البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

علاج الأمراض السرطانية بالفيروسات.. إنجازات وطموحات| الجزء الثاني

لابد وأنَّ الجزء الأول من المقال قد حفزك لمعرفة المزيد عن هذه الفيروسات المميزة وعن الدراسات عليها. حيث تقام حالياً العديد من الدراسات المختبرية والسريرية عالمياً للتأكد من نجاعة ومأمونية العلاج الفيروسي Virotherapy. وقد أثمرت العديد منها بنتائج تسرّ الرّائي لها، إلا أنها ما زالت تعاني من بعض التحديات، وهذا أمر طبيعي يجب ألا يثبط من العزيمة. فما هي هذه الفيروسات الصديقة؟

تدعى الفيروسات ذات القدرة التَوَجُّهِيَّة للخلايا السرطانية بالفيروسات الحالّة للأورام (Oncolytic Viruses). فمنها ما هو متطفل على الخلايا السرطانية في الطبيعة، ومنها ما هو "مبرمج" بالهندسة الوراثية ليستهدف الخلايا السرطانية. بكلتا الحالتين، النتيجة واحدة: مُهاجمة الخلايا السرطانية. فبالإمعان في قدرة الفيروس على استغلال الجهاز الوراثي للخلية المضيفة، لمَعَت لدى العلماء فكرة رائعة وعبقرية. فبما أنَّ الفيروس قادرٌ على استنساخ شيفرته الوراثية آلاف المرات، وبما أنه قادر كذلك على إنتاج بروتينات الكبسولة والمستضدات، فلم لا نضيف إلى شيفرته الوراثية الجينات المسؤولة عن انتاج البروتينات المحفّزة للجهاز المناعي، ليتم انتاجها مع البروتينات الفيروسية؟ فبهذه الطريقة، يصبح سلاحنا الجديد أقوى، فهو لن يفجر الخلايا السرطانية فحسب، بل سيدلّ الجهاز المناعي على موقع المعركة أيضاً، ليشتد وطيس هذه الحرب الضروس!

نستنج أنَّ الفيروسات الحالة للأورام المعدلة وراثياً تبدو أقوى في تحقيق النتائج المرجوة. فخيرُ مثالٍ أمامنا الآن هو العقار T-VEC (المسمى سابقا بـ (OncoVEX)، والذي قامت شركة Amgen بشراء الحق الحصري لتطويره عام 2011. ويتكون هذا العقار أساساً من نسخة معدلة وراثياً من فيروسِ الحَلأ البسيط Herpes Simplex Virus HSV (يُدعى لدي بعض المدارس العربية بفيروس العقبول البسيط) النوع الأول Type-1. فبالإضافة لهندسته لانتقاء الخلايا السرطانية، تمت أيضاً بعض الإضافات على شيفرته الوراثية لتشمل الجينات المسؤولة عن انتاجِ ما يسمى بعاملِ تحفيزِ مجموعةِ الكرياتِ البيضاء المحببّة والكريات البلعمية الكبيرة Granulocyte/Macrophages Colony Stimulating Factor، واختصاراً GM-CSF، والذي هو عبارة عن بروتين سكري Glycoprotein (أي بروتين يحمل سلاسل سكرية) يعمل كوسيلة اتصالٍ ما بين الخلايا. فوظيفته الرئيسية هي إخبارُ الخلايا الدموية الجذعية Blood Stem Cells بأنَّ الجسم يتعرض للخطر وبأنه بحاجةٍ للمزيدِ من الكرياتِ البيضاء للدفاع عنه. فالخلايا الجذعية الدموية هي "المَصدَرُ الخام" لكل أنواع كريات الدم. وبالتالي، فورَ وصولِ رسالةِ العاملِ المحفزِ المذكور أعلاه للخلايا الجذعية الدموية، فإنها تبدأ بإنتاجِ العديد من الكريات البيضاء المحبّبة Granulocytes بأنواعها الثلاثة (الحامضة Eosinophil والقاعدية Basophil والمعتدلة Neutrophil) والخلايا البيضاء الوحيدة Monocytes، حيث تساهم كل هذه الخلايا في رد الفعل المناعيّ لحماية الجسم من الغرباء (دون الخوض بتفاصيل عن مَهمّة كل نوع منها).

