الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

هل الوقت مناسب للاستثمار في اليونان

للاستماع للمقال:

هل هذا هو الوقت المناسب للاستثمار في اليونان؟ ربما يجيب البعض بأن البلاد غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، وأنها غارقة في ديون ستضطرها إلى اللجوء إلى سياسات تقشفية خانقة، وبالتالي يجب الابتعاد عن كل ما يخص اليونان. لكننا بالعودة إلى التاريخ سنرى غير ذلك، فالوقت المناسب للاستثمار ربما يكون هو عندما يحل الكساد، أي عندما تنخفض الأسعار.

في عام 2008 دخلت شركة مايكروسوفت في مفاوضات لشراء شركة ياهو، وتُعتَبر الشركتان اثنتين من عمالقة الشركات التي تتنافس على حصة السوق. كانت شركة مايكروسوفت في وضع يسمح لها بالاستحواذ على شركة ياهو، حيث قدمت 44 مليار دولار من أجل شرائها، واعتبر المحللون الماليون أنه عرض ممتاز، لكن المدير التنفيذي لياهو آنذاك رفض العرض. أدى ذلك إلى انخفاض أسعار أسهم شركة ياهو بشكل كبير بين ليلة وضحاها. وصعَدت وسائل الإعلان من مخاوف الملكية في ياهو، أدى ذلك إلى حدوث تقلبات كبيرة في الأسعار، وتمكَن العديد من المستثمرين من تحقيق أرباح كبيرة. أي هنالك دائماً مستثمرون يستغلون انخفاض أسعار الأسهم تحت ظروف معينة، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى اختلاف المستثمرين بشأن توقعاتهم المستقبلية. هنالك حكمة في وول ستريت "شارع المال" تقول أن أفضل وقت للشراء هو عندما تحل الكوارث. و هذا يعني أنه لا يمكن الحصول على صفقة ممتازة عندما تكون الظروف ممتازة.

بالنسبة للمستثمرين الذين يرغبون بتحمل المخاطر، تشكل اليونان مجالاً عظيماً للاستثمار، فعلى الرغم من الأزمة الخانقة التي تمر بها، إلا أن هناك الكثير من الشركات التي مازالت بوضع جيد، فهي ما تزال تعمل وتنتج وتبيع وتكسب المال. كما أن شراء الأسهم اليونانية يختلف عن شراء سندات الحكومة اليونانية، لأن المستثمر يقوم بشراء حصة في شركات يونانية قائمة تمتلك إمكانية كبيرة للبقاء والنمو مستقبلاً عندما يتحسن وضع اليونان في نهاية المطاف. و مما لا شك فيه أن الكثير من الأسهم اليونانية قد تم تقييمها بأقل مما تستحق وهناك الكثير من المستثمرين اليونانيين الذين يرغبون بالتخلص من أسهمهم ليقوموا بإنقاذ أموالهم و إخراجها من البلاد. بينما في الطرف المقابل نجد الكثير من المستثمرين المحترفين الذين يستغلون حالات الذعر لشراء الأسهم. ولعل ارتفاع الأسهم الروسية 15 ضعفاً بعد أزمة 1998، و ارتفاع أسهم الأرجنتين عشرة أضعاف بعد أزمتها عام 2002 خير دليل على إمكانية استغلال مثل هذه الأزمات وتحقيق أرباح عالية.

أما بالنسبة للمستثمرين الذين لا يفضلون تحمل المخاطر يمكنهم الاستفادة من حالة الكساد التي يمر بها الاقتصاد اليوناني. فيوجد الكثير من الشركات اليونانية التي ما تزال تمتلك فرصاً كبيرة للاستمرار و ذلك لارتفاع قيمتها، كما أن العديد من الشركات اليونانية الكبيرة يتم تداول أسهمها في أسواق دولية مثل بورصة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعتبر أكثر جاذبية وأقل خطراً نتيجة لانخفاض مخاطر سعر الصرف المرافقة لذلك.

هذا ويعتبر مؤشر مورغان ستانلي العالمي MSCI من المؤشرات المعتمدة عالمياً لتتبع حالة الأسواق المالية حول العالم، حيث يوجد مؤشر واحد لمجموعة الدول ومؤشر خاص بكل دولة. ويُعَبِر هذا المؤشر عن مدى سلامة السوق المالي في كل دولة. في تشرين الأول من عام 2007 كان الاقتصاد العالمي بوضع ممتاز، وكان مؤشر داو جونز الصناعي في أعلى قيمه على الإطلاق. وكانت عمليات التداول والإقراض والانفاق منتعشة، ومؤشر اليونان يبدو في أحسن أحواله. في 31 تشرين الأول 2007 سجل المؤشر أعلى قيمة له عند 1040 نقطة، وبعد زيادة حدة الأزمة في منتصف العام 2015 سجل المؤشر أدنى قيمة له على الإطلاق عند 53.68 نقطة في 29 أيار 2015، أي ما يعادل 5.1% من أعلى قيمة له. وعلى الرغم من أن مؤشرMSCI عمد إلى تخفيض تصنيف اليونان من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، حيث كان وضعها قد ساء للغاية، إلا أن إعادة تصنيفها يعني إمكانية تحقيق عوائد أعلى بالنسبة للمستثمرين، لكن هذا بالطبع ينطوي على مخاطر أكبر، وقد يصل الأمر إلى تصنيف اليونان خارج الدول النامية بل وخارج مؤشر مورغان ستانلي أيضاً. لكن المشكلة ليست باليونان فقط! بل في أن المشاكل المالية تمتد إلى ما وراء الحدود اليونانية. فاليورو يتراجع من حيث القيمة مقارنة مع الدولار، لذا تعد مخاطر سعر الصرف من أهم المخاطر التي ترافق الاستثمار في اليونان، وللتغلب على هذه المشكلة يمكن الابتعاد عن الاستثمار في السندات الحكومية اليونانية، وتشكيل محفظة متنوعة من أسواق دولية.

تمر اليونان حالياً بوضعٍ صعب ويمكن أن تتغير الكثير من الأمور خلال الأيام القادمة، لكن القضية الكبرى تتعلق باليورو الذي يمثل عملة العديد من الدول التي تقف خلف اليونان خلال الأزمة. و نظراً لحجم الاضطراب السياسي والاقتصادي الذي تمر به اليونان فإن أي شخص يقوم بشراء الأسهم اليونانية فإنه يوجه أمواله نحو مستقبل مجهول. لكن يمكن بناء استراتيجية استثمارية حذرة يمكن من خلالها تحقيق أرباح جيدة كما فعل العديد من كبار المستثمرين حول العالم في العديد من الأزمات المالية.

قائمة المراجع

هنا

هنا