الطب > مقالات طبية

كيف يمكن للإنسان أن يغرق خارج الماء؟؟

يؤدي الغرق إلى وفاة عشرة أشخاص يومياً في الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر الناس عرضةً للغرق هم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات. وفي حين أن معظم الناس يعرفون علامات الغرق الواضحة، إلا أن هذه العلامات لا تظهر في جميع الحالات. والكثير من الناس لا يدركون بأن شخصاً ما يمكن أن يغرقَ حتى بعد أن يتم استخراجه من الماء.

وهناك حالات خاصة يمكن أن تحدث بعد فترةٍ تصل إلى يومٍ كاملٍ من حادثة الغرق نفسِها، والتي يدعوها غير المختصين عادةً بالغرق الجاف (dry drowning) أو الغرق الثانوي (secondary drowning) (وهذه المصطلحات في الواقع ليست مصطلحاتٍ طبيةً. ويعتبر هذا النمط من الغرق نادراً للغاية، حيث يشكل 1-2% فقط من جميعِ حوادث الغرق.

• وقد يظن البعض بأن الغرقَ والوفاة يحدثانِ في نفسِ الوقتِ، ولكن الغرق في الواقع هو حالةٌ طبيةٌ لا تؤدي دائماً إلى الوفاة بشكلٍ فوري. وينبغي على الناس أن يعرفوا بأن أي إنسانٍ ينغمر تحت الماء بشكلٍ خارجٍ عن إرادته ويعاني من صعوبةٍ في الحصول على الأوكسجين هو إنسانٌ قد تعرّض للغرق. وحتى لو كان هذا الشخص واعياً فهو يعاني من حالةٍ إسعافية حسب رأي العديد من الخبراء. ومجرد تعرّض الشخص لابتلاع الماء فإنه قد يعاني لاحقاً من حدوث ارتكاسٍ متأخر، وهذه الحالة ليست آمنة وقد يتعرض المريض للموت المفاجئ.

• إذاً ما هو الغرق؟

يحدث الغرق حين يُغمَر الإنسان تحت الماء لأي فترةٍ من الزمن، ويدخل في حالة من صعوبة التنفس دون أن يتمكنَ من الحصولِ على كميةٍ كافيةٍ من الأوكسجين.

وبعد أن يُغمر تحت الماء فإن المريضَ سيدخل في معظم الأحيان في حالة من فقدان الوعي خلال 30-60 ثانية من حبس النفس، ويمكن للغرق أن يحدث سواء دخل الماء إلى الرئتين أم لم يدخل. ويجب أن نعتبر بأن المُصابَ قد غرق طالما كان يعاني من صعوبةٍ في الحصول على الأوكسجين.

هناك درجاتٌ متعددةٌ للغرق، فهو يتراوح من الأذيّات الطفيفة عديمة الآثار، مروراً بالأذيّة الدماغية الشديدة، وانتهاءً بالوفاة. إضافةً إلى ذلك، فإن الغرقَ ليس حدثاً دراماتيكياً كما يُعرَض في الأفلام السينمائية. فالضحية في الحالات النموذجية لا تتخبّط أو تصرخ طلباً للعون، وإنما تكون في معظم الأحيان ساكنةً وهادئة للغاية. فالغرق هو حدثٌ سريع جداً وهادئ جداً.

• الغرقُ على الأرضِ الجافة:

بعد أن يُسحَبَ المُصابُ من الماء فإنه قد يسعُل أو يبصُق وهو لا يزال واعياً. ولكنّ نسبةً ضئيلةً من هؤلاء الأشخاص قد تدخل في مضاعفات مهددة للحياة.

وتنتمي بعضُ الحالات التي دُعيت سابقاً بالغرق الجاف إلى هذه المجموعة، حيث تؤدي كمياتٌ ضئيلةٌ من الماء إلى تخريش الحَنجرة، أو الحبال الصوتية، مما يؤدي إلى انغلاقها وانسداد الطرق التنفسية. ويمكن لهذه المشكلة، والتي تُدعى بتشنّج الحَنجرة، أن تحدث أيضاً خلال العمليات الجراحية، وذلك حين يتلقى المرضى أدويةً مخدرة معينة مثل الكيتامين.

يؤدي تشنج الحنجرة أحياناً إلى صدمة انعكاسية في كامل الجسم تدعى بالوذمة الرئوية عصبية المنشأ. وحين يحدث ذلك يرتفعُ الضغطُ في الرئتين والقلب مؤدياً إلى نقص قدرة الجسم في الحصول على الأوكسجين. ويؤدي تشنج الحنجرة في حال عدم معالجته إلى دخول المريض في دوّامةٍ قاتلةٍ من الأحداث.

