الطب > الجراحة

رفض الجسم للأعضاء المزروعة قد لايكون دائماً..

تحدثُ زراعةُ الأعضاءِ عندما يفشل عضوٌ في جسم الإنسان بأداء وظيفته، وبالتالي تتمّ إزالته وزراعة عضوٍ صحيٍّ وسليمٍ من مُتبرِّع آخر، بعدَ العديدِ من الفحوصاتِ لتطابق الأنسجةِ والزمرِ الدمويةِ وغيرها.

ونظراً لكون العضوِ الجديدِ غريباً عن الجسم، فسيقوم جهاز المناعة بمُهاجمَته فورياً لمحاولة التخلص منه،وبالتالي رفضه.

غيرَ أنه، وفي حالة توافقِ الأنسجةِ مع المُتبرِّع، من الممكن – وبمساعدةِ الأدويةِ الكابحةِ للمناعةِ – أن يتم تقبلُ هذا العضو الجديد وأن يبقى ويُمارس وظيفَتَه المعتادة وبكفاءةٍ ضمن الجسم الجديد.

أما في حالاتٍ أخرى، وبعد تقبّل الجسمِ للعضوِ المزروعِ، فمن الممكن أن تطرأ مشكلةٌ ما تؤدي إلى رفض العضو مرةً أخرى. فهل هذا الرفض دائم؟ أم أن هنالك فرصةٌ ثانيةٌ لتقبله لاحقاً؟

أظهرت دراسةٌ على الفئران بأنَّ رفض الأعضاء المزروعة المتحمَّلة مسبقاً من قبل المضيفين لا يؤدي إلى ذاكرةٍ مناعيةٍ دائمةٍ.

أشارَ العلماءُ من جامعة شيكاغو بأنَّ رفض الأعضاء المزروعة في المضيفِين الذين استطاعوا تحمُّلها مسبقاً قد لا يكون دائماً، وقد وجد العلماءُ من خلال إجراء عملية زرع قلبٍ لدى عينةٍ من الفئران بأنَّ التحمُّل المناعي في الجسم يُسترَد بشكلٍ تلقائي بعد الرفض المُحرَّض بالعدوى، كما يمكن لجسم المضيف أن يتقبَّل الزرع مجدداً بعد أسبوعٍ فقط. كما أن النتائج التي نُشِرت تدعم تحريضَ التحمُّل المناعي كاستراتيجيةٍ مُجديةٍ (قابلةٍ للتطبيق) ليكون العضو المزروع ذا بقاءٍ طويلِ الأمد.

تعتمد هذه العملية على الدور التنظيمي للخلايا التائية (T Cells)، والتي تُعتبر إحدى مكونات الجهاز المناعي، وتقوم بكبحِ الخلايا المناعية الأخرى.

وقد قالت إحدى الباحثات: إن تحمُّل الأعضاء المزروعة هو حالةٌ ردودةٌ (مرنةٌ) ودائمةٌ، على الرغم من إمكانية التغلب عليها بشكلٍ عابرٍ، وقد استطاعت نتائج دراستنا تغيير النظرية القائلة بأنَّ الذاكرة المناعية تجاه رفض الأعضاء ثابتةٌ بشكلٍ دائم.

إن اتباع نظام تناول الأدوية الكابحة للمناعة مدى الحياة هو أمرٌ مطلوبٌ عادةً لدى المريض في المرحلة النهائية من فشل العضو، وذلك لمنع رفض العضو الجديد المزروع. ولأنَّه أمرٌ صعب الإنجاز، يمكنُ تحريض التحمُّل المناعي عند بعض المرضى، والذي يتم فيه تقبل العضو المزروع دون الحاجة إلى الكبح المناعي طيلةَ الحياة.

على أية حالٍ، يمكن أن ينجُمَ الرفضُ عن أحداثٍ معينةٍ مثل العدوى الجرثومية، وذلك حتى بعد فتراتٍ طويلةٍ من التحمُّل. وقد افتُرِضَ مسبقاً بأنَّ الجهاز المناعي يتذكر الرفض ويمنعُ الزرعَ المستقبلي من أن يكونَ مُتحمَّلاً.

