الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

تقنية جديدة للدماغ للتحكم بالأطراف الصناعية الآلية

عندما يتعرض الإنسان إلى حادث ما يفقده أحد أطرافه أو يتركه مشلولاً فإنه غالباً ما يفقد الأمل ويستسلم لحالته ويمضي بقية حياته مكتئباً معتمداً على غيره كي يبقى على قيد الحياة. ولكن اليوم وبفضل التقنيات الحديثة فإن هؤلاء الأشخاص المشلولين أصبح لديهم الأمل بالحركة مجدداً، حيث يقدم العلم أطرافاً آلية تمكن الشخص من أن يعود لممارسة بعض من أعماله اليومية ويعتمد على نفسه مرة أخرى.

سابقاً كان الأشخاص المشلولين يستخدمون ما يعرف بنظام BCI (وصلات الدماغ – الحاسوب) للتحكم بالأطراف الآلية حيث تقوم هذه التقنية برصد إشارات الدماغ وتحليلها ثم ترجمتها إلى أوامر ترسل إلى جهاز خارجي يقوم بتنفيذ الحركة المطلوبة. حيث يتألف هذا النظام من أربعة مكونات هي:

1. راصد الإشارة: يقوم بقياس الإشارات الصادرة عن الدماغ وتضخيمها لتصبح قابلة للمعالجة الالكترونية وإزالة أي تشويهات كهربائية أو إشارات غير مرغوب بها، ومن ثم يحول هذه الإشارات إلى إشارات رقمية.

2. مستخرج الإشارات: يعمل على تحليل الإشارات الرقمية وتمثيلها بشكل مدمج يمكن ترجمته إلى أوامر خارجية.

3. مترجم الإشارات: يعمل وفق خوارزمية ترجمة معيّنة تقوم بتحويل الإشارات إلى أوامر لجهاز الخرج.

4. جهاز الخرج: يقوم بتنفيذ المهمّة المطلوبة كتحريك الذراع الألية مثلاً

تتضمن تقنية BCI (وصلات الدماغ - الحاسوب) زرع شرائح في الدماغ تقوم بتسجيل الإشارات الصادرة عن القشرة المحركة الأولية والتي تتصل مباشرةً مع النخاع الشوكي والعضلات. ولكن بما أنّ القشرة المحركة معنيّة بالقسم الميكانيكي من الحركة فإنّ إشاراتها عادة ما تؤدي إلى حركات بطيئة ومرتعشة. لنأخذ شرب كأس من الماء مثالاً، إذا كان علينا أن نفكر في كل تفصيل مثل ثني الكوع واستدارة اليد فإنّ الحركة ستكون متقطعة بدلاً من أن تكون متواصلة.

ولكن ما الجديد في تقنية BCI؟

ما يميز التقنية الجديدة التي نتناولها اليوم هي أنها الأولى من نوعها التي تقوم بتسجيل الإشارات الصادرة عن القشرة الجدارية الخلفية وهي المنطقة من الدماغ المعنية بالتخطيط للحركة.

سنتعرف على تجربة شخص تعرض وهو في عمر الواحد والعشرين لحادث مروري تركه مشلولاّ من أسفل جسمه حتى عنقه، وكيف ساعدته هذه الذراع الآلية في حياته اليومية:

بعد عشر سنوات من شلله تطوع إريك سورتو ليخوض تجربة جريئة في مجال الهندسة العصبية تتضمن زراعة في الدماغ ومحاولة استخدام الإشارات التي يصدرها الدماغ للتحكم بذراع آلية لمساعدته على إمساك الأشياء من جديد. خلال هذه التجارب، لم يكن عليه إلّا أن يتخيّل نفسه يصل إلى شيء ما ويمسكه حتى تقوم الذراع الآلية بتنفيذ أوامره.

يقول ريتشارد أندرسون الباحث الرئيسي وبروفسور في علم الأعصاب في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا Caltech، إن معرفة رغبات الشخص والمهِمة الّتي يريد القيام بها يمكن أن تقدم المزيد من السهولة والعفوية في تحريك الطرف الآلي خلال وقت قصير. ويقول أندرسون أنه عندما طلب العلماء من إريك أن يركز على الشيء الذي يريد التقاطه استطاع النظام أن يحدد ذلك الهدف بسرعة كبيرة وصلت إلى 200 ميلي ثانية. حيث يقوم نظام BCI (وصلات الدماغ - الحاسوب) بدمج الإشارات عالية المستوى الصادرة عن الدماغ مع وظائف ذكية مثل تحديد الهدف وإدراك البيئة المحيطة.

