الفنون البصرية > فن المسرح

شمس المسرح تَشرُق للمرّة الأولى

بدأ الإغريق يشقّون طريقهم في صفحات التّأريخ في عام 700 قبل الميلاد، إلّا أنّ صيت المسرح الإغريقيّ بدأ يذيع بعد ما يزيد عن ستّة قرونٍ، وذلك عام 5 قبل الميلاد في مدينة أثينا. عندها بدأت الدراما اليونانيّة كطقوسٍ دينيّةٍ تُقام لعبادة الإله Dionysus دينيسيوس (إله الخمر والحصاد)، من خلال احتفالٍ سنويٍّ يُقام لتمجيدها، مع وصلات رقصٍ وغناءٍ وحوارٍ مُوحَّد الوجهة بين الكورس والإلهة كنوعٍ من الطّقوس التّعبُّديّة. تألّف الكورس من مجموعة أشخاصٍ يقومون بالحوار والرّدّ عليه، فكانت حركتهم يميناً ثمّ يساراً إلى أن تنتهي المسرحيّة، ثمّ يتوجّهون إلى منتصف المسرح لصنع الخاتمة.

ومع مرور الوقت أصبح المسرح تقليداً سنويّاً، يُطالَب الكاتب من خلاله بتقديم ثلاث تراجيديّاتٍ.

في ذلك الوقت، لم تكن التراجيديا والكوميديا جنسَين أدبيّين منفصلين فحسب، بل كانت التراجيديا أرفع مرتبةً من الكوميديا. واستخدم اليونانيّون الأقنعة للتّمييز بين الجنسين. فكان القناع الباكي والّذي يرمز للإلهة Melpomene يعبّر عن التراجيديا. بينما يرمز القناع الضّاحك للإلهة Thalia -إلهة الإلهام والإبداع عند اليونانيّين القدامى. وكان حضور الأعمال المسرحيّة نوعاً من الواجب الدّينيّ الّذي حُرِّم على النّساء.

وبما أنّ المسرح كان يُقام تحت الإطار التّنافسيّ للفوز بالجوائز، فهذا ما جعله -ومع مرور الوقت- يأخذ الطّابع المهنيّ بدلاً من الطّابع الدّينيّ، وذلك بسبب الاهتمام بالمال، حيث كانت الجوائز هي الأضحية الّتي تُقدَّم للإله Dionysus دينيسويس، ثمّ تطوّرت إلى مبلغٍ ماليٍّ.

كانت بداية المسرح تتضمّن الكورس فقط، إلى أن أضاف الشّاعر Thespis عنصراً جديداً، ألا وهو الممثّل. وبذلك حطّم علاقة الكورس بالآلهة، وأوجد الحوار، فأصبح من الممكن إيجاد حوارٍ بين الكورس والممثّل، كما أصبح من الممكن استخدامُ الممثّل الشِّعرَ عوضاً عن الغناء.

وفي عام 471 قبل الميلاد أدخل Aeschylus الممثّلَ الثاني ليصبح بالإمكان إيجاد حوارٍ بين الممثّلين على خشبة المسرح.

ثمّ أتى Sophocles في عام 468 قبل الميلاد، وأوجد الممثّل الثّالث، مما جعل المسرح أكثر تعقيداً.

ولمّا كان الكورس هو صوت المجتمع، فقد ترتّبت عليه عدّة وظائف. فكانت وظيفته إعطاء الخلفيّة ومعلوماتٍ عن المسرحيّة، لمساعدة المشاهد على فهم ومتابعة الأحداث. وكان عاملاً لتكثيف الانفعالات وإنشاء حالةٍ غنائيّةٍ من خلال الرّقص والإيقاع. كما كان عاملاً للتّأكيد على الفحوى الطّقوسيّة والاحتفاليّة للمسرحيّة.

عندما انهزمت أثينا في حرب البيلونيسيه، وعلى الرّغم من فقدان المسرح حيويّتَه في تلك الفترة، إلّا أنّه قد واصل في الفترة الهلنستيّة -فترة مابعد فتوحات الاسكندر العظيم في القرن الرابع قبل الميلاد-

التراجيديا وفقاً لكتاب أرسطو (فنّ الشعر)، الّذي كان ممّا أتى فيه: "التراجيديا هي عمليّة محاكاةٍ للواقع".

فالكاتب التراجيديّ لا يكتب الحقيقة، بل يحاكي الواقع. أمّا الحقيقة فتُكشَف. وهي عمليّةٌ من الأحداث المتسلسِلة الّتي تثير الشّفقة والخوف. الشّفقة على البطل والخوف من خوض تجربةٍ كتجربته المؤلِمة. كما أنّ التراجيديا عمليّة جذبٍ تعتمد طريق الإقناع. فالأحداث فيها تترابط مع بعضها البعض بشكلٍ منطقيٍّ، وتترابط أيضاً مع الشّخصيّات عن طريق وضعها بالأماكن المناسبة، مستخدِمةً اللّغة المناسبة. فكلّ شخصيّةٍ تستخدم لغةً تتناسب مع موقعها في المسرحيّة، وفق تمثيلٍ يعتمد على الأداء الدراميّ وليس على الرّاوي. وأيضاً هي عمليّة تطهيرٍ، فالتراجيديا تحفّز مشاعر الخوف والشّفقة وفي نهاية المسرحيّة تقوم بتطهير المشاهد ليعود إلى طبيعته.

المصادر:

هنا

هنا