الرياضيات > الرياضيات

هل يمكن للرياضيات أن تحررنا من الحسد؟

منذ خمسينيّات القرن العشرين سعى علماء الرياضيات من خلال محاولات عديدة لحل مشكلة القسمة العادلة والتي عادة ما تدور حول تقاسم الكعك.

لنفترض بأنك وأحد أصدقائك تريدون اقتسام قطعةٍ من الكعك، فما هي الطريقة العادلة لاقتسامها؟

الحل هو أن يقوم أحدكما بقطع الكعكة إلى قطعتين متساويتين بحسب مايرى، بينما يقوم الآخر باختيار القطعة التي يعتقد أنها القطعة الأكبر.

هذه الخوارزمية المكوّنة من خطوتين تدعى ببروتوكول "أنا أقطع وأنت تختار."

لاحظ أن هذا البروتوكول يضمن لكلّ من الصديقين الرضا بغضّ النّظر عمّا سيختاره الصديق الآخر.

النسخة المعمّمة لهذه المشكلة تتضمن n من الأشخاص، كلّ منهم لديه تفضيلاته الخاصّة بالنّسبة للقطع الجزئية من الكعكة.

وهنا نورد التعريفين التاليين:

- يقال عن تقسيم كعكة بين عدّة أشخاص أنّه "نسبيّ" إذا كان كلّ لاعب يحصل على قطعة حجمها 1/n من حجم الكعكة الكليّ (بما يتفق مع رغبته).

- يقال عن تقسيم كعكة بين عدّة أشخاص أنّه "بلا حسد" اذا لم يقايض أحدهم على قطعة غيره.

من هنا فإن كل قسمة "بلا حسد" هي قسمة "نسبية" لكن العكس غير صحيح إلا إذا كانت 2 = n

ذلك يحدث على سبيل المثال إذا اعتقد كل واحد من اللاعبين الثلاثة أنه حصل على الـ 1/3 على الأقل من الكعكة، لكن ربما اعتقد أحدهم أن لاعباً آخر قد حصل على القطعة الأكبر.

إذاً سنتعلّم طريقتين لحل مشكلة القسمة العادلة في حالة 3 = n.

أولاً: بروتوكول القسمة النسبية وفقا لشتاينهاوس Steinhaus حوالي عام 1943.

الخطوة 1:

يقوم اللاعب A بقطع الكعكة إلى ثلاثة أقسام ( وفق ما يعتقد أنها قسمة عادلة).

الخطوة 2:

يُعطَى اللاعب B الخيار إما أن يمرر الكعكة لـ C (ويفعل ذلك إذا وجد القسمة عادلة، أي أنّ قطعتين أو أكثر حجم كل منها 1/3 تقريباً). أو لا يمرّرها ويقوم بتسمية قطعتين بأنهما "سيئتان" (اذا وجد أنّ قطعتين قياسهما أقل من 1/3 ).

الخطوة 3:

إذا قام اللاعب B بتمرير الكعكة الى C في الخطوة 2، عندئذ يختار اللاعبون

C

B

A

بهذا الترتيب قطعة من الكعكة (التي يعتقدون أنها من الحجم 1/3 على الأقل).

* لاحظ في هذه الحالة أن كل لاعب يحصل على قطعة من الحجم 1/3 على الأقل "وفق رغبته". وهذا صحيح لأن :

اللاعب C يختار أولا.

اللاعب B يعتقد أنّ قطعتين أو ثلاثة هي من الحجم 1/3 على الأقل.

اللاعبA هو من قطع الكعكة إلى ثلاثة أقسام متساوية "وفق رغبته".

الخطوة 4:

إذا لم يقم اللاعب B بتمرير الكعكة في الخطوة 2، فإن اللاعب C يُعطَى نفس الخيارين اللذين حصل عليهما اللاعب B في الخطوة 2. متجاهلاً اختيار B لقطعتين على أنهما "سيئتان".

الخطوة 5:

إذا قام اللاعب C بتمرير الكعكة في الخطوة 4، عندئذ يقوم اللاعبون

B

C

A

بهذا الترتيب باختيار قطعة من الكعكة (والتي يعتقدون أنها من الحجم 1/3 على الأقل).

* لاحظ في هذه الحالة، وكما سبق، فإنّ كل لاعب يحصل على قطعة كعك من الحجم 1/3 على الأقل "وفق رغبته" حيث أن C اعتبر القسمة عادلة وهو راضٍ بأي قطعة، بينما B عيّن قطعتين سيئتين فمن حقّه اختيار قطعة يجدها مناسبة.

الخطوة 6:

إذا لم يقم اللاعب C بتمرير الكعكة في الخطوة 4، فإن اللاعب A سيضطر لأخذ القطعة التي قرّر B و C أنها "سيئة" وهذا يعني أن حجمها أقل من 1/3 بكل تأكيد.

وهذا عادل بالنسبة لـ A لأنه هو من قطع الكعك واعتبر أن قسمته عادلة.

الخطوة 7:

القطعتان الباقيتان يعاد تركيبهما، ويقوم اللاعب B بقطع الكعكة إلى قسمين (يعتقد أنهما بنفس الحجم).

الخطوة 8:

يختار اللاعب C إحدى القطعتين (تلك التي يعتقد أنها القطعة الأكبر).

الخطوة 9:

يعطى اللاعب B القطعة المتبقية.

