الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

كتاب "6 درجات"، محيطات حامضة ومدن عطشى

المحيطات الحامضة

قد تتفاجأ إن علمت أن نصف كمية ثاني أكسيد الكربون التي نطلقها عند القيام بنشاطاتنا المختلفة كالرحلات الجوية أو التدفئة، تنتهي في المحيطات. وليس ذلك بالأمر المطمئن إذا أخذت بعين الاعتبار حساسية هذا الوسط، فالمحيطات وسط قلوي بعض الشيء مما يسمح لبعض أحيائه ببناء أصداف وهياكل من كربونات الكالسيوم. وعند انحلال ثاني اكسيد الكربون في الماء يتشكل حمض الكربون وهو نفس الحمض الذي يسبب الشعور الفريد عند تناول المياه الغازية، إلا أنه ليس بنفس الروعة عندما يحصل على مستوى بضخامة المحيط.

تسبب الإنسان حتى الآن بتعديل في درجة حموضة المحيطت مقداره 0.1 pH وإذا استمر انتاج ثاني اكسيد الكربون بنفس المعدل خلال الـ100 عام المقبلة ستنخفض قلوية المحيط من 8.2 إلى 7.7 قد لا يبدو الرقم كبيراً للوهلة الأولى إلا أنه يعني تضاعفاً في درجة الحموضة 5 مرات، وحتى إذا توصلنا لطريقة سحرية تخفض من إنتاج ثاني أكسيد الكربون فإن بطء تجدد مياه المحيطات يعني استمرار المشكلة لآلاف السنوات.

إن أكثر التوقعات المتعلقة بالتغير المناخي تفاؤلاً تتضمن الوصول إلى ارتفاع مقداره 2 درجة في متوسط حرارة الكوكب، وللأسف فإن هذا التغير سيحمل آثاراً خطيرة على قاعدة الهرم الغذائي في المحيطات "البلانكتون"

يشكل الإنتاج الحيوي السنوي الناتج عن البلانكتون نصف الانتاج الحيوي للكوكب بأكمله. أي أنه يشكل السلة الغذائية للمحيطات. وعند إجراء التجارب المخبرية لمحاكاة ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في المحيطات شهد العلماء برعبٍ انهيار البلانكتون وانحلال هيكله الذي يتضمن كربونات الكالسيوم.

لا يقتصر تأثير الحموضة على البلانكتون وحسب فالمرجان الصخري والمحار والأصداف كلها ذات أهمية حيوية وطبيعية واقتصادية وكلها ستتعرض للخطر عند ارتفاع مستوى الحموضة في المحيطات. ويضاف لهذه الأحياء دورها الهام في تثبيت الكربون المنحل في الماء وإخراجه من دورة الطبيعة ليتساقط على شكل جزيئات صلبة في القاع ومع اختفاء هذه الأحياء ستتوقف هذه العملية ويستمر الكربون في دورته ضمن الطبيعة مما يعني تعميق المشكلة إلى حد كبير.

إن هذه الأحياء وإنتاجها يتأثر كذلك إلى حد كبير بمستويات الحرارة وارتفاعها ويقدر العلماء الانخفاض المتوقع في إنتاج البلانكتون نتيجة لذلك بـ 200 ميغا طن سنوياً "في 2006". إن ما يحصل في المحيطات يشبه إلى درجةٍ كبيرة رش مبيدات الأعشاب على مزروعات شديدة الحساسيّة وسنشهد مع ارتفاع مستويات الحموضة ودرجات الحرارة في المحيطات تأثيراً يشبه التصحر الحاصل على اليابسة ولن يكون علاج ذلك باليسيرعلى الإطلاق.

المدن العطشى في الصين

هل سمعت من قبل عن هضبة (loess plateau) في الصين؟

نتجت هذه الهضبة مترامية الأطراف عن تراكم وانضغاط طبقات من الغبار بسماكة عدة مئات من الأقدام والتي توضعت بالمنطقة على مرِ آلاف السنين، بعد أن حملتها الرياح القادمة من صحراء غوبي في منغوليا.

ربما لا تحمل هذه المنطقة أهمية تذكر للإنتاج الزراعي أو الرعوي، إلا أنها كنزٌ شديد الأهمية للعلماء حيث تشكّل توثيقاً لا يقدر بثمن للأحوال المناخية على امتداد شمال الصين بأكملها. قامت البعثات العلمية بدراسة عينات مأخوذة من أعماق وصلت حتى 30 متراً من هذه التربة المضغوطة والتي لا تقتصر في ما تحمل من بياناتٍ على الماضي الممتد إلى العصر ما قبل الجليدي الأخير بل وربما تحمل بيانات عن المستقبل أيضاً!

من المعلوم أن الطقس شمال الصين يتأثر برياح المونسون الموسمية، التي تكون رطبة في الصيف قادمة من المحيط ومحملة بالأمطار أما في الشتاء متجمدةً ومحملة بالغبار فهي قادمة من الشمال. وقد دلّت بيانات التربة المدروسة على أن قوة رياح المونسون الموسمية تغيرت خلال الـ129 ألف عام الماضية، ومع ارتفاع درجة الحرارة الوسطية للكوكب تستجيب رياح المونسون الشتوية المحملة بالغبار بشكل أسرع من الرياح الصيفية الرطبة، مما يعني أن المنطقة بأكملها ستكون عرضة للجفاف إذا تكررت هذه الأحداث المسجلة.

وتبعاً للبيانات المتوفرة فإن هذه الأحداث حصلت عندما كان وسطي حرارة الأرض أعلى من معدّله الحالي بدرجة واحدة تقريباً، وتعد موجة الجفاف التي ضرب الصين خلال السنوات الماضية أمراً يدفع إلى الاعتقاد بارتفاع احتمالية حصول هذه الظروف مجدداً.

إذاً مع ارتفاع الحرارة سيعاني الصيف من ازدياد الهطولات المطرية في جنوب الصين المتأثر بالرياح البحرية، أما الشمال سيعاني مزيداً من الجفاف. ومع تناقص منسوب المياه الجوفية يُتوقع أن تعاني المدن شمال الصين من آثار كارثية وقد بدأت الصين مشروعاً هو الأضخم على مستوى العالم لنقل المياه من نهر (Yangtze) في الجنوب إلى المدن العطشى، إلا أن الشكوك لا تزال تحوم حول فعاليّة هذا المشروع في حال إتمامه وبالتالي يُتوقع أن تعاني الصين كثيراً لتأمين مياه الشرب والانتاج الزراعي.

المصدر:

Lynas، Mark (2007): Six degrees. Our future on a hotter planet. London: Fourth Estate