البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

نوعٌ جديدٌ من الأحياء الدقيقة قد يكون "الحلقة المفقودة" بين بدائيات وحقيقيات النُّوى

اكتشف العلماء مجموعة من الأحياء المجهرية الجديدة التي قد تُمثّل الحلقة المفقودة في الانتقال التطوريّ بين بدائيات وحقيقيات النوى. هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature قد تزودنا بمعطيات جديدة لفهم الكيفية التي تطورت بها خلايا الأشكال المعقدة التي تشمل الفطور والنباتات والحيوانات والبشر، ابتداءً من الأحياء البسيطة منذ بلايين السنين.

تمثِّل الخلايا البُنى الأساسية لتركيب جميع أنماط الحياة على كوكب الأرض. ويمكن تصنيف الكائنات الحية اليوم إلى مجموعتين كبيرتين، هما: بدائيات النوى Prokaryotes وحقيقيات النوى Eukaryotes ، وقد انفصلت هاتان المجموعتان منذ ما يقارب الملياري عام، فبدائيات النوى تشمل البكتيريا ومجموعة أخرى من الكائنات الحية التي تدعى العتائق أو البكتيريا القديمة Archaea التي تَصلح في نظر بعض العلماء لأن تكون مجموعة منفصلة لتصبح الكائنات الحية مصنفة ضمن ثلاث مجموعات.

وتتصف الخصائص الخلوية للبكتيريا وللعتائق بالبساطة نسبياً، بينما تتميز حقيقيات النوى بدرجة أعلى من التعقيد الخلوي.

إنَّ أصل الخلايا حقيقية النوى يعدُّ واحداً من أكثر الألغاز إثارةً للجدل في العلوم الحيوية الحديثة. قدّمت الدراسات الحديثة افتراضات تقضي بإمكانية نشوء الأنواع المعقدة من الحياة بدءاً من المجال الذي يضمّ العتائق، لكنَّ هوية وطبيعة هذا السلف العتائقيّ كانت موضع جدلٍ بين العلماء.

قام الباحثون في جامعة أوبسالا Uppsala University في السويد بالتعاون مع شركائهم في جامعات بيرغين Bergen في النرويج وفيينا Vienna في النمسا باكتشافٍ غير مسبوق يتمثل بنوعٍ جديدٍ من البكتيريا القديمة التي أُطلق عليها اسم Lokiarchaeota.

اسم البكتيريا Lokiarchaeota أو اختصاراً (Loki) يشير إلى المكان الذي اكتُشِفَت بالقرب منه وهو يقع على بعد 15 كم من نظام بركاني عدائي يُدعى Loki's Castle. حيث جاء هذا الاكتشاف بعد قيام الباحثين بمسح التجمُّعات الميكروبية ضمن الترسّبات البحرية العميقة على طول مرتفعات وسط المحيط الأطلسي بين غرينلاند والنرويج وعلى عمق 2352 متر.

في الحقيقة لم يتمكَّن الباحثون من رؤية الخلايا، لكنَّهم قاموا بتحديد هويَّة نوع جديد من العتائق اعتماداً على الـ DNA المُستخلص من إحدى عيّنات الترسُّبات. وتُمثِّل هذه العتائق المكتشفة بدائيات النوى الأكثر قرباً على الإطلاق من حقيقيات النوى وفقاً للعلماء.

يقول الباحث Thijs Ettema الذي قاد الفريق الذي أجرى الدراسة في جامعة أوبسالا: "عندما توصَّلنا إلى النتائج الأولى لم نصدّق أعيننا. فلغز نشأة الخلايا حقيقية النوى معقدٌ للغاية، حيث أنَّ العديد من الحلقات لا تزال مفقودة لكننا نأمل أن تقوم بكتيريا Loki المكتشفة بحلِّ بعض الأجزاء من هذا اللغز" . ويضيف قائلاً: "عند دراسة الجينوم الخاص بالبكتيريا هذه وجدنا أنها تمثِّل شكلاً وسطياً بين الخلايا البسيطة للميكروبات والخلايا المعقدة لحقيقيات النوى".

ووفقاً للباحثة Anja Spang المشاركة في الدراسة: "الأمر الأكثر أهمية هو أننا وجدنا بعض المورثات ضمن بكتيريا Loki والتي تتواجد فقط في حقيقيات النوى، مما يشير إلى أنَّ التعقيد الخلوي قد ظهر في مرحلة مبكرة من تطور حقيقيات النوى".

فعلى سبيل المثال وجد الباحثون مورثات لبروتينات شبيهة بالأكتين الذي يساعد في تكوين الهيكل الخلوي Cytoskeleton (وهو نظام مساعد لبنية وحركة الخلايا حقيقية النوى) . هذه الخصائص المورثيَّة يمكن أن تزوِّد العلماء بطرف الخيط لدعم التعقيد الخلوي والمورثي الذي يميّز حقيقيات النوى.

تحوي البيئات القاسية العديد من الأحياء الدقيقة غير المعروفة والتي يشير إليها العلماء بمسمّى المادة المظلمة الميكروبية Microbial dark matter، حيث يأمل الفريق عن طريق فحص المادة المظلمة الميكروبيَّة بواسطة التقنيات المورثية الحديثة أن يتمَّ التوصُّل إلى أفكارٍ جديدة حول كيفية تطور الخلايا المعقدة.

ختاماً يقول البروفيسور Ettema: "لقد بدأنا هذا الطريق للتوّ ولا يزال لدينا الكثير لنكتشفه هناك، وأنا على ثقةٍ بأننا سوف نكون مُجبَرين على مراجعة مناهج البيولوجيا في المستقبل القريب".

المصادر:

هنا

هنا

هنا