الكيمياء والصيدلة > كيمياء

الأرجوان السوري الملكي

الأرجوان السوري الملكي... مالئ الدنيا وشاغل الناس منذ أقدم العصور...

بدأت قطع الزجاجات الملونة وفي داخلها باللون الأرجواني بالظهور منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد في حفريات منطقة "صرفة" في لبنان. فعند العثور عليها في موطن الفينيقيين تأخذك الأفكار إلى اللون الأرجواني الملكي السوري المحتفى به، والذي كان خاصاً بالملوك والكهنة ويستحق أكثر من وزنه ذهباً.


حتى أسماء "كنعان" و"فينيقيا" من المرجح أن تكون مستمدة من جذور أسماء "الأحمر" و"الأرجواني"، مما يؤكد على أهمية هذه المنسوجات المصبوغة لدى هذه المجتمعات. ووفقاً للأساطير اليونانية، والمكررة بعد ذلك لدى العديد من الكتاب، تم اكتشاف الصبغة من قبل الملك والإله العالي لصور "ملقارت"، عندما ذهب والحورية في نزهة على شاطئ البحر المتوسط مع كلبهم. فركض الكلب وقام بالنباح أمام واحدة من الرخويات المتناثرة على الشاطئ، وعاد إلى سيده وعلى فمه أثار المادة الأرجوانية. ولم يغب هذا الاكتشاف عن ملقارت الذي قام مباشرة بصبغ ثوب وصبغه بالأرجوان وتقديمه إلى عشيقته.

وضعن أسطورة ملقارت تحت الاختبار العلمي بواسطة علم الآثار الجزيئية البيولوجية، وقد سمي كذلك لأنه يركز على المركبات العضوية القديمة. وبتطبيق مجموعة من التحليلات، فقد ظهر بشكل قاطع أن اللون الأرجواني داخل الزجاجة ضيقة العنق من صرفة كان بالفعل اللون الأرجواني الملكي المستخرج من الرخويات أو 6،6′-dibromoindigo.

ولا يتم إنتاج هذا المركب في الطبيعة إلا من ثلاثة أنواع من أحياء البحر المتوسط وبعض الأنواع الشبيهة منها الرخويات. وعند تم العثور على هذه الأجزاء من القوارير المطلية باللون الأرجواني في صرفة لتترافق مع أكوام من أصداف الرخويات، وأحواض خاصة للمعالجة ومرافق التدفئة، تكونت فكرة وجود مصنع ومصبغة للون الأرجواني فكان الدليل الأقدم على الأرجوان الملكي. وكما تزعم الأسطورة، عثر في فينيقيا وبدقة أكثر من كنعان كما كانت تعرف هذه المنطقة في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على أكوام أخرى من نفس الرخويات في أماكن أخرى من البحر المتوسط، ولكن لم يظهر أي دليل في وقت سابق أن يكون هذا الإنتاج للصبغة متعمداً من قبل تلك المجتمعات. حتى اتضاح وجود مصنع المنسوجات المصبوغة بالفعل.

وبإزالة الحيوان من قوقعته وتحضيره لتناوله، فإن الغدة تحت الخيشوم والموجودة على السطح الخارجي تتكسر بسهولة، ويتسرب السائل الأخضر للخارج، ويتبدل لونه على الفور إلى اللون الأرجواني لتعرضه للضوء والهواء بفعل الأكسدة. وتتغطى اليدان باللون الأرجواني، وهو من أكثر الصبغات كثافة ولا يمكن إزالتها بسهولة، ومن ثم بدأ جمع هذا الصباغ الأرجواني لاستخدامه كعامل للصباغة.

وقد اكتشفت أيضاً الصباغة الأرجوانية من قبل بعض البشر الذين يعيشون على السواحل الغربية والشرقية من المحيط الهادئ في الصين والبيرو، قد يكون بشكل مستقل عن الكنعانيين والفينيقيين. ويمكن للأنواع المتصلة بالرخويات المتوسطية أن تقدم هذا اللون في هذه الأمكنة. إن هذه العملية بدأت في وقت مبكر من القرن الخامس عشر قبل الميلاد في منطقة البحر المتوسط وربما في وقت لاحق في الصين وفي حوالي القرن السابع قبل الميلاد في البيرو حيث اكتشف البشر أن استخراج محتويات هذه الرخويات وتعريضها للضوء والهواء سيمكنهم من إنتاج هذا اللون الفريد. ويتطلب الأمر ما لا يقل عن عشرة آلاف من هذه الحيوانات لإنتاج غرام واحد من الصبغة كما أن كلفتها عالية جداً، لذلك كان من الطبيعي أن تكون هذه الصبغات مرتبطة بأعلى السلطات السياسية ومشبعة بالأهمية الدينية الخاصة

إن أزياء الكيمونو اليابانية كانت مصبوغة بالكامل باللون الأرجواني، وكذلك فإن المنسوجات المحفوظة بشدة من باراكاس ونازاكا في البيرو وشمال تشيلي تحمل أنماطاً جميلة بشكل مذهل مصبوغة باللون الأرجواني. وفي القرن الأول لروما، أصدر الإمبراطور نيرون مرسوماً يصرح أن الإمبراطور وحده مخول بأن يرتدي اللون الإرجواني، وسمي بعدها بالأرجواني الملكي.

قد يقترح البعض انتقال هذه التقنية من الثقافات الأكثر تقدماً (كما في الشرق الأدنى) إلى الثقافات الوليدة (في الصين والبيرو) وفقاً للدلالات المتاحة. كما أن سيناريو آخر قد يكون أكثر عرضة للمقاربة، فهذه الرخويات كانت مصدراً للغذاء في معظم هذه الأماكن، فما زالت الرخويات المتوسطة وجبة شهية في فرنسا وإيطاليا، والصينيون المعروفون باستغلال كل مصدر غذائي في بيئتهم.

اكتشف عام 1873 في منطقة جواو ببسوا في البرازيل، نقش بارايبا، مكتوب باللغة الفينيقية، وهو يعود للرحلة البحرية التي قام بها الفينيقي حنون، وانفصلت عنها إحدى السفن بسبب إحدى العواصف عند جزر الكناري، ووصلت وفقاً للنقش إلى سواحل البرازيل حيث وجد.

ويقول النقش وفقاً للترجمات: نحن أبناء كنعان، بحارة وتجار من صيدا، قذفنا على هذه السواحل البعيدة، وقد ضحينا بشاب للآلهة عليون، وقد انطلقنا من عصيون جابر وغادرنا بعشرة سفن، ودرنا لسنتين حول أرض حام وفارقنا زملاءنا ووصلنا إلى هنا إثنا عشر.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد لا يتم إثباته على الإطلاق، ولكنه هو يحتسب في البيانات الأثرية.

السوريون عظيمون أيها السادة...

المصدر: هنا