يقول أندرسون "تمكن إريك من التعاون مع الذكاء الآلي لتحريك الذراع الآلية بدلاً من التحكم بكل التعقيدات الحركية للذراع".

قبل الشروع بعملية إريك سورتو الجراحية في نيسان من عام 2013، قام الباحثون بتحديد منطقتين من القشرة الجدارية الخلفية في دماغ إريك عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي، تتفعل هاتان النقطتان عند تخيله بأنه يقوم بحركة معينة أو التقاط جسم ما. عندها قام الجراحون بزرع مصفوفتين من الالكترودات المكروية تحوي كل منها 96 الكترود يمكنها تسجيل النشاط الكهربائي للخلايا العصبية في تلك المناطق. ثم ربطوا هذه الشبكة مع قطعتين معدنيتين خارج جمجمة إريك تسميان بالركائز. قام الباحثون بعدها بوصل كابلات إلى الركائز وذلك لنقل الإشارات العصبية إلى جهاز الكومبيوتر لتحليلها ثم إرسال الأوامر إلى الذراع الآلية.

قام أحد العلماء خلال التجربة الأولى بحركة بسيطة بواسطة معصمه، ثم قام إريك بتخيّل نفسه يقلد تلك الحركة وكان هذا تماماً ما فعلته الذراع الآلية.

من خلال هذه التجربة استطاع الباحثون كشف الخلايا العصبية التي قامت الإلكترودات بتسجيل نشاطها لتحديد المكان الذي أراد إريك الوصول إليه ومسارات الحركة اللازمة لذلك. كما يجب القيام يومياً قبل بدء التجارب بمعايرة النظام لأن الالكترودات يمكن أن تتحرك حركات طفيفة داخل رأس إريك وبالتالي تختار خلايا عصبية مختلفة، " خوارزمية فك التشفير لدينا تأخذ ذلك في الحسبان " يقول أندرسون. عندما لا يساهم الكترود معين بمعلومات مفيدة لتنفيذ المهمة المطلوبة فإن الخوارزمية تتجاهل إشارته وتستبدله بإلكترودات أخرى. مثل هذه الخوارزميات القابلة للتكيّف تسمح لأنظمة الـ BCI بتسجيل موثوق أكثر للإشارات العصبية خلال الزمن.

تابعوا معنا الفيديو التالي الذي يوضح كيف سهلت تقنية BCI الجديدة الحركة وجعلتها أكثر انسيابية:

يعتقد الباحثون أن الجمع بين إشارات القشرتين الحركية والجدارية يمكن أن يؤمن أوامر أوضح للذراع الآلية. بينما يقول أخرون أن هذا الجمع ليس بالضرورة أن يقدم أي فائدة تذكر، حيث أنه عندما تحرك يدك فإنك تستخدم ثمانين بالمئة من دماغك. كما أن القشرتين الأمامية والخلفية ترسل إشارات متشابهة، في حين أن مناطق أخرى من الدماغ تقدم معلومات رئيسية لتأمين حركة طبيعية للذراع الآلية. " لا يزال هناك شيء لم يتم اكتشافه بعد حول كيفية تحكم الدماغ بالحركات " يقول دونوج رئيس معهد علوم الدماغ في جامعة براون.

مازالت الالكترودات تعمل بكفاءة بعد أكثر من سنتين على العمل الجراحي. في السنة الثانية من التجارب استطاع إريك أن يتقن باحترافية الوصول إلى أجسام مختلفة والتقاطها وذلك بمساعدة تمارين خاصة.

إن هذا المشروع يعطي الأمل للعديد من المرضى المشلولين وخاصة أولئك المصابين بتصلب العضلات الجانبيALS ، ويترك الباب مفتوحاً لتطوير المزيد من التقنيات التي تمكن الإنسان من استعادة معظم وظائفه الحركية التي خسرها نتيجة حادث ما. يبقى السؤال هل سيتوصل العلماء إلى تقنية تعوض الإنسان المصاب عن اطرافه الأربعة في حال فقدانها...؟

المصادر:

هنا

هنا