الفيزياء والفلك > فيزياء

مجهر المسح النفقي

عام 1923 وسع لويس دي بروي فكرة المثنويّة الجسيميّة – الموجيّة وناقش فكرة أنّه إذا كان الضوء يسلك في بعض الأحيان سلوك جسيمٍ وفي أحيان أُخرى سلوك موجةٍ، فربّما تلك الأشياء الموجودة في الطبيعة، والتي يُظن بأنّها جسيماتٌ كالإلكترونات والأجسام الماديّة الأُخرى تملك خصائصاً موجيّةً أيضاً. 

- قادت فكرة أنّ للإلكترون خواص موجيّة إلى تطوير المجهر الالكترونيِّ، والذي يُعطي صوراً بمقدرة فصلٍ أكبر من تلك التي يُقدِّمها المجهر الضوئي. أحد أنواع هذه المجاهر الإلكترونيّة هو المجهر الماسح النفقيِّ، وهو مجهرٌ يُقدِّم لنا صوراً ثلاثيّة الأبعاد للعيِّنة المدروسة بمقدرة فصلٍ ذريّة.

- قام جيرد بينينغ Gerd Binning وهاينريش روهر Heinrich Rohrer باختراع المجهر الماسح النفقيِّ عام 1981 وتسلَّما جائزة نوبل في الفيزياء عام 1986 على تطويرهما لهذا المجهر. 

- يتألَّف المجهر الماسح النفقيُّ من مسبارٍ صغيرٍ جداً ذو نهايةٍ مدبَّبة بعرض (1-10) نانومتر، يتحرَّك بالقرب من سطح العيِّنة ليدرسها من خلال سلسلةٍ من المرورات الخطيّة، حيث تبقى النهاية المدبَّبة أثناء المسح قريبةً جداً من سطح العيِّنة المدروسة. 

- يتمُّ تطبيق كمونٍ بين المسبار والعيِّنة عادةً بين ( 0-3)فولط، عندما يكون المسبار قريباً من السطح (2-4) أمبير، ممّا يؤدي إلى مغادرة الإلكترونات للسطح ومرورها من خلال الخلاء إلى المسبار عن طريق عمليّةٍ تُعرف بالعبور النفقيِّ. فعندما تكون ذرّات النهاية المدبَّبة في الجوار المباشر للسطح، يمكن للإلكترونات أن تنتقل بينهما حتى لو لم تملك طاقةً كافيةً لتقفز بينهما، وذلك عن طريق مفعول النفق الكموميِّ، ممّا يُؤدي إلى تيّارٍ نفقيٍّ صغير ( بيكو أمبير – نانو أمبير )، ولكن يمكن مراقبته باستخدام مضَخِّمات، كما يُستخدم ماسحٌ ثلاثيُّ الأبعاد مع حلقة تغذيةٍ راجعةٍ إلكترونيّة، ليقوم المسبار بمسح العيِّنة والحصول على صورٍ طبوغرافيّة. 

 

- يمكن تفسير المفعول النفقيِّ عن طريق ميكانيك الكم، حيث أنّه نتيجةً للخواص الموجيّة للإلكترونات عندما يتواجد ناقلان على بُعدٍ صغيرٍ فيما بينهما، يحدث تداخلٌ للتوابع الموجيّة للإلكترون. عندها يمكن للإلكترونات أن تنتشر عبر الخلاء الموجود بين النهاية المدبَّبة والعيِّنة، عندما يتمُّ تطبيق كمونٍ صغيرٍ جداً، ويُطلق على هذا الانتشار الناتج للإلكترونات اسم المفعول النفقيِّ. لتفاصيل عن مفعول النفق الكمومي: هنا- res.com/article/2539.html 

يُوصل المسبر بماسحٍ ثلاثيِّ أبعادٍ بيزوكهربائيّ أو كهربائيٍّ انضغاطي. بتغيِّر الكمون المُطبَّق على الماسح، يمكن التحكم بموضع المسبر. وذلك يعود للخصائص الفريدة للمواد البيزوكهربائيّة. فللمواد البيزوكهربائيّة ثنائيات أقطابٍ دائمةٍ مثل تيتينات زركونات الرصاص PbZrTiO3 )PZT). في حال ترتيب الأقطاب، سيتغيَّر طول المادة حسب الكمون المُطبّق. تستخدم معظم الماسحات أنابيب بيزوكهربائيّة تحوي عدَّة موادٍ بيزوكهربائيّةٍ مستقلّةٍ للتحكم بالإتجاهات x،y،z.
للمزيد عن الكهرباء الانضغاطيّة: هنا;

