الطب > السرطان

الهواتف اللاسلكيّة وسرطان الدماغ

أظهرت الأبحاث مؤخَّراً أنّ استعمال الهواتف اللاسلكية لفترةٍ طويلة يترافق مع ارتفاع خطر الإصابة بالورم الدبقي Glioma، أكثر أنواع سرطانات الدماغ شيوعاً.

حيث أوضحت الدّراسات أنَّ خَطر الإصابة بالوَرَم الدبقي قد تضاعف ثلاثَ مراتٍ عند الذين استخدموا الهواتف اللّاسلكية لأكثر من 25 سنة، وأنَّ هذا الخطر كان أكبر عندَ مَن بَدؤوا باستِخدامِها قبلَ عُمرِ الـ 20.

يقول مؤلف الدراسة لينارت هارديل: " ينبغي على الأطبَّاء أن يهتمّوا أكثر بهذا الأمر وعليهم أن يناقشوا مع مرضاهم الاحتياطات الواجب اتّخاذها لمنع هذا الخطر. هذه الإحتياطات تتضمن التحدُّثَ عبرَ مكبِّرِ الصوت والتواصلِ عبرَ الرَّسائلِ النصيَّة."

• البيانات المُجَمَّعَة (Pooled Data):

أدَّت الزِّيادة العالمِّيةُ في استخدامِ الاتصالاتِ اللاسِلكيَّةِ إلى ارتفاعِ نسبةِ التعرُّضِ للتردُّداتِ الرَّاديوِّيةِ والحُقولِ الكَهرومِغناطيسيِّة (RF-EMF). يُعَدُّ الدِّماغُ الهدفَ الأساسيَ لهذهِ المَوجاتِ والترددات، ووضَّحَ الباحثونَ أنَّ خَطَرَ الإصابة الأعلى يكونُ على جانبِ الدِّماغِ الذي نضعُ عَليهِ الهاتفَ باستِمرار.

وأكَّدَت بياناتُ التَّشريحِ المرضي النَّسيجي التي أُخِذَت من دراستين من نوع حالة – شاهد (Case-Control) أنَّ هذهِ الأورام كانَت خبيثة. تَضمَّنتِ الدراسةُ الأولى مَرضى تَتَراوحُ أعمارُهُم بينَ الـ 20 والـ 80، والّذين تمَّ تشخيصُ حالاتِهم ما بين 1997 و2003، والثانية تضمَّنت مَرضى أعمارُهُم تتراوحُ بينَ الـ 18 والـ 75، والذين تمَّ تشخيصُ حالاتِهم بين عامي 2007 و 2009، جميع هذه الحالات أُخِذت من ستّة مراكزَ في السويد.

تمّت مطابقة الحالاتِ مع الشَّواهد على أساسِ الجنسِ والعمرِ التَّقريبي، والذين تم سحبُ أسمائِهِم بشكلٍ عشوائي من مركز التعداد السكاني السويدي، وقام كل المشاركين بتعبئة استبيانٍ حولَ تعرُّضِهِم للهواتفِ النقَّالة والهواتف الثَّابتةِ اللاسلكية.

بعد تحليل البيانات السَّابقة تبيَّن وجودُ 1498 حالةِ أورامِ دماغٍ خبيثة - العمر الوسطي 52 عام - حوالي (92%) منها كان ورماً دَبقياً Glioma، وأكثر من النصف (50.3%) كان من النوع الأشَد خباثة، وهو الورم النَّجمي درجة 4 (الورم الأرومي الدبقي متعدد الأشكال) (Glioblastoma Multiforme).

تبيَّن أيضاً أنَّ استعمالَ الهواتفِ النَّقالة واللاسلكية لأكثر من عام ترافقَ معَ ارتفاعِ خطرِ الإصابةِ بالوَرَمِ الدِّبقي. الخَطَر الأَعلى كانَ عند الذين استخدَموا الهاتفَ النَّقال لأكثر من 25 سنة، وهذا ما يوضحه الجدول التالي:

نسبة الأرجحية* (95% فاصل الثقة) استعمال الهاتف

1.3 (1.1 - 1.6) استعمال الهاتف النقال>1 سنة

1.4 (1.1 - 1.7) استعمال الهاتف اللاسلكي>1سنة

3.0 (1.7 - 5.2) استعمال الهاتف النقال>25 سنة

كما نرى في الجدولِ السابقِ فإنَّ الخطرَ ازدادَ عندمَا استُعمِلتِ الهواتفُ اللاسلكية، كما أن نسبة الإصابة ارتفَعت بشكلٍ طردي مع زيادةِ ساعاتِ الاستعمال.

