الطب > علوم عصبية وطب نفسي

الصرع (الجزء الثاني): سُبُل التشخيص والعلاج

التشخيص:

يقوم الطبيب بمراجعة الأعراض والتاريخ الطبي للمريض لتشخيص الحالة، كما قد يطلب بعض الاختبارات لتشخيص الصَّرع ولتحديد سبب النوبات.

• الفحص العصبي:

قد يقوم الطبيب باختبار سلوك المريض وقدراته الحركية وأدائه العقلي وغيرها من المجالات، وذلك لتشخيص حالته وتحديد نمط الصرع المصاب به.

• تحاليل الدم:

قد يقوم الطبيب بأخذ عينةٍ من الدم للتحقق من علامات العدوى والحالات الوراثية، أو حالات أخرى قد تترافق مع النوبات.

كما قد يقترح الطبيب إجراء اختباراتٍ أخرى للكشف عن وجود شذوذٍ في الدماغ، مثل:

• مخطط كهربية الدماغ (EEG):

يعتبر هذا الاختبارُ الأكثرَ شيوعاً في تشخيص الصرع، وفي هذا الاختبار يقوم الأطباء بربط أقطابٍ كهربائيةٍ إلى فروة الرأس باستخدام مادةٍ شبيهةٍ بالمعجون، ومن ثُمَّ تسجِّل تلك الأقطابُ النشاطَ الكهربائيَّ للدماغ.

عندما يكون الشخص مصاباً بالصرع، فمن الشائع حدوث تبدُّلٍ في النمط الطبيعي من موجات الدماغ لديه، حتى لو لم يكن المريض خاضعاً لإحدى النوبات كما في 50% من الحالات. وقد يقوم الطبيب بمراقبة المريض من خلال جهاز فيديو عندما يكون مستيقظاً أو نائماً وذلك أثناء وصل جهاز الـ (EEG) لتسجيلِ أية نوبةٍ قد يتعرَّض لها.

وقد يساعد تسجيلُ النوبات الطبيبَ في تحديد نوع النوبات التي يتعرَّض لها المريض أو استبعاد الحالات الأخرى، كما قد يعطي الطبيبُ المريضَ تعليماتٍ للقيام بفعْلٍ يسبّب حدوث النوبات، كأَنْ يطلب منه تقليل ساعات النوم (ألا يأخذ القسط الكافي من النّوم) قبل إجراء الاختبار.

• التصوير المقطعي المُحوسَب (CT):

يستخدم هذا التصويرُ الأشعةَ السينية للحصول على صور مقطعية للدماغ، كما يمكن لهذه التقنية أن تُظهِر شذوذاتِ الدماغِ والتي قد تكون سبب حدوث النوبات، مثل الأورام والنزف والأكياس.

• التصوير بالرَّنين المغناطيسي (MRI):

يمكن للطبيب من خلال هذا التصوير الكشف عن وجود آفاتٍ أو شذوذاتٍ في الدماغ، والتي قد تسبب حدوث النوبات.

• التصوير بالرَّنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI):

يتضمَّن هذا التصوير قياسَ تبدُّلاتِ تدفّقِ الدم الحادثةَ في الدماغ أثناء تأدية أجزاء محددة منه لِوظيفتها؛ ويمكن للأطباء استخدامُ هذا التصوير قبل الجراحة لتحديد المواقع الدقيقة للوظائف الهامة، مثل النطق والحركة، وبالتالي تجنُّبُ تضرّر هذه المواقع أثناء التداخل الجراحي.

• التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET):

ويتم هذا التصوير باستخدام كميةٍ صغيرةٍ من المواد المُشعَّة منخفضة الجرعة، والتي تُحقَن في الوريد للمساعدة في رؤية المناطق النشطة من الدماغ، وبالتالي اكتشاف الشذوذات فيه.

• التصوير المقطعي المحوسَب بإصدار البروتون المفرد (SPECT):

يُستخدَم هذا التصوير بشكلٍ أساسي عندما لا يتمكَّن الطبيب، وبعد اللجوء إلى الاختبارات السابقة (MRI، EGG)، من تحديد الموقع الذي تنشأ منه النوبات في الدماغ.

ويتم هذا التصوير باستخدامِ كميةٍ صغيرةٍ من المواد المُشعَّة منخفضة الجرعة، والتي تُحقَن في الوريد وذلك لإنشاء مخطّطٍ تفصيليٍّ وثلاثيِّ الأبعاد لنشاط تدفق الدَّم في الدماغ أثناء حدوث النوبات.

كما يمكن للأطباء استخدام تقنيةٍ أخرى، تتضمن الدَّمج بين (SPECT) و (MRI)، ويُطلق عليها اختصاراً (SISCOM) والتي تقدِّم للطبيب نتائجَ أكثر تفصيلاً.

• الاختبارات النفسية العصبية:

يقوم الأطباء ضمن هذه الاختبارات بتقييم مهارات التفكير والتذكُّر والنطق، وتساعد نتائجُ هذه الاختبارات الطبيبَ في تحديد مناطق الدماغ المُصابة.

المعالجة:

يبدأ الأطباء بمعالجة الصرع باستخدام الأدوية، ولكن عندما لا تتمكَّن الأدوية من علاج الحالة، قد يقترح الأطباء عندها الجراحة أو نمطاً آخر من المعالجة.