أثبت العقار T-VEC نجاحه فعلاً في علاجِ نسبةٍ مُعتبرة من أورام أحد أنواع سرطان الجلد Melanoma Cancer المعروف بالعربية بالميلانوما، وذلك من خلال الدراسة السريرية الأخيرة التي أعلنت نتائجها عام 2013. ففي هذه الدراسة شارك 436 مريضاً من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، جنوب أفريقيا، والمملكة المتحدة، وتم توزيعهم بشكل عشوائي على مجموعتين: الأولى أُعطِيَت العقار T-VEC (الذي يشمل فيروس الحلأ المعدل وراثياً لينتج المحفز المناعي GM-CSF)، أما المجموعة الثانية فأعطيت المحفز المناعي GM-CSF فقط. وقد كانت النتائج مذهلة، حيث بلغ معدل الاستجابة الكليّ Overall Response Rate في المجموعة الأولى 24.6% مقارنة بالمجموعة الثانية 5.7% فقط. مما يعني أنَّ العقار يعمل بالفعل.

لابد وأنك تستعجلُ لتعرف أين يمكن للمرضى الحصول على هذا العقار أو ما يشابهه. في الوقت الراهن، ينتظر مصنِّعو هذا العقار على أحر من الجمر موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية US. FDA على تسويق هذا العقار تجارياً. إلا أن المرضى الآن يستطيعون الحصول على العقار فقط من خلال مشاركتهم في الأبحاث السريرية. حتى وقت كتابة هذا المقال، فهناك دراسة سريرية مفتوحة الآن لمن يرغب في المشاركة والذي تتوفر فيه شروط الدراسة. فهذه الدراسة تستقبل مرضى الميلانوما من الدرجات التالية IIIB، IIIC، IVM1a، IVM1b، or IVM1c، والذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة. لمعرفة المزيد عن هذه الدراسة، يمكنك الضغط على الرابط التالي هنا ، أو التواصل معنا من خلال موقع الباحثون السوريون أو على شبكات التواصل الاجتماعي لمساعدتك في الوصول إلى المعلومات المطلوبة.

يرجى الانتباه بأنَّ كاتب المقال وأعضاء مبادرة الباحثون السوريون ليس لهم علاقة بهذا البحث المذكور أعلاه، ولم نذكره في سبيل الدعاية، إنما للمساعدة في توعية المجتمع عن هذه العلاجات الحديثة، علّها تساهم في إنقاذ حياة أحدهم، متمنين للجميع دوام الصحة والعافية.

وإذا ساورك تساؤل عما إذا كان هناك علاج فيروسي آخر، فأبشرك بذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنَّ العقار الذي سأذكره الآن لم تتم تجربته وفقاً لمعايير الأبحاث السريرية العالمية، ومع ذلك، فقد تم ترخيصه من قبل السلطات الصحية المعنية في دولة لاتفيا. فالعلاج الفيروسي الوحيد والمتوافر الآن للمرضى هو ذلك المسمى تجارياً بـ RigVir® من إنتاج المركز الدولي للعلاج الفيروسي International Virotherpy Center، في دولة لاتفيا، بمدينة ريغا، ومنها جاء اسم العقار Riga Virus. فقد تحدثت العديد من وسائل الإعلام العربية والغربية عن نجاح هذا العقار في علاج عدد من أنواع السرطان، مما شجع العديد من سيّاح الطبابة لزيارة هذا المركز لتلقي العلاج، إلا أن بعض الأطباء قد شكك بجدوى استخدامه وذلك لغياب دراسات سريرية عالمية تثبت نجاحه. فالنجاحات المذكورة عنه هي ناتجة عن تجارب شخصية وليست عن دراسات علمية دقيقة.

مع ذلك، لابد وأن البعض بحاجةٍ لتجربة أي علاج جديد. لذلك، فمن هو بحاجة للاطلاع على مزيد من المعلومات حول هذا العقار، يمكنكم الوصول لمعلومات الاتصال بالمركز من خلال الرابط التالي هنا أو التواصل معنا عبر موقع الباحثون السوريون على شبكات التواصل الاجتماعي.

مرة أخرى، نود التأكيد بأنَّ كاتب المقال وأعضاء مبادرة الباحثون السوريون ليس لهم علاقة بالمركز المذكور أعلاه، ولا نستطيع تأكيد أو نفي نجاعة ومأمونية هذا العلاج. نحن فقط نساعد في إيصال المعلومة لمن هم بحاجة إليها.

وتذكر دائماً، يجب ألا تتخذ أي قرار بخصوص حالتك المرضية قبل الرجوع لطبيبك المعالج، فهو أعلم بتفاصيل مرضك.

وفي مقالات قادمة، سنتحدث ببعض من التفصيل عن الأبحاث السريرية، وكيف يمكن للمرضى المشاركة بها.

وحتى ذلك الحين، دمتم بألف خير.

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا