الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

ذوقك في اختيار القهوة مؤثرٌ أكثر مما قد تتصور

عندما تستيقظ المرةَ القادمة وتستمتع بمشروب السّعادة المفضّل لديك سواء كان مصنوعاً من حبوب القهوة أو الكاكاو ربما سترغب في التفكير ما إذا كانت هذه الحبوب قد تمت زراعتها في الظل أو تحت أشعة الشمس حيث أن اختيارك لحبوب البن او الكاكاو المزروعةِ في ظلال الأشجار الأخرى يعود بفائدةٍ كبيرةٍ على الطيور الاستوائية والمزارعين وعلى النظام البيئيّ المحيط بها.

خلصت دراسة جديدة قام بها العالم Şekercioğlu في جامعة ولاية يوتا والتي نُشرت في مجلة علم الطيور، الى أنّ الزراعة في الظل تحمل فوائد كبيرةً للطيور الاستوائية والمزارعين وللنظام البيئي كاملاً. واهتمت الدراسة بتفاعل الطيور الاستوائية مع البيئات الزراعية المحيطة بهدف الحصول على فهم أفضل للبيئة الخاصة بهذه الطيور والخدمات التي تقدمها لنظمها البيئية. حيث قارن البحث بين أنواع الطيور التي تستخدم غابات النمو الأساسية و الغابات الزراعية (هي الغابات التي تُزرع فيها محاصيل البن والكاكاو تحت ظلال الأشجار الاخرى الأساسية) مع تلك التي تتخذ الأراضي الزراعية المفتوحة (هي التي تُزرع فيها نفس المحاصيل لكن تحت أشعة الشمس الساطعة) موطناً لها.

وكان العمل دقيقاً جداً حيث بدأ الباحث بفرز قاعدة بياناتٍ عالميةٍ تتضمن أكثر من 10 آلاف طير وصنفها بناءً على اختيارها لمواطنها البيئية. ثم قام باستعراض 40 دراسةً سابقةً درست مجتمعات طيور متعددة، وكخطوة أخيرة حصر دراسته بـ 6،093 نوعاً من الطيور الاستوائية بما في ذلك الطيور المهاجرة، مُصنفاً إياها تِبعاً للغابات التي تفضل العيش فيها إما غابات زراعية (غابات الظل) أو مزارع مفتوحة (مزارع الشمس).

كانت نتيجة الدراسة وجود 4،574 نوعاُ من الطيور تفضل الغابات لا المزارع كمواطن بيئية تسكنها ضمن خياراتها الثلاثة الأولى و 303 نوعاً من الطيور تفضل المزارع لا الغابات في خياراتها الثلاثة الأولى و 1،216 نوعاً من الطيور تتخذ المزارع والغابات على حد سواء في خياراتها الثلاث أولى.

أظهرت الدراسة أيضاً أن الغابات الزراعية (غابات الظل) شجعت وحافظت على حياة الطيور بشكل أكبر بكثير من المزارع المفتوحة (مزارع الشمس) وقامت تشكيلةٌ واسعةٌ من أنواع الطيور التي تعيش تحت ظلال الأشجار بتقديم خدمات كبيرة للنُظم البيئية. ومع التوجه المتزايد الى نمط الزراعة المفتوحة خسرنا بعضاً من مجموعات الطيور التي تُقدم خدمات هامة للنُظم البيئية مثل مكافحة الحشرات (أكلة الحشرات)، توزيع البذور(أكلة الفاكهة) والتلقيح(أكلة الرحيق) وازدادت عوضاً عن ذلك أعداد الأنواع الأكلة للبذور والحبوب التي تُعد كآفات للمحاصيل.

على الرغم من أن الغابات الزراعية التي تشابه إلى حد كبير الحدائق الظليلة ليست موطناً مُشجّراً مثالياً إلا أنها وفرت العديد من الفوائد التي تتميز بها الغابات الأوّلية. ويقول Şekercioğ " أن الأنواع المُستهلكة للفاكهة والرحيق تُبلي بلاءً جيداً في الغابات الزراعية، فعلى سبيل المثال يتواجد الطّائر الطّنان (الذي يتغذى على رحيق الأزهار) في الغابات الزراعيّة لأنها تمثل الأجزاء الأكثر انفتاحاً والتي يفضلها الطائر الرنان في الغابات الاستوائية. وعلى النقيض من ذلك لا تبلي أكلةُ الحشرات بلاءً حسناً خارج الغابات الأوليّة، وكان من المستغرب انخفاض أعدادها في الغابات الزراعية حيث أن لديها قدرةً كبيرةً على مساعدة المزارعين في التحكم بالآفات الحشرية" وتشير هذه النتيجة إلى إمكانية إيقاف استخدام المبيدات الحشرية من قِبل المزارعين عن طريق المحافظة على الغابات الأولية (المساكن الطبيعية التي تفضلها الطيور آكلة الحشرات)على مقربةٍ من الأراضي الزراعية.

في الوقت الحالي تُعتبر نتائج هذه الدراسة نتائج مهمة جداً حيث أن وجود الفطريات سريعة الانتشار التي تعمل على تخريب أشجار البن المنتشرة عالمياً والتي تنمو في الظل قد أدى إلى الاتجاه لزراعة أشجار البن في الأراضي المشمسة لحمايتها من الفطريات، وقد أدى هذا التحول السريع إلى انخفاض نسبة الأراضي الظليلة المزروعة بالبن بنسبة 20% لصالح الأراضي المشمسة على مستوى العالم منذ عام 1996.

يأمل القائم على هذه الدراسة أن يتجه المستهلكون بعد هذه النتائج إلى اختيار أشجار البن والكاكاو المزروعة في الظل تشجيعاً للممارسات الزراعية المسؤولة ولتأمين دخلٍ ماليٍ مناسبٍ يُحفز المزارعين على إنتاج المحاصيل بطريقةٍ قد تحمل مخاطرةً اقتصاديةً لكنها تساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي العالميّ. حيث أن اتجاهات الاستهلاك يمكن أن تعطي تأثيراً كبيراً على المدى البعيد.

ويعتبر هذا المشروع نقطةً في بحرٍ فهناك العديد من الأبحاث المشابهة التي يمكن العمل عليها مثل كيفية تفاعل الثديات مع الزراعة الاستوائية، وإسهام الغابات الزراعية في تطوير العدالة البيئية في المناطق الاستوائية.

ويرفض Şekercioğlu إعطاء الغابات الزراعية قيمةً كبيرةً جداً كمساكن طبيعية، لأن الكثير من الأنواع المهددة بالانقراض عالمياُ لا تتواجد إلا في الغابات الطبيعية وتُختفي مُعظمها من الغابات الزراعية والأراضي الزراعية المفتوحة على حد سواء فيما تبقى الغابات الاستوائية الموطن الوحيد المناسب لآلاف الأنواع من الطيور.

المصدر: هنا