التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

ثمانية نقاط شكلت تحول بارزاً عبر التاريخ … الثورة الطبية.

تمتلك البشريّة سجِّلاً حافلاً بالاكتشافات، والاختراعات الطبيّة الهامَّة للغاية، التي ساهمت في إنقاذ حياة الكثيرين، مغيِّرةً حياة البعض إلى الأبد. ولكن قد لا يسعنا هنا أن نخوض في غِمارها جميعاً، لذلك سنكتفي بتسيلط الضوء على اثنين من أهمِّ ممّا استطاع العقل الطبي التوصُّلَ إليه ألا وهُما: البنسلين واللقاحات.

تابعونا لمعرفة المزيد...

تُعدُّ شعوب اليونان والهند التي عاشت في غابر العصور من أوائل الشعوب التي استفادت من خصائص البنسلين، إذ كان شائعاً حينها استخدام الأغذية المُتعفِّنة، كالخبز مثلاً، لمُداواة الجروح المُلتهبة عند الجنود في أوقات الحرب. ولكن اكتشاف العنصر الشفائي في العفن ألا وهو البنسلين يعود إلى العالم الأسكتلندي السير "أليكساندر فليمينغ" في عام 1928م، حيثُ لاحظ في مختبره أنّ أحد صحون الإختبار، والذي احتوى على بكتيريا المكوَّرات العنقوديَّة كان قد تُرِكَ مفتوحاً عن طريق الخطأ مِمّا أدى إلى تشكُّل عفنٍ عليه.
كما وَجدَ "فليمينغ" هالةً خاليةً من تلك البكتيريا تُحيط بالعفن، فاستنتج من هذا أنَّ العفن قد أطلقَ مادةً أوقفت نمو البكتيريا وحطَّمتها. إلّا أنّ العلماء في عصرنا استطاعوا نقد قصّة "فليمينغ" تلك، وذلك بفضل تطوّر مفهوم التفاعل بين البكتيريا والعفن، حيثُ أنَّ وجود البكتيريا قبل العفن كان ليُوقف نموّه، وبالتالي لم يكن "فليمينغ" ليُلاحظ أيَّ شيء. كما ويُرجِّح العلماء أنَّ بوغاً من مُختبرٍ أسفل مُختبر "فليمينغ" كان قد انتقل إلى صحن الإختبار قبل وضع البكتيريا، وبالفعل كان "سي. جي. لا توتشي" يعمل مع نفس نوع العفن أسفل مُختبر "فليمينغ" في ذلك الوقت.

بعد نشر "فليمينغ" لأبحاثه بعشر سنين، قامت مجموعةٌ من العلماء أهمُّهم: "هاورد فلوري" و"إيرنيست تشاين" و"نورمان هيتلي" بتنقية البنسلين وتجربته بنجاح تمهيداً لاستخدامه الفعليِّ كمضادٍ حيويٍّ في عام 1942م، حينها تمَّ أوّلُ شفاءٍ عند مريضٍ بالتسمُّم الدموي، ولكن ذلك، كلَّف الولايات المُتحدة نصف مخزونها من هذا الدواء.

ثُمّ انتشر بعدها هذا الدواء بسرعةٍ في منتصف القرن الماضي كمنقذٍ للحياة ضد أمراضٍ مُميتةٍ كالزهريِّ والسيلان والسُلِّ والغرغرينا والخنّاق والحمّى القرمزيّة، وكان يُستخدم أيضاً في علاج الأطفال من عمر السنتين وما فوق من إنتان الأُذن. كما تمَّ علاج الإنتان الرئويِّ الذي كان يُعتبر مميتاً في غضون أيامٍ فقط.

يُعدُّ هذا العقار اليوم الأكثر استخداماً في 33 دولةً أوروبيَّة وذلك بحسب ESAC(الهيئة الأوروبيَّة لمراقبة استهلاك مُضادات البكتيريا)، كما صُنّفَ كأهمِّ اكتشافٍ في الألفيّة الثانية من قبل ثلاث مجلَّاتٍ سويديَّة، ويُرجّح أنّهُ أنقذ منذُ إنتاجه كدواء ما يُقارب 200 مليون شخص.