وكما أشرنا سابقاً، فإنَّ خَطَرَ الإصابةِ بالورمِ الدِّبقي كان أعلى على أجزاء الدماغ الأكثر تعرُّضاً، وخاصة التعرُّض أحاديّ الجانب في الفَص الصدغي والفصوص المتداخلة.

ولاحظتِ الدراسةُ أيضاً، أنَّ خطرَ الإصابةِ الأعلى كان بينَ المشاركين الَّذين بدؤوا استعمالَ الهاتفِ النقالِ (نسبة الأرجحية 1.8) والهاتفِ اللاسلكيِ (نسبة الأرجحية 2.3) لأوَّلِ مرةٍ قبلَ عمرِ الـ 20، رغمَ أنَّ عددَ الحالاتِ والشواهدِ كان صغيراً نسبيّاً.

أوضحَ الدكتور هارديل أنَّ الأطفالَ والمراهقينَ أكثرَ عرضة لـ RF-EMF منَ البالغين، وذلك لأنَّ عظامَ الجمجمةِ لديهِم أرقّ، كما أنَّ رؤوسَهم أصغر، وخلايا دماغِهِم أكثر حساسيّة للموجات من البالغين، حيثُ يستمرُّ الدماغُ بالتطوّرِ حتَّى عمرِ الـ 20، وإلى ذلك الوقت هو عضوٌ سريعُ العطب.

كان خطرَ الإصابةِ أعلى عند استعمالِ الجيلِ الثالث 3G للهواتف النقالة مقارنةً مع باقي الأنماط، ولكنَّ هذا الافتراض وُضِع على أساسِ دراسةٍ صغيرةٍ فيها أعدادٌ أقل من المشاركين المتعرِّضِين للموجات، كما قال المُؤلِّف. تُصدِرُ الهواتف النَّقالةُ المحتوية على النظامِ العالمي G3 للاتصالات شريطاً واسعاً من الإشاراتِ الراديويَّةِ الصغيرةِ، والتي قد تنتجُ عنها - نظرياً- تأثيرات بيولوجية أعلى إذا ما قُورنت مع أنواعِ الإشارتِ الأُخرى.

من أمثلةِ هذهِ التَّأثيرات البيولوجيِّة زيادةُ أنواعِ الأوكسجين التفاعلية Reactive oxygen species (والذي ربطته عدة مقالات بالسرطان)، كما تشمَل حُدوثَ طفراتٍ على المورِّثة p53، والّتي لها علاقةٌ مباشرةٌ بإِحداثِ السَّرطانات.

ويعتقدُ الدكتور هارديل بأنَّ ما تمَّ اكتشافَهُ في الدِّراسةِ يجبُ أن يدفع الوكالةَ العالميةَ للبحوثِ السَّرطانيةِ (IARC) لتصنيفِ انبعاثات EF-EMF من الهواتفِ اللاَّسلكيةِ على أنَّها مادة مسرطنة، ويتوجَّبُ تبعاً لذلك مراجعةُ احتياطاتِ التعرُّضِ الحاليَّةِ بشكلٍ عاجل لعكسِ ذلِك.

ووفقاً لتقرير IARC في عام 2013، هناكَ علاقةٌ سببيةٌ محتملةٌ بين استخدامِ الهواتفِ النقالةِ والهواتفِ اللاَّسلكيةِ وخطرِ الإصابةِ بالورمِ الدبقي.

قامت دِراساتٌ عديدةٌ بالبحثِ حولَ الرَّابطِ بينَ استعمالِ الهواتفِ اللاسِلكيةِ وأورامِ الدماغ. أشارَت دراساتُ الدكتور هارديل وزملاءه التي أُجرِيت في نهاية التسعينات من القرن الماضي إلى وجودِ علاقةٍ بين السَّرطان واستخدام الهواتف النَّقالة واللاسلكية.

ولكنَّ INTERPHONE study فشِلت في إيجادِ دليلٍ قويٍ على أن الهواتف النقالة تزيدُ خطرَ الإصابةِ بأورامِ الدماغ.

