الهندسة والآليات > تكنولوجيا الفضاء

الطريق الطويل الى بلوتو

يصادف اليوم وصول مسبار الفضاء نيوهورايزون New Horizon إلى وجهته المنشودة وبهذا تسطر وكالة NASA إنجازاً جديداً في عالم الفضاء وتصل بذلك إلى نظام بعيد احتاج الوصول إليه عقداً من الزمن.
تبعث نيوهورايزن ومنذ عدة أشهر صوراً إلى الأرض لبلوتو لتبهر بها محبي الفضاء و التصوير على حدٍ سواء. اليوم أظهرت الصور بلوتو بحجم أكبر و أوضح، فكيف يا ترى وصلت تلك الصور إلينا اليوم ؟؟
لمعرفة المزيد عن هذا تابعونا في مقالنا التالي؟؟

صور تفاجئ معجبي بلوتو:

hr />


في هذه الأثناء تقترب مركبة نيوهورايزن كثيراً من وجهتها الأخيرة لتحط الرحال على هدفها المرجو في تمام الساعة السابعة وتسعةٍ وأربعين دقيقة حسب التوقيت الصيفي لشرقي الولايات المتحدة الامريكية، فمنذ عدة اشهر تقوم نيوهورايزن بحملات ملاحةٍ بصرية دورية، حيث يمكن بمساعدة هذه الحملات ومن خلال الصور الملتقطة للكوكب القزم بلوتو على فترات منتظمة لملاحي نيوهورايزن قياس و تحديد موقع بلوتو وأقماره تحديداً دقيقاً وذلك قياساً لمواقع النجوم الخلفية، إضافةً إلى تحديد موقع المركبة الفضائية. ولكن الغريب في الأمر أن وصول كافة البيانات والصور يستغرق أسبوعين أو أكثر!!!!

الزمن الذي يستغرقه إرسال البيانات:




إذاً لماذا يستغرق إرسال البيانات كل هذا الوقت؟ علماً أن أعداد الصور قد لا يتجاوز 10 صور *LORRI عالية الدقة يومياً.
الجواب القصير على هذا السؤال هو التالي: إن نظام بلوتو نظام بعيد - بعيدٌ جداً، أي يبعد أكثر من 30 ضعفاً المسافة الفاصلة بين الأرض و الشمس و بالتالي فإن إشارات الراديو التي ترسلها نيوهورايزن ضعيفة، والإشارة ضعيفة تعني معدلات بيانات منخفضة. ففي الوقت الحالي يمكن لنيوهورايزن نقل 1 كيلوبت في الثانية على الأكثر**.
ومع هذه المعدلات المنخفضة تستطيع أطباق " Deep Space Network" وحدها وبمساعدة أحجامها الكبيرة جداً و أطوالها التي تساوي 70 مترا أن تكشف الإشارة الضعيفة لنيوهورايزن



حجم البيانات في صورة واحدة من صور * LORRI:



كاشف LORRI عبارة عن 1024 1024xبكسل، وكما في العديد من كاميرات الفضاء يحول هذا الكاشف كل بكسل رقمياً إلى رقم مكون من 12 بت، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن العدد يتجاوز 12،000،000 بت، ولكن لحسن الحظ فإن صور LORRI قابلة للضغط بلا خسائر خصوصاً وأن هذه الصور تحتوي على مساحة سوداء كبيرة يمكن ضغطها لتصل إلى حوالي 2.5 ميغابت دون خسارة أي من التفاصيل.
وبالإمكان أيضاً جعلها أصغر من ذلك باستخدام ضغط JPEG، ولكن هذا الضغط سيفقد الصور دقتها العالية التي تعد عنصراً هاماً جداً من عناصر الملاحة البصرية .

بعض العمليات الحسابية :




هناك 2.5 ميغابت بسرعة 1 كيلوبت في الثانية وبالتالي تستغرق صورة LORRI واحدة 42 دقيقة لتعود إلى الأرض. علماً أن معظم دورات الاتصالات تستمر حوالي ثماني ساعات. فهذا يعني إرسال أحد عشر صورة في كل دورة اتصالات، وكل هذا باعتبار أن نيوهورايزن ترسل فقط بيانات LORRI وهو في الواقع أمر غير صحيح، فهناك أيضاً بيانات الأجهزة العلمية وبيانات التدبير الإداري لمركبات فضائية أخرى. و" Deep Space Network " لديها فقط ثلاثة أطباق بطول 70 متراً مما يزيد الضغط عليها، وبالتالي فإن نيوهورايزن تعد محظوظة لحصولها على جلسة اتصالات يومية، وكذلك بينما يتجه طبق نيوهورايزن نحو الأرض لن يتمكن من الاتجاه نحو أي اتجاه آخر بما في ذلك بلوتو. ولذا سيكون عليه أن يختار ما بين التواصل مع الأرض وتحديث البيانات.

هذا يعني أنه كلما كانت نيوهوراين في مرحلة تسجبل البيانات العلمية فإنها في المقابل تقوم بتكديس البيانات ومراكمتها لإرسالها في دورة الاتصالات التالية، ولكنها تفشل في ذلك لأن مدة الاتصال لا تكفي لكمية البيانات المتراكمة.

