الفيزياء والفلك > علم الفلك

بحيرات غامضة على سطح القمر تيتان

القمر "تيتان" هو احد أقمار كوكب زحل والذي يعد موطناً لبحار وبحيرات مليئة بالهيدروكربونات السائلة، ولكن ما الذي سبب تشكل هذه المنخفضات على سطح تيتان ؟ تقترح دراسة جديدة استخدمت بيانات من المركبة الفضائية كاسيني Cassini المشتركة بين وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، أن تحلل سطح القمر ناجم عن عملية مشابهة لتلك المسببة لتشكل الأغوار والفجوات الصخرية على الأرض .

وباستثناء كوكب الأرض فإن القمر تيتان هو الجسم الوحيد في النظام الشمسي الذي نعرفه يمتلك بحار وبحيرات سطحية، وهو الأمر الذي رصدته مركبة كاسيني Cassini الفضائية.

ولكن وفي ظل درجات الحرارة المتجمدة لسطح تيتان (180 درجة مئوية دون الصفر) فإن الميثان والإيثان السائلين هما نظراء الماء الأرضي بالنسبة لتيتان.

حددت مركبة كاسيني شكلين للمنخفضات المليئة بالميثان والإيثان والتي لها سمات متميزة قرب قطبي تيتان. حيث هناك بحار شاسعة تمتد لمئات الكيلومترات عرضاً و بعمق يصل إلى عدة مئات من الأمتار، تغذيها تفرعات لقنوات تشبه الأنهار تصب بها.

وهناك أيضاً عدد كبير من البحيرات الأصغر و الأقل عمقاً بحافات مدورة وشديدة الانحدار و التي توجد بشكل عام في المناطق المستوية من القمر، كما رصدت كاسيني أيضاً العديد من المنخفضات والاغوار الفارغة.

البحيرات بشكل عام لا تكون متصلة بالأنهار بل تمتلىء بالسوائل نتيجة الهطولات المطرية إضافة للسوائل الجوفية. وبعض هذه البحيرات تمتلىء و تجف خلال دورة موسمية تستمر لـ 30 سنة على تيتان و زحل. لكن يبقى الشيء غير المفهوم هي الطريقة التي تشكلت بها المنخفضات التي تضم تلك البحيرات.

وللإجابة عن التساؤل السابق قام العلماء مؤخراً بالتركيز على نفس ظواهر تشكّل التضاريس السابقة ولكن ليس على تيتان بل على الأرض في محاولة لاكتشاف سبب نشوء هذه المنخفضات و وجدوا أن بحيرات تيتان تذكّرنا بما يعرف على الأرض بالتشكيلات الكارستية “Karstic” والتي هي عبارة عن تضاريس وبنى ناتجة عن التآكل الكيميائي للطبقات الصخرية القابلة للتحلل والذوبان كالتي تعرف مثلا بالصخور الكلسية والجبس، وذلك التآكل والذوبان قد يحدث بفعل المياه الجوفية أو مياه الأمطار المتسربة عبر الصخور حيث يؤدي ذلك مع مرور الزمن لتشكّل مجاري أو فجوات صخرية وكهوف في المناخات الرطبة وأحواض ملحية في المناخات الأكثر جفافاً.

إن معدّل التآكل والتعرية الذي يسبب مثل هذه التضاريس يعتمد على عوامل عدة مثل التركيب الكيميائي للصخور و معدل الهطول المطري و درجة حرارة السطح، ومع أن جميع هذه العوامل تختلف بشكل كبير بين الأرض وتيتان فإن العلماء يظنون أن نفس العملية و بشكل مثير للدهشة تجري في كلا المكانين.

فريق بقيادة توماس كورنيت thomas Cornet من وكالة الفضاء الأوروبية قام بحساب المدة التي تستغرقها صخور سطح تيتان حتى تتحلل وتعطينا هذه التضاريس وافترضوا أن السطح الأصلي كان مغطى بالمواد العضوية الصلبة و أن عامل التحلل الأساسي هو السوائل الهيدركربونية و أخذوا بعين الاعتبار حالة مناخ " تيتان " الحالية، فوجدوا أن الأمر يستغرق حوالي 50 مليون سنة لتشكيل منخفض بعمق 100 متر في المناطق القطبية من تيتان والتي تتميز نسبيا بكثرة الأمطار فيها.

يقول قائد الفريق :"لقد قمنا بمقارنة معدلات تآكل المواد العضوية في السوائل الهيدروكربونية في تيتان مع تلك المتعلقة بالمواد الكربونية والمواد غير العضوية المتبخرة في المياه السائلة على الأرض، ووجدنا أن عملية التحلل تستغرق على تيتان زمناً أطول بثلاثين مرة من نظيرتها على الأرض وهذا يعود إلى طول مدة سنة تيتان، كما أن الأمطار على ذلك القمر لا تهطل إلا ضمن فصل الصيف !

ومع ذلك لا زلنا نعتقد أن التحلل هو عامل أساسي في تشكيل تضاريس تيتان وأصل تشكّل البحيرات ".

إضافة لذلك قام العلماء بحساب المدة التي سيستغرقها تشكّل المنخفضات عند خطوط العرض المنخفضة بعيداً عن القطبين حيث تقل الهطولات المطرية وتوافقت النتيجة المتمثلة بـ 375 مليون سنة مع قلة المنخفضات في تلك المناطق الجغرافية .

يقول كورنيت :" طبعاً لدنيا بعض الشكوك: فتركيبة سطح تيتان ليست بذلك التماسك الجيد، وليست الهطولات المطرية بل حساباتنا هي التي تتوافق مع التضاريس التي نراها اليوم على سطح تيتان الموجود منذ مليار سنة فقط".

يقول نيكولاس آلتوبلي أحد علماء مشروع “كاسيني”:"بمقارنة الملامح الموجودة على سطح تيتان بنماذج أخرى على الأرض و بتطبيق بعض الحسابات البسيطة وجدنا تشابه في عمليات تشكّل التضاريس، وتلك العمليات يمكن أن تعمل وتُطبّق في ظل أنظمة مناخية وكيميائية مختلفة جدا "، ويضيف :"أنه درس "مقارنة" عظيم بين أرضنا وبين عالم يبعد عنا أكثر من مليار كيلومتر في النظام الشمسي الخارجي ".

المصدر:

هنا