وجدت الدكتورة (Chong) وزملاؤها بأنَّه يمكن لعدوى جرثوميةٍ محدَّدةٍ أن تعطِّل التحمُّل وتحفِّزَ الرفض لعضوٍ مزروعٍ ومستقرٍّ، ومع المزيد من الدراسة لهذه الظاهرة فقد توصَّلوا إلى ملاحظاتٍ مثيرةٍ للدهشة؛ فقد سبَّب الرفض المُحرَّض بالعدوى ارتفاعاً بعدد الخلايا المناعية المهاجمة للعضو المزروع في الفئران كما كان متوقعاً، ولكنَّها انخفضت بشكلٍ كبيرٍ بعد سبعِ أيامٍ من حدوثِ الرفض. وهذا يتعارض مع حادثة الرَّفض عند الشخص غير المتحمِّل للعضو المزروع، إذ تبقى هذه الخلايا بمستوياتٍ مرتفعةٍ

ولإيجاد تفسيرٍ لهذه الملاحظة قام الفريق بزرعِ قلبٍ في التجويف البطني لفئران التجارب، ومن ثمَّ قاموا بتحفيز حادثة التحمُّل المناعي، وبعد شهرين من التحمُّل المستقر قام الباحثون بتحفيز حادثة الرفض من خلال العدوى بجراثيم الليستيريا، والتي سبَّبت فشل عملية الزرع. ومن ثمَّ قاموا بزرعِ قلبٍ آخر من فأرٍ آخر متطابقٍ وراثياً تماماً كالفأر الأول، وذلك بعد أسبوعٍ من رفضِ الطُّعم (العضو المزروع) الأول، وقد تمَّ تقبُّل العضو المزروع الثاني بسهولةٍ واستمرَّ بأداء وظيفته بشكلٍ كاملٍ خلال فترة الدراسة.

كما أظهرت مجموعة ثانيةٌ من التجارب - والتي تمَّ فيها زرع قلبٍ بعد شهرٍ تقريباً من حادثة الرفض لمنحِ فترةٍ كافيةٍ للذاكرة المناعية لأنْ تتطوَّر – تقبُّلاً مماثلاً طويلَ الأجل.

وقد اكتشف الفريق بأنَّ الدور التنظيمي للخلايا التائية (T cells) – وهي نوعٌ من كريات الدم البيضاء تقوم بتنظيم الاستجابة المناعية من خلال كبح عمل الخلايا المناعية الأخرى – كان مطلوباً من أجل استعادة حادثة أو قدرة التحمُّل. وعندما قاموا باستنفاذ الخلايا T من مجموعة من الفئران قبل عملية زرع القلب الثاني بيومٍ واحد فقط، تمَّ رفض العضو المزروع حديثاً، وبالتالي فإنَّ الخلايا T تلعب دور "الكابح" وتمنعُ الخلايا المناعية الأخرى من استهدافِ ورفضِ الزرع الثاني.

وقالت باحثة أخرى: تختلف الطرق اللازمة لتحقيق تحمُّل العضو المزروع بين الفئران والإنسان، ولكنهما يشتركان بالآليات المساهمة في الحفاظ على هذه الحادثة. تتضمَّن نتائجنا احتمال معالجة المرضى الذين يختبرون رفض العضو المزروع بالأدوية الكابحة للمناعة لفترةٍ محدَّدةٍ لحماية العضو المزروع، ومن ثمَّ يتمُّ إيقاف الأدوية مباشرةً عند استعادة التحمُّل.

تشيرُ النتائجُ أيضاً إلى احتمالِ وجودِ صلةٍ مع أمراض المناعة الذاتية والسرطان، والتي تُعطِّلُ قدرة الجهاز المناعي على التمييز بين خلايا الجسم والخلايا الغريبة عنه (الأجنبية)، ويمكن للفهمِ الأفضل لآلية فقْدِ التحمُّل المناعي واستعادته أن يقدِّم جهوداً لتحقيق فتراتِ هدوء (remission) أقوى وأكثر ديمومةٍ في المرض المناعي الذاتي وللوقاية من تجدُّد حدوث السرطان.

وقالت إحدى الباحثات: نعملُ الآن على فهم تفاصيلٍ أكبر حولَ آلية حدوث عودة التحمُّل مجدَّداً، نريدُ اكتشاف إمكانية وجودِ آلياتٍ أخرى غير الخلايا T وتساهمُ في التوسُّط لحادثة التحمُّل والمساعدة في منع عودة حادثة الرفض.

المصادر:

هنا

هنا

هنا