مضاعفة نقل البيانات:




تم إيجاد خدعة متقنة يمكن أن تضاعف تقريباً معدل نقل البيانات، و لكنها تأتي على حساب المعلومات الأنية.
حيث يشتمل نظام الراديو لنيوهورايزن على اثنين من مرسلات أنبوب الموجة المتنقلة TWTAs، تضخم TWTAs إشارات الراديو قبل إرسالها من طبق نيوهورايزن ذو الـ 2.1 متراً. وهناك اثنان من مرسلات TWTAs للاحتياط فإذا تعطل أحدهما فإن البعثة ستبقى قادرةً على إرجاع البيانات إلى الأرض، ولكن هذان المضخمان ليسا متطابقان تماماً. فواحد منهم ينقل الإشارات اللاسلكية باستخدام الاستقطاب الدائري مع قاعدة اليد اليسرى، والاّخر ينقلها باستخدام الاستقطاب الدائري مع قاعدة اليد اليمنى. تم تطوير هذا النظام وتشغيله بعد الإطلاق بوقت مبكر وعمل بشكل جيد جداً، لكن أجهزة البث تلك بحاجة ماسة لكميات كبيرة من الطاقة، وبسبب اضمحلال مصدر الطاقة النووية لنيوهورايزن منذ انطلاقها قبل ما يقرب من عقد من الزمان، فإنه لم يعد هناك ما يكفي من القوة لتشغيل كلا المضخمين في نفس الوقت إضافة إلى جميع النظم الفرعية الأخرى للمركبة الفضائية. فإذا كانوا يريدون مضاعفة معدل البيانات والحد من التراكم فإنهم بحاجة إلى إطفاء أحد الأجهزة الأخرى .لكن وبشكل مثير للدهشة، فإنه يمكن إيقاف نظام التوجيه والتحكم واستخدام القوة المحفوظة لتشغيل جهاز الإرسال الثاني.

التوجيه بثبات نحو الأرض ولكن مع نظام التوجيه مغلق:




وذلك عن طريق تحويل نيوهورايزن من مركبة فضائية ذات توجه ثابت في الفضاء إلى مركبة تدور، المركبات الفضائية التي تدور لديها وجهة إشارة مستقرة بشكل كبير. و لكن زيادة وإنقاص الدوران مكلف بعض الشيء من حيث استهلاك وقود الهيدرازين الثمين. لذلك فهم لا يريدون الانتقال من وضع المحاور الثلاثة إلى دوران مستقر أكثر من مرة. وايضاً لا يمكن التقاط صور من مركبة فضائية تدور (ليس باستخدام كاميرات نيوهورايزن على أية حال). ولكن الأمر يستحق صرف القليل من الهيدرازين وإيقاف التقاط الصور عدة مرات من أجل إيصال جميع البيانات إلى الأرض.




قضت نيوهورايزن فترات طويلة على طريق بلوتو دون أخذ أية بيانات مصورة خلال فترة دوران المركبة الفضائية وتوجيه الهوائي نحو الأرض، لتقوم لاحقاً خلال فترتين بالدوران المباشر بعد مناورات إطلاق صاروخ كان من شأنه ضبط مسار المركبة. حيث استمرت الفترة الأولى من 10 آذار حتى 4 نيسان، والثانية استمرت من 15 أيار حتى 27 أيار. وقد أفرغت نيوهورايزن ما لديها تماماً في كلتا المناسبتين، و أرسلته إلى الأرض قبل مرحلة المواجهة القريبة " near-encounter phase "، وقامت بذلك بتوفير مساحة للبيانات أكبر وأفضل. وعلى الرغم من أن المركبة كانت تدور فإن باقي الأجهزة كـSWAP استمرت في جمع البيانات.

تمكنت نيوهورايزن من استخدام وضع الاتصال بجهازي إرسال TWTA حتى بعد فترة طويلة من التحليق وستكون قادرة أيضا في حال بقاء المرسلات سليمة من إرسال كافة البيانات العلمية خلال سنة طور المواجهة القريبة "near-encounter phase" إلى الأرض. ولكن للأسف لن تكون قادرة على استخدام طريقة التواصل بمرسلي TWTA إلى الأبد. فإن الناتج من إمدادات الطاقة النووية سيصل الى نقطة أنه حتى حين تدور، فإن نيوهورايزن لن تمتلك ما يكفي من القوة لتشغيل كل أجهزة الإرسال في وقت واحد، وستضطر مرة أخرى لاستخدام مرسل واحد فقط في كل مرة، بعد عشرة أعوام من الطيران في الفضاء فإن نيوهورايزن وفريقها أعطوا العالم اليوم درساً في الصبر...

ما هي توقعاتكم بعد وصول المركبة اليوم إلى مبتغاها و كيف سيكون تأثير هذا على حياتنا فوق كوكب الأرض ؟

* LORRI: Long Range Reconnaissance Imager أو جهاز التصوير الاستطلاعي ذو المدى الطويل هي الكاميرا الأعلى دقة لمركبة نيوهورايزن
**ملاحظة: عادة ما تقاس اتصالات المركبة الفضائية بواحدة بت، وليس بايت

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ا
المراجع :

[1] Lakdawalla، E. (2015، January 30). Talking to Pluto is hard! Why it takes so long to get data back from New Horizons. Retrieved July 14، 2015، from
هنا