ولا تَخفى أعراضُ تشنج الحنجرة على أحد، فالطفل المصاب سيُصدرُ صوتاً حاداً أثناء التنفس يدعى بالصرير، وقد يشهقُ أو يسعلُ، أو يَثبُتُ منتصباً كمحاولةٍ للحصول على المزيد من الأوكسجين، وقد يصبح أزرقَ اللون أو يبدو بحالة غريبة من النعاس. وقد يتبوّل بعضُ الأطفال على أنفسِهم. ويمكن لهذه الأعراض أن تحدثَ بعد فترة قصيرة من استخراج الطفل من الماء. ولكنّ الاستجابةَ قد تتأخر في حالاتٍ نادرةٍ للغاية لمدّة تصل إلى 24 ساعة من الحادث. وبذلك فمن الضروري جداً الاتصال بالطوارئ في حال ظهور أيٍّ من هذه الأعراض.

• ولإيقاف الأحداث التي تتلو تشنج الحنجرة فإن أطباءَ الطوارئ يقومون بوضع قناعٍ على وجه الطفل مع ضخ الأوكسجين في الرئتين، وإعطاء أدوية خاصة لمنع العضلات من التشنج وإغلاق الحنجرة، أو إجراء حركة تُدعى بمناورة لارسون (Larson’s maneuver)، والتي تشمل تحريك الفك بطريقة خاصة لفتح الحبال الصوتية (مع العلم بأنّ مثل هذه المناورات يجب ألا تُجرى إلا من قبل الطاقم الطبي).

• الغرق الثانوي:

يحدث الغرق المتأخر (والذي كان يُدعى سابقاً بالغرق الثانوي) حين تدخل كمية ضئيلة من الماء إلى رئتَي الضحية. يمكن لهذا الماء أن يُزيل جزءاً من المادة التي تغطّي بطانة الرئتين في الحالات الطبيعية، والتي تسمح للرئتين بامتصاص الأوكسجين وتدعى بعامل التوتر السطحي (surfactant). ويمنع ذلك وصول الكميات الكافية من الأوكسجين إلى الجسم، مما قد يؤدي إلى الوفاة.

إذا استمر المُصاب بالسعال والبُصاق لأكثرِ من دقيقةٍ أو اثنتين بعد استخراجه من الماء وظهر الزَّبدُ حول فمه، عندها يجب نقله إلى قسم الإسعاف دون أدنى تأخير. يُراقب معظم هؤلاء المرضى في المستشفى لمدة 4-6 ساعات قبل السماح لهم بالعودة إلى المنزل. ولكنّ بعضَهم قد يحتاج إلى البقاء على الأوكسجين ليوم أو اثنين إلى أن يتجددَ عاملُ التوتر السطحي لديهم. ولكن في بعض الحالات النادرة قد تتدهور حالة المريض سريعاً، وقد يحتاج إلى جهاز التنفس الاصطناعي لحمايته من الوفاة أو الأذية الدماغية.

وتعتبر أعراض الغرق الثانوي مشابهةً للأعراض الناتجة عن تشنج الحنجرة، وذلك لأن السببَ المسؤولَ في الحالتين هو نقص الأوكسجين. وعلى عكس بعض التقارير الإعلامية، فإن الأطفال الذين توفوا بسبب الارتكاسات المتأخرة للغرق تظهر عليهم في الحالات النموذجية بعض أعراض الغرق مباشرة بعد استخراجهم من الماء، حتى لو كانوا لا يزالون يتنفسون وبكامل وعيهم.

• الوقاية خير من قنطار علاج:

في حين أن على الوالدين أن يعرفوا علامات الاستجابة المتأخرة للغرق، فإن الوقاية تبقى دائماً الوسيلةَ الأفضل للمحافظة على سلامة السبّاحين الصغار.

ويشملُ ذلك وضعَ الحواجزِ اللازمةِ حول برك السباحة، والإشراف الحثيث والمتواصل على الأطفال خلال وجودهم في المسابح، والمراقبة المستمرة لهم، والانتباه لمهارة كل طفل في السباحة. ويمكن كذلك للوالدين أن يوكِلوا شخصاً آخرَ بهذه المهمة، كأن يقومَ السبّاحون الأكبرُ عمراً والأكثرُ كفاءةً بمهمة مراقبة الأطفال الصغار.

المصدر:

هنا