أمّا بالنسبة للقاحات فتُشير الأدلَّة إلى أنّ الصينيين قد استخدموا التلقيح بالجدري (أو ما دُعيَ لاحقاً بالتجدير، وذلك لتفريقه عن الاستخدام الأعمِّ للتلقيح، والذي يُستخدم لأمراضٍ عديدة)، وذلك في القرن الحادي عشر الميلادي، وانتقلت بعدها إلى أفريقيا وتركيّا فوصلت إلى بريطانيا في القرن الثامن عشر الميلادي عن طريق الليدي "ماري وورتلي مونتيغيو" التي أخبرت الطبيب الملكيَّ "هانز سلون" عنه.

لاحظ "إدوارد جينير"، بعدها وبالتحديد في النصف الثاني من القرن الثامن عشر حين كان يعمل كجرّاحٍ، بأنّ العاملين مع الأبقار لم يصابوا بمرض الجدري المُميت لأنّهم كانوا قد أصيبوا من قبل بجدري البقر ذي التأثير الطفيف على الإنسان. وبعدَ عدّة سنواتٍ من الأبحاث، قام في عام 1796م بأخذ بعض القيح من يد امرأةٍ حالبةٍ (أي تعمل في حلب البقر)، ثمَّ حكَّه على يد صبيٍّ في الثامنة من عمره، وبعدَ ستة أسابيع عرّضه لمرض الجدري (أي جدَّره)، ولاحظ لاحقاً بأنّهُ لم يُصب بالمرض. واستمر "جينير" بأبحاثه للعامين التاليين، وأعلن في سنة 1798م أنّ اللقاح آمنٌ بالنسبة للأطفال والبالغين على السواء، كما يُمكن نقله عن طريق اللمس، مِمّا جنّب الاعتماد على مصادر غير آمنة من البقر المُصاب.

وبعدما أثبت التلقيح بجدريِّ البقر فعاليته وأنّهُ أكثر أماناً من التجدير، مُنع الأخير في إنجلترا عام 1840م. كما ظهر الجيل الثاني من اللقاحات عام 1880م، حيثُ طوّر "لويس باستور" لقاحاتٍ لكوليرا الدجاج والجمرة الخبيثة. ومع بداية القرن العشرين أصبح التلقيح أمراً هاماً وإلزاميّاً بموجب القانون.

واستمر العلماء بتطوير التلقيح، وشهد القرن الماضي الكثير من التقدّم في هذا المجال، فأصبح بالإمكان التلقيح ضد الخنّاق والحصبة والنكاف والحصبة الألمانيّة. ويُعدُّ تطوير لقاح شلل الأطفال في خمسينيات القرن العشرين أهمَّها.

لا ينكُر أحدٌ اليوم أهميَّة اللقاحات في الوقاية من أمراضٍ كثيرةٍ وإنقاذها لحياة العديد من الناس، ومن المؤكَّد أنّهُ لو تمَّ اكتشاف بعضها مُبكِّراً لكان وضع البشريّة مُختلفاً حتماً. إذ تُشير بعض الإحصائيّات التي نشرها صحفي البيانات "دايفيد مكاندليس" العامل في Information is Beautiful إلى أنّ 1.7 مليار شخصاً قد لقوا حتفهم في القرن الماضي بِسبب أمراضٍ مُعديةٍ يتوفَّر اليوم لقاحاتٍ لها.

وفي النهاية مازالت البشريّة مُستمرَّةً في العطاء والعمل الدؤوب لاكتشاف علاجاتٍ ولقاحاتٍ لأمراضٍ كثيرةٍ، فإنّنا نمتلك اليوم لقاحاتٍ عديدةً تُساهم في الحدِّ من 25 نوعاً مُختلفاً من العدوى وتلافيها، وذلك بحسب مُنظّمة الصحة العالميّة. كما تُشير تقارير اليونيسيف إلى أنّ التلقيح يُنقذ سنويّاً 2 – 3 مليون طفلاً من الموت نتيجة الإصابة بالخنّاق أو الكُزاز أو السُعال الديكي أو الحصبة.

رُبما لا يزال هُناك العديد من الاكتشافات التي ننتظر أنّ نعثر عليها، اكتشافاتٌ ستُغيِّر، بلا شك، عالمنا إلى الأبد.

لمن فاته المقال الأول في السلسلة عن التسونامي:

هنا

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا