجاهل أهمية عمل الجزري في تاريخ الهندسة، وحتى عصرنا الحالي، لا توجد أي وثيقة أخرى من أي منطقة قابلة للمقارنة مع هذه الكمية الهائلة من التعليمات والشروحات عن تصميمِ وتجميع الآلات“.

لم يكن الجزري قادراً على استيعاب تقنيات أسلافه من العرب وغير العرب فحسب، بل كان مبدعاً وخلاقاً، فقد قام بتصنيع العديد من الأجهزة الميكانيكية والهيدروليكية حيث يمكن رؤية أثر هذه الاختراعات في تصاميم المحركات البخارية ومحركات الاحتراق الداخلي، مما مهد الطريق إلى تقنيات التحكم الآلي والآلات الحديثة الأخرى. وبفضل هذه الاختراعات العظيمة له فقد لقب الجزري ب "أبي الهندسة ".

يصف كتاب الجزري خمسين جهازاً بالتفصيل، تم تصنيفها إلى ست فئات أساسية:

1. عشر ساعات مائية وشمعية (معتمدة على الشمع).

2. عشر أوعية وأشكال مناسبة من أجل الشرب.

3. عشرة أباريق وأحواض للوضوء.

4. عشر نوافير تغير شكلها بالتناوب، وآلات الفلوت.

5. خمس آلات لرفع المياه.

6. خمس أجهزة متنوعة.

تمَّ وصف كل جهاز أو (شكل) بلغةٍ عربيةٍ بسيطة وسهلة الفَهم، ويرفق مع الوصف أشكال ورسومات توضيحية ملونة لتسهل على القارئ فهم أي شيء متعلق بالجهاز.

* الساعة ذات شكل الفيل:

تعد هذه الساعة الشهيرة واحدة من أهم اختراعات الجزري، وتتكون من ساعة تعمل بالماء على شكل فيل، تتوضع على ظهره شخصياتٌ وأشكالٌ مختلفة تقوم بإصدار أصوات عند كلِّ نصف ساعة. هذا الجهاز يذكرنا بالساعات المتقنة الصنع التي وجدت في أوروبا في القرون الوسطى، الأمر الذي جعل مرور الوقت أكثر تسلية مع رؤية شخصيات وأشكال تتحرك. يوجد النموذج الحديث لهذه الساعة بحجمه الكامل حالياً ضمن مجمع ابن بطوطة في دبي.

تعتمد آلية التوقيت في هذه الساعة على دلو مملوء بالماء مخبئ داخل الفيل، وضمن الدلو يوجد وعاء عميق عائم في الماء مع وجود ثقب صغير في الوسط، يستغرق الوعاء نصف ساعة لكي تتم تعبئته بالماء. عندما يغرق هذه الوعاء يقوم بسحب سلسلة متصلة فيه مما يؤدي لتحرير كرة تسقط في فم الثعبان فيتأرجح هذا الثعبان نحو الأمام وفي نفس الوقت يقوم نظام السلاسل هذا بسحب اليد اليمنى أو اليسرى لسائق الفيل ليقرع بها الطبل معلناً عن مرور نصف ساعة. بعد ذلك يعود الثعبان إلى وضعيته السابقة ويتم رفع الوعاء الغارقة من الماء لتتكرر العملية مرة أخرى.

كانت هذه أول ساعة يكون لها رد فعل مؤتمت بعد مرور فترة معينة من الزمن. وهذه الآلية تعطي أفضل مثال لنظام الحلقة المغلقة.

وبالنهاية فإن المكونات الميكانيكية والفنية المختلفة لساعة الفيل تعكس إسهامات الحضارات اليونانية والمصرية والهندية والصينية والإسلامية، وهذا هو السبب بالفعل لتسمية هذه الساعة بساعة الحضارات.

المصدر

هنا