بالمقابِل، وجدَتْ إحدى الدِّراساتِ الاستِباقيَّة الكبيرة أنَّ الهواتفَ النَّقالة لا تزيد خطرَ حدوث الورمِ الدبقي أو الورمِ السحائي أو أورام الجهازِ العصبي غير المركزيَّة عند النِّساء البريطانيات متوسِّطاتِ العمرِ.

انتقدَ الدكتور هارديل تِلكَ الدِّراسة وقال "أنها ليست دارسةَ (حالة- شاهد) وهُناكَ الكَثير من المشاكل في الطرق البحثيّة التي استخدمتها".

• أدلَّة " غير مقنعة":

علَّقَ بعضُ المختَصّينَ في الجِراحةِ العصبيّةِ أنَّ الدِّراسةَ الجديدةَ توفِّرُ أدلَّة إضافية حول الدَّورِ المُحتملِ لتقنيةِ الهواتفِ النَّقالة أو الهواتفِ اللاسلكيةِ في إمراضية الأورام الدبقية، لكنها بنفس الوقت غير مُقنعة.

وأشارَ إلى أنَّ بعضَ الجوانبِ لم يتم التطرُّق لها، كالتعرُّضِ للأشِعَّة المُؤيِّنَة والقصَّة العائليّة للسّرَطان، وأنَّ الدراسةَ تعاني من تحيُّزِ المَعرِفَة، حيثُ أنَّ النتائجَ قد تكونُ تأثّرت بالمرضى القلِقين والذين تساءلوا " لماذا أنا؟".

" ومِنَ المُثيرِ للاهتِمام أنَّ الدِّراسةَ الوحيدةَ التي استخدَمت معلوماتٍ صناعيةٍ حقيقيةٍ عن استِخدامِ الهواتِفِ النَّقالة ( الدراسة الدنماركية) أُلغِيت مِن قِبَلِ المؤلِّفينَ لعدمِ فائدَتِها" كما قال " رُبَّما لأنَّها لَم تكنْ دَاعِمةً لفَرَضِّيةِ المؤلِّف".

ورغمَ أن الدراسةَ لم تُحدِّد الجانبَ الَّذي يصيبهُ الوَرَم، فَقَد أشارَ الدُكتور لانسفورد إلى أنَّ 90% من البشرِ يمناويون (أي يستخدمون يدهم اليمنى) لذلكَ فهُم يستعمِلونَ أذنهم اليُسرى في التحدُّثِ على الهواتفِ النَّقالةِ كي يستطيعوا الكتابة بيدهم المسيطرة وهم يتكلَّمون. "إذاً وِفقاً لذلك يمكن أن نفترض بأنَّ أورامَ الجانِب الأيسَر هي المُسَيطِرة".

وأضافَ الدكتور لانسفورد بأنَّ كلاً مِن خَلايا شوان والخلايا الدبقية هي أنسِجةٌ متأخرةُ الاستِجابة ولذلكَ تَبقى أورامُ هذهِ النُّسجِ المُسَبًّبة بتكنلوجيا الهواتف النقالة غير مفسَّرة. "إذا كانت الهواتفُ النَّقالةُ تسبِّبُ مثلَ هذهِ الأورام، فلماذا لا يُطِّور المرضى - بمعدلات أعلى- سرطانات قاعديّة أو شائِكة الخلايا أحادية الجانب أو ميلانومات؟!"

يقول الدكتور لانسفورد: "وفي حين أنّه لا يمكنُ صَرفُ النَّظرِ عن الدَّورِ المُحتملِ للهواتف النقالة كعاملٍ إضافي في إحداثِ الأورام، إلا أنَّ استخدامَ هذِه التكنولوجيا يُنقِذ الأرواح".

"لقد وفَّرت الهواتفُ النَّقالةُ شبكةَ أمانٍ مُذهلةٍ للسُكّانِ في مُعظمِ البُلدانِ والثَّقافات حولَ العالم، فأرواحُ البَشَرِ الَّتي تمَّ إنقاذها والاتصالات الطارئة والاستجابة الأوليَّة السَّريعةُ وتحذيراتُ الطَّقسِ الشديد ما هي إلا أمثلةٌ قليلةٌ على أهميَّةِ الهواتفِ النَّقالةِ في حياتِنا".

الحاشية:

* نسبة الأرجحية: هي مقياسٌ لحجم التأثير، يصف قوة الارتباط أو عدم الاستقلال بين قيمتين ثنائيتين.

المصدر:

هنا