الرياضيات > الرياضيات

اكتشاف نوع جديد من كثيرات الوجوه

لقد شغلت أعمال الفيلسوف الإغريقي أفلاطون ملايين الناس لآلاف السنين. وثمّة مجسّمات مسمّاة باسمه "المجسمات الأفلاطونية"،استولت على تفكير العديد من الرياضيين، وهي صنف من الأشكال الهندسية المنتظمة إلى حد كبير، وشائعة الانتشار في الطبيعة تحدثنا عنها في مقال سابق (هنا ).

.

منذ زمن أفلاطون، اكتُشِف صنفان آخران من كثيرات الوجوه المحدبة المنتظمة هما: مجسمات أرخميدس (وتمثّل كثيرات الوجوه المؤلفة من 12 مخمّساً و20 مسدّساً تُسمّى بـ Truncated icosahedron) ومجسمات كيبلر (وتمثّل كثيرات الوجوه المؤلّفة من عدّة معيّنات). مضى حوالي 400 عام منذ اكتشاف آخر صنف من المجسمات، أمّا الآن فيرجِّحُ الباحثون وجود صنفٍ جديد من المجسمات الفراغية، صنف رابع يدعى بكثيرات وجوه غولدبرغ Goldberg polyhedra يخبرنا عن وجود عدد لانهائي من هذه المجسمات.

الحب الأفلاطوني للهندسة:

كثيرات الوجوه المحدّبة المنتظمة لها خواص معيّنة، أولاً لأضلاعها الطول ذاته. ثانياً، هي اشكال فراغية بالكامل، أي أن أجزاءها معينة بدقّة من الداخل والخارج، حيث من السهل أن نميّز داخلها من خارجها من خلال سطحها، وثالثاً أنّ أي نقطة من مستقيم واصل بين نقطتين من المجسم لن تقع مطلقاً خارج المجسم.

المجسمات الأفلاطونية، أي الصنف الأول وهو الأكثر شهرةً، يضم خمسة أشكالٍ مختلفة وهي: رباعي الوجوه، سداسي الوجوه (المكعب)، ثماني الوجوه، إثنا عشري الوجوه، عشروني الوجوه كما تحدثّنا عنها في مقال سابق هنا

هذه البنى بالغة الانتظام منتشرة في الطبيعة. مثلاً، ذرات الكربون في الألماس تصطفّ بشكل رباعي الوجوه، فملح الطعام، والذهب الكاذب-البيريت (كبريتات الحديد) يشكلان بلورات مكعبة، وفلوريد الكالسيوم يشكّل بلورات ثمانيّة الوجوه.

الاكتشافُ الجديد كان من قبل باحثين أُلهِموا باكتشاف صنف جديد من المجسمات المثيرة للاهتمام خلال دراساتهم المتعلقة بالعين البشرية، حيث أثار اهتمامهم نوع من البروتينات يدعى الكلاثرين - Clathrin هنا ، وهو بروتين مسؤول عن نقل الطاقة إلى داخل وخارج الخلايا، وأثناء تلك العمليات يشكّل عدة أنماط من الأشكال. هذه الأشكال أسرت الباحثين فوصلوا إلى شرح رياضي لهذه الظاهرة .

أثناء بحثهم هذا، اطّلعوا بالمصادفة على أعمال رياضي القرن العشرين ميشيل غولدبرغ، التي وصفت مجموعة من الأشكال الجديدة، وهي "مجسمات غولدبرغ" آنفة الذّكر، وهي تبدو ككرة قدم مملوءة بالهواء مكوّنة من عدد كبير من المضلعات الخماسية والسداسية المرتبطة ببعضها على نسق منتظم.

على أيّة حال، يعتقد الباحثون بأن أشكال غولدبرغ –الأقفاص Cages كما يسميها علماء الهندسة- ليست كثيرات وجوه، هذا محيرٌ بعض الشيء لأن غولدبرغ أطلق عليها كثيرات الوجوه، التسمية منطقية لباحث في نظرية البيان، ولكن يبدو أنها ليست كذلك بالنسبة لعالم هندسة، فكثيرات الوجوه تتطلب وجود وجوهٍ مستوية.

بينما هي كما ترون هي أشبه بمكعب منفوخ..

وهو التفصيل الذي من شأنه أن يجعل هذه المجسّمات تتجاوز شرطاً من شروط كثيرات الوجوه، والذي ينص على أن: أي نقطة واقعة على خط مستقيم واصل بين أي نقطتين من المجسم يجب ألّا تقع خارج المجسم، فوجوه هذه المجسمات تكون منتفخة وتتخذ أشكالاً سرجيّة "مقعّرة نوعاً ما"، يمكن حلّ هذه المشكلة من خلال تقسيم هذه الأجزاء الى العديد من المضلعات. ولكن كيف بامكاننا تنفيذ ذلك عمليّاً؟ نعم يمكننا رسم مضلعات سداسية على هذه الوجوه المنتفخة، لكن المضلعات لن تكون مستوية تماماً. السؤال يكمن في إمكانية ضغط و شدِّ هذه المضلعات لتصبح كلها مستويةً تماماً.

أثناء عملية النفخ المتخيلة، حتى مع استبدال الانتفاخات بمضلعات سداسية، ستتشكل زوايا داخلية، هذه الزوايا المتشكلة بين خطوط الوجه ذاته –تدعى زوايا انعكساية، وبذلك لا يمكن للشكل أن ينتمي لكثيرات الوجوه. بدلاً من ذلك، قرر الرياضيون إيجاد طريقة يمكن من خلالها جعل قياسات كل هذه الزوايا صفراً (أي تصبح معدومة).

ومن خلال هذه الاستراتيجية أصبح بالامكان تطوير أصناف جديدة من كثيرات الوجوه. هذه الأشكال ستملك سطوحاً أكثر فأكثر، وبالتالي ايجاد عدد لانهائي من أنواع كثيرات الوجوه.

ولكن في نهاية المطاف اعتمد الباحثون على تصنيف هذه المجسمات كفئة رابعة/نوع رابع من كثيرات الوجوه المحدّبة.

بعض الاكتشافات الرياضية ليس لها تطبيقات حالية، لكن غالباً سيتم ايجاد تطبيقات لها. على سبيل المثال، الأبنية القببيّة ليست دائرية الشكل نهائياً، بل تبنى على شكل نصف كثير وجوه "غولدبرغي"، مؤلف من العديد من الأشكال المنتظمة التي تعطي البناء صلابة ومتانة أكبر من استخدام مادة بناء دائرية بالكامل.

على أية حال، قد توجد عدة تطبيقات حالية، فالقواعد الجديدة تمكننا من تشكيل كثيرات وجوه لها بنية مماثلة لبنية الفيروسات والفوليرين (الكربون المتأصل). حقيقة عدم توافر علاج للإنفلونزا حتى الآن، أو حتى الزكام الشائع، يُظهِر لنا مدى صعوبة إيقاف الفيروسات. لكن إذا تمكنّا من وصف بنية الفيروسات بدقة، سنقترب بذلك خطوة على طريق إيجاد سبيل لمكافحتها.

أو على الأقل، هذا الاكتشاف الهندسي مثير للشغف! من الجميل أن نوجد بعد 400 عام أشكالاً هندسية جديدة مثيرة للاهتمام.

المصدر:

هنا