- من أهمِّ العوامل الرئيسيّة في هذا المجهر أنّ تغيُّراتٍ صغيرةٍ جداً في البعد بين النهاية المدبَّبة والعيِّنة، تُحرِّض تغيُّراتٍ كبيرةً في التيّار النفقيِّ، هذا الأمر يسمح بالتحكُّم الدقيق بالتباعد بين النهاية المدبَّبة والعيِّنة، ممّا يؤدي إلى مقدرة فصلٍ رأسيّةٍ عالية ، وأكثر من ذلك فإنّ المفعول النفقي يتمُّ بواسطة الذرّة الفرديّة الخارجيّة للمسبار، ممّا يسمح بمقدرة فصلٍ عرضيّةٍ عالية. 

-هناك نمطان للتصوير في هذا المجهر : 
1- نمط التيّار الثابت: 
حيث يتمُّ المحافظة على تيّارٍ نفقيٍّ ثابت خلال المسح (عادةً 1 نانو أمبير )، و يتمُّ ذلك بالتحريك عموديّاً بالإتجاه (z) للمسبار عند كُلِّ نقطة (x،y) حتى يتمَّ الوصول إلى التيّار المضبوط مسبقاً. الموقع العموديُّ للمسبار عند كُلِّ نقطة (x،y) يتمُّ تخزينه عن طريق الكمبيوتر لتشكيل صورةٍ طبوغرافيّةٍ لسطح العيِّنة، وهذه الطريقة هي الأكثر شيوعاً في المجهر الماسح النفقيِّ. 

2- نمط الارتفاع الثابت: 
في هذه الطريقة تكون المسافة بين العيِّنة و المسبار ثابتة. بينما تتشكَّل الصورة عن طريق التغيير في التيّار النفقيِّ، هذه الطريقة تسمح بالحصول على صورٍ سريعة، ولكن لا يمكن استخدامها إلّا في العيِّنات المُسطَّحة . 
لا يستخدم مجهر المسح النفقيُّ فقط لتصوير الذرّات، وإنّما أيضاً للتلاعب بالذرّات، وأوَّل من قام بذلك دون ابجلر عام 1986، حيث قام بترتيب 35 ذرّة زينون على سطحٍ من مادة النيكل، حيث كتب اسم شركته التي يعمل فيها IBM )International Business Machines). 

 

- نظراً لاعتماد المجهر الماسح النفقيِّ على الكشف عن الإلكترونات النفقيّة، فإنّه أكثر ما يُطبَّق على المواد الناقلة ونصف الناقلة، وذلك لتزويدنا بصورٍ ذات مقدرة فصلٍ عاليةٍ للعيِّنة المراد دراستها، بالإضافة لتعديل السطوح المدروسة عن طريق التلاعب بالذرّات الفرديّة، ولكن يمكن استخدامه أيضاً في دراسة بُنى الجزيئات العضويّة، فعلى سبيل المثال، تمَّ استخدام هذه التقنيّة في دراسة جزيئات ال DNA. 

- ماهي حدود هذا المجهر : 
• على الرغم أنّ المجهر ذاته لا يحتاج إلى خلاءٍ ليعمل، بل يُستخدم أيضاً في الهواء والماء والأوساط الغازيّة والمائيّة المختلفة الأُخرى، وفي درجات حرارةٍ عاليةٍ تتراوح بين درجاتٍ قريبةٍ من الصفر المطلق وعدَّة مئاتٍ من السيليسيوس، فإنّ التخلية العالية مطلوبةٌ جداً لتجنُّب تلوُّث العيِّنة عن طريق الوسط المحيط. 
• هو عرضةٌ للضجيجٍ كهربائيٍّ واهتزازي. 
• يعمل فقط في العيِّنات الناقلة كالمعادن وأنصاف النواقل – على الرغم من أنّه يمكن تعديل العيِّنات لتصبح ناقلةً عن طريق طلائها بالذهب، ولكن يمكن لهذا الطلاء أن يّحجُب بعض الميِّزات أو يُقلِّل من دقَّة الصورة. 

صورة المقال: ذراتٌ من الحديد الفرديّة تمَّ تحريكها بواسطة مجهر المسح النفقيِّ لتشكِّل ما يشبه سياج ملعبٍ على سطحٍ من النحاس. 

المصادر: 
هنا;
هنا;
هنا;
هنا