• المعالجة الدوائية:

يمكن لمعظم الأشخاص المصابين بالصرع التخلص من النوباتِ بتناول أحدِ الأدوية المضادة للنوبات، والتي تُسمَّى بـ "الأدوية المضادة للصَّرع أو مضادّات الاختلاج anticonvulsants". كما يلجأ بعضهم الآخر إلى تناول مجموعةٍ من هذه الأدوية للتخفيف من مدى تكرار النوبات وشدَّتها، وللطبيب مهمة تحديد الوقت المناسب لكي يتوقف المريض عن تناول الأدوية.

قد يكون اختيار الدواء والجرعة المناسبة منه أمراً معقداً، ولذلك يقوم الطبيب بتقييم حالة المريض، ومدى تكرار النوبات التي يتعرَّض لها، وعمره وعواملَ أخرى عند وصفِ الدواء المناسب؛ كما أن الطبيب يُراجع الأدويةَ الأخرى التي يتناولها المريض، لكي يتأكد من عدم حدوث تداخلٍ دوائي بينها وبين الأدوية المضادة للصرع.

لتحقيق أفضل ضبطٍ ممكنٍ للنوبات، ينبغي اتباع الخطوات التالية:

• تناول الأدوية كما هو موصوفٌ تماماً من قبل الطبيب.

• الاتصال دوماً بالطبيب قبل الانتقال إلى تناول دواءٍ آخرَ مشابه، وقبل تناول أي أعشاب أو أدويةٍ أخرى، ويشمل ذلك الأدوية التي لا تحتاج لوصفة طبية.

• عدم التوقف أبداً عن تناول الدواء دون استشارةِ الطبيب.

• إبلاغ الطبيب مباشرةً إذا ما تطوَّرت لدى المريض مشاعرُ جديدةٌ بالاكتئاب، أو أفكارٌ انتحاريةٌ، أو تبدُّلاتٌ غير اعتياديةٍ في المزاج أو السلوك.

• إبلاغ الطبيب في حالِ وجود الشقيقة (الصداع النصفي)، وعندها سوف يصف الطبيب أحد الأدوية التي تعالج كلاً من الصرع و الشقيقة معاً.

• الجراحة:

يتم إجراء الجراحة غالباً عندما تُظهِر الاختباراتُ أنَّ النوباتِ تنشأ من منطقةٍ صغيرةٍ ومحددةٍ جيداً في الدماغ، ولا تتداخل مع الوظائف الحيوية مثل النطق واللغة والوظيفة الحركية والرؤية أو السمع. وعندها يقوم الطبيب بالاستئصال الجراحي للمنطقة المسبِّبة للنوبات من الدماغ.

وعندما تنشأ النوبات من منطقةٍ مسؤولةٍ عن ضبط الحركة أو النطق أو وظائفَ أخرى، عندها قد يبقى المريضُ مستيقظاً خلال جزءٍ من العمل الجراحي، وسوف يراقبه الأطباء ويقومون بطرحِ بعض الأسئلةِ عليه خلال هذه الفترة.

أما عندما تنشأ النوبات من جزءٍ لا يمكن استئصاله من الدماغ، فقد ينصح الطبيبُ بنمطٍ مختلفٍ من الجراحة وذلك من خلال إجراءِ عددٍ من القُطوع في الدماغ، وذلك لمنع انتشار النوبات إلى أجزاءَ أخرى من الدماغ.

• معالجاتٌ أخرى:

تنبيه العصب المُبهَم:

يقوم الأطباء من خلال هذا الإجراء بزرع جهازٍ يُدعى "منبّهُ العصب المُبهَم" تحت طبقة الجلد في منطقة الصدر، بشكلٍ مشابهٍ لجهاز تنظيم ضربات القلب، ويتم وصل الأسلاك من هذا الجهاز إلى العصب المُبهَم الموجود في عنق المريض.

يُرسل هذا الجهاز دفعاتٍ من الطاقة الكهربائية عبر العصب المبهَم إلى الدماغ، وليس من الواضح كيف يمكن لهذا الجهاز أن يمنع حدوث النوبات، ولكنَّه يتمكَّن عادةً من خفضِ النوبات بمعدل 20-40%.

النظام الغذائي المولِّد للكيتون (Ketogenic diet):

لقد استطاع بعض الأطفال تخفيض النوبات لديهم من خلال اتباعِ نظامٍ غذائي صارمٍ مرتفعِ الدهون ومنخفضِ الكربوهيدرات؛ ويقوم الجسم من خلال هذا النظام الغذائي باستقلاب الدهون بدلاً من الكربوهيدرات للحصول على الطاقة، وقد تمكَّن بعض الأطفال - بعد عدة سنواتٍ من اتباع هذا النظام الغذائي- من إيقافه والمُضيّ في حياتهم وقد تخلّصوا من هذه النوبات.

يجب استشارة الطبيب في حال أراد الطفل اتباع هذا النظام الغذائي، إذ أنَّ من المهم ضمان عدم تعرُّض الطفل لسوء التغذية عند اتباعه لحمية مشابهة.

المصادر:

هنا

هنا