* لاحظ أن الخطوات الثلاث الأخيرة ما هي إلا استراتيجية "انا اقطع أنت تختار" بين اللاعبين B و C.

وبهذا ينتهي بروتوكول شتاينهاوس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثانياً: بروتوكول القسمة بلا حسد لسيلفريدج وكونواي (Selfridge، Conway) حوالي عام 1960.

الخطوة 1:

يقوم اللاعب A بقطع الكعكة إلى 3 أقسام (وفق ما يعتقد أنها ستكون بنفس الحجم).

الخطوة 2:

يعطى اللاعب B الخيار إما بتمرير الكعكة (يفعل ذلك إذا وجد القسمة عادلة، أي أنّ قطعتين أو أكثر حجم كل منها 1/3 تقريباً)، أو يقوم بعملية تعديل للقطعة الأكبر فيقتطع منها جزءاً بما يعتقد أنه يحقق قسمة عادلة مع القطعتين الاخريتين.

إذا قام اللاعب B بتعديل إحدى القطع، عندئذ نسمي "الأجزاء المتبقية" L، وتوضع جانباً.

الخطوة 3:

يختار اللاعبون

C

B

A

قطعة - إحدى هذه القطع قد تم تعديلها في الخطوة 2-، فحينها اذا لم يختر C القطعة التي عدّلها B فعلى B أن يختار هذه القطعة،كي لا يتم ظلم A الذي قسّم الكعكة على اعتبار أنها عادلة، فهو قد لا يرضى بالتعديلات التي أجراها B، فليأخذها B طالما أعاد تقسيمها بشكل عادلٍ من وجهة نظره.

* لاحظ أن هذه القسمة بلا حسد لأن:

اللاعب C هو من يختار أولاً.

اللاعب B قام بصنع قطعتين على الأقل عادلتين بنظره، ولذلك واحدة منهما ستبقى بعد أن يختار اللاعب C قطعته.

اللاعب A قام بصنع كل من القطع الثلاث بالحجم 1/3، علماً أن القطعة المعدلة قد أُخِذت حتماً من قبل اللاعب C أو اللاعب B.

الخطوة 4:

إذا قام اللاعب B بتمرير الكعكة في الخطوة 2 دون أن يقوم بتعديلات، نكون بذلك قد انتهينا من عملية التقسيم.

ولكن في حال قيامه بتعديل قطعة، فيتبقى لدينا عملية تقسيم "الأجزاء المتبقية" L بين اللاعبين الثلاثة.

حين عدل B على إحدى القطع فإما أخذها C أو تركها وأخذها بالتأكيد B، فاللاعب الذي لم يحصل على القطعة المعدّلة سيقوم بتقسيم L إلى ثلاثة أقسام (بطريقة عادلة من وجهة نظره) وسنطلق على هذا اللاعب تسمية (القاطع) بينما نطلق على اللاعب الآخر تسمية (غير القاطع).

الخطوة 5:

يقوم اللاعبون الثلاثة باختيار أحد الأقسام الثلاثة التي قسمت إليها L وفق الترتيب التالي:

أولاً اللاعب (غير القاطع)، ثانياً اللاعب A، ثالثاً اللاعب (القاطع) (وكل منهم يختار القسم الأكبر على الأقل بين الأقسام المتاحة له حينما يأتي دوره في الاختيار).

* عند هذه النقطة فإن اللاعب (غير القاطع) سيكون راضياً طالما أنه يختار حصته من L أولاً، اللاعب A لن يحسد (غير القاطع) اذا أخذ حصّته أولاً لأن A منذ البداية حين قطع الكعكة لم يعتبر قطعه غير عادل، فهو لم يكترث لهذه القطعة الزائدة التي تمّ اقتطاعها، كما أنه لا يحسد اللاعب (القاطع) لأنه يقوم باختيار حصته من L قبل اللاعب (القاطع)، أخيراً فإن اللاعب القاطع سيكون راضياً طالما أنه قسم "الأجزاء المتبقية" L إلى ثلاثة أقسام متساوية بنظره.

وبهذا ينتهي بروتوكول سيلفريدج وكونواي.

الأمر يتجاوز الكعك قليلاً..

يمكن تطبيق بروتوكولات القسمة العادلة في بعض مجالات الحياة الحقيقية، فمثلاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية جرى تقسيم ألمانيا بين الحلفاء والاتحاد السوفيتي، وبقيت بعض "الأجزاء المتبقية" مثل مدينة برلين دون تقسيم فلجأ المتفاوضون لاحقاً إلى تطبيق تقنية التقسيم بلا حسد بشكل حدسي لحل هذه المشكلة.

هنا

فهل يمكن أن تقوم الرياضيات بحل المشكلات الدولية من هذا النوع يوماً ما؟ فكما وجدنا أن الرياضيات تعلّمنا العدل، ويقول المثل العربي أنّ العدل أساس الملك، فهل يمكن من هذا المنطلق القول بأن الرياضيات أساس الملك؟

المصادر:

1- An Envy-Free Cake Division Protocol Author(s): Steven J. Brams and Alan D. Taylor Reviewed work(s): Source: The American Mathematical Monthly، Vol. 102، No. 1 (Jan.، 1995)، pp. 9-18

2- A Mathematical View of Our World- Text Only - ISBN:0007520166 - ISBN13: 9780007520169

3 هنا