العمارة والتشييد > التصميم المعماري

رَوضةٌ... لتعليم الزراعة!!

نعم... إن ما قرأته صحيح! ألعابٌ وبذور ومراجيحٌ وخضراوات، حيث تجتمع ألف باء الزراعة مع ألف باء الأبجدية. هذا كان رد الفيتناميين على التحول الاقتصادي الذي تشهده البلاد. وكما هو الحال دائماً، أينما وُجِدَت الأفكار المميزة لمواجهة تحديات الواقع، كانت التصاميم المبتكرة التي تعبر عن هذه الأفكار وتعمل على تحقيقها.

لنُتابع معاً

تُعتبر فيتنام تاريخياً من البلاد الزراعية، إلّا أنها تواجه مجموعة من التغيرات نتيجة تحولها إلى الاقتصاد القائم على الصناعة، وما يرافق هكذا تحول من آثار على الطبيعة والبيئة. فمشاكل الجفاف المتزايد والفيضانات وتملح التربة تهدد إمكانية البلاد على استمرار تأمين متطلباتها من الغذاء والطعام، في الوقت الذي تسبب به الأعداد الكبيرة للدراجات النارية مزيداً من الازدحام وتلوث الهواء. من جهة أخرى فإن التوسع العمراني والحضري السريع الذي تشهده البلاد سيحرم الجيل الجديد من الأطفال من المناطق الخضراء وأماكن اللعب، مما سيهدد علاقة الأطفال السليمة مع الطبيعة.

هنا يأتي هذا المشروع كتحدي للوقوف في وجه هذه المشاكل. فالروضة بنيت بجانب مصنع كبير للأحذية لتستوعب 500 طفل من أولاد عمال المصنع. جاء التصميم ليشكلَ سطحاً أخضراً مستمراً ملبياً لمجموعة من المتطلبات كتأمين الطعام، واختبار الأطفال لتجربة الزراعة، وتشكيل منطقة واسعة ومفتوحة للعب.

صُمِّمَ السقف على شكل ثلاث حلقات مُتصلة ومستمرة، تحيط بثلاث حدائق مفتوحة مُشكِّلَةً ملاعب آمنة للأطفال. كما أقيمت مؤخراً تجربة لزراعة الخضروات في بعض قطاعات السقف، حيث تمَّ زراعة 5 أصناف من الخضروات في مساحة 200 متر مربع لأغراض تدريسية.

كل الفراغات الوظيفية للمبنى موجودة تحت السقف المزروع، بينما استُغِلَّت المناطق التي ينخفض فيها السقف ليندمج مع الأرض الطبيعية كمداخل للطوابق العليا وللوصول للحدائق المزروعة التي سيتعلم فيها الأولاد أهمية الزراعة بهدف استعادة علاقتهم الفطرية مع الطبيعة.

صُمِّمَ المبنى بنوافذ عريضة ممتدة على الجهتين، مما يسمح بمضاعفة مساحة مقاطع التهوية والإنارة. كما أن الأدوات المعمارية والميكانيكية المستخدمة لتوفير استهلاك الطاقة مُطَبَّقة بشكل واسع، بحيث تشمل -ولا تقتصر على-السطح الأخضر الذي يعمل كعازل طبيعي، ومعالجة الواجهات وتظليلها، بالإضافة الى تسخين المياه بالطاقة الشمسية. صُمِّمت هذه الأجهزة بحيث تبقى ظاهرة وواضحة، لتلعب دورا مهما في خلق الوعي المناسب عند الأطفال بما يتعلق بمفهوم الاستدامة.

تم الاستفادة أيضاً من فضلات المياه للمصنع المجاور بعد تكريرها في رَيّ الأسطح الخضراء والحمامات.

نتيجةً لهذه المعالجات فإنَّ الروضة استغنت عن استخدام المكيفات في القاعات التدريسية بالرغم من وقوعها في منطقة ذات مناخ استوائي. فوفقا لإحصائيات أُجريت بعد استخدام المبنى ب 10 أشهر تظهر أن المبنى يوفر 25% من استخدام الطاقة و40% من استخدام المياه النقية، مقارنةً مع الفترة الأولى من استخدامه، مما يقلل مصاريف المبنى على المدى البعيد بشكل كبير.

أما من الناحية الاقتصادية فإنَّ المبنى مصمَّم لأولاد العمال ذوي الدخل المحدود، والميزانية المخصَّصة للمبنى كانت محدودة بشكل كبير، لذلك تم اللجوء في التصميم إلى مجموعة من الاستراتيجيات، كاستخدام مواد البناء المحلية، والعمل بطرق البناء المنخفضة الكلفة، مما ساعد على تخفيف الأثر السلبي على البيئة بالإضافة لتشجيع الصناعات المحلية. بالنهاية أصبح لدينا مبنى تكلفة المتر المربع لم تتجاوز 500 دولار أميركي، تشمل الإكساء والتجهيزات، وهي تعد تكلفة رخيصة حتى بمقارنتها مع السوق المحلية.

يعد هذا المبنى نموذجاً على قدرة العمارة على ترجمة الأفكار المُميزة، وخلق أفضل الظروف المُمكنة بأقل التّكاليف المُتاحة. على أمل أن نستفيد من هكذا تجارب لننهض بأحلامنا.


-

المصدر:

هنا