التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

السلطانة هوريم من سوق العبيد إلى سُدَّة السلطنة

روكسلانا (1510- 1558) الزّوجة الشّرعية الوحيدة للسّلطان العثمانيّ سليمان القانونيّ:

تَذكر المصادر البولنديّة أنّها كانت تُدعى (ألكساندرا ليسوسكا)، أمّا في التّراث الأوكرانيّ فقد دُعيَتْ (أستانسيا). لكنها عُرِفَتْ بـ(هوريم) أي المبتهجة، وهو الاسم الذي أُطلق عليها في قصر السّلطان. وقد عُرفَتْ بـ(روكسلانا) في اللغات الأوروبية (نسبة إلى روثينيا) وقد كانت أحيانًا تُدعى بـ(كريمة) في البلاد العربية.

ولدت هوريم في (روهاتين/روثينيا) في جزء من المملكة البولنديّة (في غرب أوكرانيا اليوم)؛ وذلك وفقًا لمصادر تعود إلى نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر. وكانت ابنة قس أرثوذوكسي، ثم أُسِرَت من قِبل تتار القرم في إحدى غاراتهم ونُقلَتْ إلى مدينة كافا في القرم التي كانت تُعدُّ مركزًا رئيسًا لتجارة العبيد، ثمّ نُقلَت إلى استانبول؛ إذ اختيرَت لتكون جاريةً في حرملك قصر السّلطان.

التقى السلطان سليمان بـ(هوريم) في العام نفسه الذي وصل فيه إلى العرش، وسرعان ما أصبحت إحدى مفضَّلاته، وأنجب منها بعد عام ابنهما الأول الأمير محمد (شهزاده محمد)، وأصبحت تُلقّب بـ هوريم هاسيكي (أي أم الأمير)، وبعد محمد ولدت هوريم: سليم، وبيازيد، وسيهانغير وأخيرًا ميهروماه، وهي ابنتهما الوحيدة التي تزوَّجت لاحقًا برستم باشا.

وقد كان محمد الابن المُفضَّل للسلطان، ولكنه تُوفي شابًّا بالطّاعون؛ الأمر الذي دفع السلطان إلى بناء مسجد باسمه في إستانبول تكريمًا له.

سبّب حُبُّ السّلطان لها عداءَ باقي الجواري وغيرتهنّ -أبرزهن ماهدوران وهي والدة ولي العهد حينها الأمير مصطفى- وقد حدث تشابك بالأيدي بين الاثنتين أدّى إلى نفي ماهدوران مع ابنها إلى مانيسا.

ثم تُوفيَتْ "حفصة" والدة السّلطان لتجعل من هوريم المرأة الوحيدة التي تتمتّع بالسُّلطة في القصر والمفضَّلة عند السّلطان دون منافسة.

بعد ذلك عدّة سنوات؛ أمر السّلطان بإعدام الوزير الأعظم "إبراهيم باشا" ومن ثم ابنه مصطفى، ويَعتقد المؤرخون أنَّ لهوريم وصهرها "رستم باشا" يدًا في تشجيع السّلطان لإعدامه؛ إذ إنّه امتنع عن ذكر السّبب الذي أودى بحياة ابنه ووزيره بهذه النّهاية.

أصبح تأثير هوريم على السّلطان أسطوريًّا، فقد أعتقها (إذ لم تعد جارية) وتزوّجها فيما يُعَدُّ خرقًا صارخًا للتّقاليد العثمانيّة وقوانينها؛ الأمر الذي زاد من سلطتها وصلاحيّاتها في القصر فمكّنها ذلك من إقناع السّلطان تدريجيًّا بتنصيب ابنها سليم وليًّا للعهد.

فكانت تتدخّل في شؤون الدّولة وكان لها أثر في السّياسات الدوليّة؛ إذ حُفِظت رسالتين من رسائلها إلى الملك البولنديّ (سيجيسموند الثاني أغوسطوس) فقد عَرفت الدّولة العثمانيّة علاقاتٍ سليمة مع الدّولة البولنديّة في أثناء فترة وجودها.

وقد كان لها يدٌ في تشييد العديد من المباني العامّة من مكّة إلى القدس، إضافة إلى اهتماماتها السّياسيّة.

ومن أوائل المؤسّسات التي شَيَّدتْها: مسجد ومدرستين قرآنيتين وسبيل وتكية، ثم مشفى للنّساء قرب سوق نخاسة النّساء في إستانبول، وقد تكلّفت بناءَ حمّام (حمّام السّلطانة هوريم هاسكي) قُرب مسجد آية صوفيا، وكانت تهتمّ بالتّطريز أيضًا، وقد حُفِظَ على بعضٍ من أعمالها في التّطريز (أو على الأعمال التي نُفِّذََت بإشرافها)، ومنها عام 1547 أرسلتها لطهماز الأول شاه إيران، وأخرى عام 1549 لملك بولندا سيجيسموند أوغوسطوس.

تُوفِّيَتْ هوريم في 18 نيسان(أبريل) 1558 ودُفِنَتْ في ضريح داخل جامع السّليمانيّة الذي صَمَّمَه المعماريّ الشّهير "سنان"، ثم تُوفِيّ السّلطان بعدها بـ 8 سنوات، وكان قد طلب أنْ يُدْفَن بالقرب من ضريح زوجته.

لا تزال هوريم -أو روكسلانا كما تُعرَف في أوروبا- معروفة في كلٍّ من تركيا و الغرب، إذ إنّها كانت موضوعًا للعديد من الأعمال الفنية، فقد أَلْهمتْ قصّة حياتها المميّزة العديدَ من الفنّانين ليجسّدوها إمّا بلوحاتٍ وإما بأعمالٍ موسيقية بمن فيهم جوزيف هايدن السّيمفونيّة 63، وأوبرا لدينيس سيكينسكي، وعرض باليه، ومسرحيّات، إضافة إلى العديد من الرّوايات باللغة الأوكرانيّة على نحو أساسيّ وباللغات الإنجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة.

وفي عام 2007 شُيِّد مسجد على شرفها في مدينة ماروبول في أوكرانيا.

المصادر:

هنا

هنا