البيولوجيا والتطوّر > التطور

إنتاج جنين دجاج يملك وجهاً شبيهاً بأسلافه الديناصورات|الآلية الجزيئية وراء تطور ظهور المنقار.

يتميز التاريخ التطوري للفقاريات بوجود سلسلة من العلامات الشكلية الفارقة أظهرتها المستحاثات المكتشفة، ومنها امتلاك الطيور للمنقار الذي مكنها من الانتشار في مختلف النظم البيئية. بدأ الاعتقاد بأن الطيور تطورت من الديناصورات منذ القرن التاسع عشر عندما اكتشف العلماء مستحاثة لطير قديم يدعى (Archaeopteryx) والذي كان يمتلك أجنحة وريش ولكنه لم يشبه الطيور الحالية وبشكل خاص من ناحية عدم امتلاكه للمنقار وإنما كان يمتلك مقدمة أنفية (خطم) شبيهة بالأسلاف الديناصورية. يعتبر صف الطيور، المتضمن أكثر من 10.000 نوع، من أكثر الفقاريات الأرضية نجاحاً في الانتشار في بيئات مختلفة. هذا الانتشار الواسع للطيور ترافق بشكل وثيق مع تباين ملحوظ في شكل مناقيرها. حيث يقدم هذا التنوع الكبير في البنية الشكلية لمناقير الطيور دليلاً مقنعاً جداً لحدوث عملية التطور والاصطفاء الطبيعي. ويمثل المنقار وحدة وظيفية متميزة ونموذج متطور نسبة إلى الجزء المتبقي من الجمجمة. ومن أجل فهم الآلية المؤدية لحصول هذه النقطة التطورية بامتلاك المنقار، قام الباحث ( Bhart-Anjan S. Bhullar وآخرون) بدراسة شملت المكتشفات الأحفورية وعلم التشريح المقارن والتجارب البيولوجية التطورية.

تقوم المكتشفات الأحفورية بتوثيق التحولات التطورية الأساسية بشكل جيد، شاملةً أصل هذه البنى الحديثة وهذا بدوره أعطى فرصة كبيرة لفهم التنوع الحيوي والتباين بين الكائنات. ونشير هنا إلى أن التحول المؤدي إلى ظهور هذا التشكل لدى الطيور كان معقداً للغاية بلا شك كما أظهرته التحولات العديدة لعظم القواطع المكتشفة في تلك المستحاثات الممتلكة لتشكلات مماثلة لمنقار الطيور. إضافةً إلى أن مكوناته تجمعت خلال فترة طويلة من الزمن مقارنةً مع الأصول القريبة للطيور.

قام الباحثون في هذه الدراسة بتتبع التطور إلى امتلاك الهيكل العظمي الوجهي المميز للطيور في التسجيلات الأحفورية باستخدام التحليل الكمي للأشكال (قياس الأشكال هندسياً). حيث يتشكل الهيكل العظمي الداخلي للجرء العلوي للمنقار من التحام عظام القواطع المتطاولة ويتم اختزال المتبقي من المنطقة الأنفية وجزء كبير من الوجه عند الطيور. في حين أن عظام القواطع تكون صغيرة ومجتمعة لتشكل المنطقة الأنفية (الخطم) في الأصول الزاحفة. ولكي يتمكن الباحثون من توضيح كيفية تطوير أسلاف الطيور نفسها بامتلاك المنقار من الناحية التشريحية، عمل الفريق على تحليل ومقارنة الهياكل العظمية للطيور الحالية مع الطيور والديناصورات المنقرضة، ومن ثم قاموا بتحليل عظام الطيور على مستوى الأجنة وصغار الطيور والأفراد البالغة.

وأظهرت نتائج هذه الدراسات أن عظم القواطع يتشكل خلال المرحلة الجنينية المبكرة عند الطيور من العرف العصبي المشتق من الأدمة المتوسطة مؤدياً إلى ملء البروز الأنفي الجبهي في منتصف الوجه. عمل الفريق بعدها على تحديد الجينات التي تكون المسؤولة عن تشكل الجبهة الأنفية في أجنة الطيور لتوضيح الميكانيكية التطورية لذلك. حيث تم تثبيط البروتينات الناتجة عن هذه الجينات ما أدى إلى تبدل هذه الجبهة الأنفية إلى الأنماط السلفية. كما أن تجمع عظام القواطع والمنطقة الحنكية استبدل أيضاً إلى النمط الظاهري العائد للأسلاف بشكل يتوافق مع السجلات الأحفورية ومع الارتباط الوظيفي لعظم القواطع والمنطقة الحنكية عند الطيور لتشكيل المنقار القابل للحركة.

واصل الفريق البحثي عمله في الكشف عن ميكانيكية هذه الخطوة التطورية عن طريق إجراء ء تجارب بيولوجية على أجنة الدجاج، حيث استطاعوا إنتاج جنين دجاج يمتلك منطقة أنفية شبيهة بتلك التي امتلكتها الديناصورات وبمنطقة حنكية مشابهة للديناصور المُريَّش (فيلوسيرابتور).

تركزت التجارب على الطرق التي تعبر فيها الجينات عن نفسها في أجنة بعض المجموعات الرئيسية في المملكة الحيوانية متضمنةً الدجاج والفئران والنعام وبعض الزواحف حيث تم العمل في هذا البحث على اثنين من هذه الجينات التي تتحكم في تطور وتشكل المنطقة الوجهية. وجد الفريق بأن الطيور تمتلك مجموعة من الجينات تلعب دور جوهري في تشكل المنطقة الوجهية عندها في حين تكون غائبة أو تعبيرها ضعيف عند تلك الكائنات التي لا تمتلك المنقار. تثبيط هذه الجينات وجعلها صامتة عن طريق عزل البروتينات الناتجة عنها والمسببة لتشكل المنقار( باستخدام كبسولات جزيئية مُغلِفة دقيقة) أدى إلى عودة المنقار والعظم الحنكي إلى الحالة السلفية. حيث لوحظ أنه عندما بدأ الهيكل العظمي لهذه الأجنة بالتشكل داخل البيضة امتلاكها لعظم قصير ومدبب في المنطقة الأنفية بدلاً من المنقار المتطاول الملتحم الذي تمتلكه الطيور عادةً. الشكل أدناه:

الأرقام في الشكل:

1- جنين دجاج طبيعي (تجربة شاهد)، 2- جنين دجاج (تجربة)، 3- جنين تمساح طبيعي

(تشكل عظام القواطع المختزلة والمدببة في جنين التجربة شبيهة بتلك الموجودة عند الأسلاف الزاحفة).

ستفتح طريقة البحث المتبعة في هذه الدراسة المجال أمام مستقبلاً واسعاً للكشف عن كل الجينات المشاركة في عملية تطور وتشكل المنقار عند الطيور، كما أنها ستقدم المساعدة للباحثين لدراسة التحولات التطورية الرئيسية مثل الكشف عن أصل الثدييات من الأسلاف الزاحفة.

المصادر:

هنا

هنا

هنا