الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

دراسة حديثة تكشف دور الأنهار في تنظيم دورة الكربون العالمية

يدأب البشر المهتمون بقضايا التغير المناخي على إيجاد طرق لالتقاط ثاني أوكسيد الكربون من الجو وعزله في الأرض. لكن الطبيعة تفاجئنا بأسلوبها في نقل وتخزين الكربون على المدى البعيد مستخدمة في ذلك الأنظمة النهرية العالمية، والتي تتكفل بنقل كلٍّ من المواد العضوية المتفككة والصخور التي تم حتها من اليابسة إلى المحيطات والبحار.

وعلى الرغم من أن كميات الكربون المنقولة عبر الأنهار إلى البحار والمحيطات ليست بالمستوى الذي يسمح للإنسان بتجاهل مسؤوليته عن مشكلة تراكم الكربون في الجو، لكن هذه الكمية المنقولة فعلياً عبر النظام النهري العالمي ليست معلومة تماماً رغم كونها جزءاً شديد الأهمية من دورة الكربون في الطبيعة.

تضمنت دراسة صدرت في 14 أيار في مجلة Nature قام بها باحثون من WHOI* أول تقدير مباشر لكمية وشكل الكربون العضوي الذي يتم نقله إلى المحيطات بواسطة الأنهار، وسيساعد هذا التقدير المنمذجين على التنبؤ بالتغيرات الحاصلة في كميات الكربون العالمي المنقولة عبر الأنهار نتيجة التغيرات المناخية الأرضية.

يقول المؤلف الرئيسي للدراسة الجيوكيميائي فاليير غالي (Valier Galy) : "تلعب الأنهار بالنسبة للأرض دور الأوعية الدموية فهي تنقل الكربون من الأرض إلى المحيطات وتساعد في تقليل الكمية العائدة منه بشكل غازات تنطلق إلى الجو لتسبب الاحتباس الحراري. ويكون جزء من ذلك الكربون (الكربون الجديد) بشكل مواد تنتج عن تحلل النباتات وأجزاء التربة التي يتم غسلها ضمن النهر ثم تخرج منه إلى البحر، أما البعض الآخر (الكربون القديم) فيكون بشكل كربون مخزن في الطبيعة بهيئة صخور تقوم بحتها قوى الطبيعة والنهر".

حصل العلماء على البيانات الكمية للرسوبيات المنقولة في 43 نظاماً نهرياً في جميع أنحاء العالم وهي مسؤولة عن نحو 20% من كمية الرسوبيات التي يتم نقلها بواسطة الأنهار. وراعت الدراسة اختيار الأنهار من حيث تنوع الظروف المناخية والغطاء النباتي والظروف الجيولوجية ومستويات التأثر بالنشاطات البشرية.

حسب العلماء كمية جزيئات النباتات والصخور المحطمة الحاوية على الكربون التي ينقلها النهر، ووجدوا أن أنهار العالم تنقل نحو 200 مليون طن سنوياً من الكربون إلى المحيطات، وهو ما يعادل نحو 0.2% من كمية

الكربون الموجود في الجو. ورغم أن هذا الرقم يبدو ضئيلاً، لكنه يتراكم خلال 1000 إلى 10000 سنة ليشكل نسبة 20 إلى 200% من الكربون يتم فصله عن الغلاف الجوي.

تقوم النباتات بتحويل ثاني أوكسيد الكربون في الجو إلى كربون عضوي بواسطة التركيب الضوئي. لكن يعود معظم هذا الكربون إلى الجو مجدداً مع تحلل أجسام النباتات أو الحيوانات التي تأكلها. وينتهي جزء صغير من هذا الكربون في الأنهار ليتم نقله إلى البحار حيث يترسب بعضه في قاع البحر ويدفن وينفصل عن الغلاف الجوي لملايين السنين وربما يعود لاحقاً إلى السطح على هيئة صخور.

تقوم الأنهار في ذات الوقت بحت الصخور الحاوية على الكربون إلى جزيئات تجرفُ نحو الجزء السفلي من النهر. فيتعرض الكربون بواسطة هذه العملية للهواء ليتأكسد الى ثاني اوكسيد الكربون، والذي قد يتسرب الى الهواء مجدداً، ولم يتمكن العلماء حتى الآن من تمييز فيما إذا كانت كمية الكربون التي تطلق بهذه العملية من مصادر عضوية أو متحجرة، مما تسبب في تحجيم القدرة على نمذجة أو تقدير الكربون المنفصل في مختلف الظروف السابقة.

لحل هذه المعضلة وجد العلماء أسلوباً مبتكراً للتمييز بين مصادر الكربون المتنوعة (إما من الصخور المتآكلة أو من النباتات المتحللة والتربة)، فقاموا بتحليل كميات "نظير الكربون -14 المشع" في الجزيئات المحمولة بالنهر، ولكونه يحتاج 60000 سنة لكي يتحلل فلا يمكن له أن يكون موجوداً في الصخور، وإنما فقط في الجزيئات القادمة من مصدر عضوي. لذلك فبطرح كمية الجزيئات التي لا تحوي نظير "الكربون -14"، توصل العلماء لنتيجة مفادها أن نسبة الكربون الذي يتم أخذه من المحيط الحيوي الأرضي تبلغ 80% من الكربون المنقول نهرياً.

وعلى الرغم من أن الكربون ذو الأصل العضوي يشكل الجزء الأكبر من الكربون المنقول نهرياً وجد العلماء أن الأنهار المحاطة بكميات أكبر من النباتات لم تحمل بالضرورة كميات كبيرة من الكربون العضوي الى المحيط، بل كانت هذه الكمية متعلقة بشكل أكبر بقدرة النهر على التحريك والنقل. ويعتبر الحت العامل الرئيس فبزيادته تزداد كمية الكربون المنقول إلى البحر والمفصول عن الغلاف الجوي.

وكتب العلماء في دورية nature: "يشكل الغلاف الجوي خزانا صغيراً للكربون مقارنة بالصخور والتربة والغلاف الحيوي والمحيطات لذلك فهو حساس للتغيرات الضئيلة في تدفقات الكربون بينه وبين هذه الخزانات الضخمة".

وتعطي هذه الدراسة العلماء قدرة أكبر على قياس الدور المهم والمؤثر للأنهار عالمياً على دورة الكربون وتحسن قدرتهم على التنبؤ بالتغيرات الحاصلة في معدل نقل الكربون النهري نتيجة للتغيرات المناخية الأرضية. كما أنها توفر للمنمذجين الجيوكيميائيين رؤية جديدة للعلاقة الهامة بين الكربون العالمي والدورات المائية.

* WHOI : Woods Hole Oceanographic Institution هي منظمة خاصة غير ربحية في كيب كود بولاية ماساشوستس الأمريكية مكرسة للأبحاث البحرية والهندسة والتعليم العالي. تختص بدراسة المحيطات وتفاعلها مع الأرض بشكل عام والوصول إلى فهم عالمي مشترك لدور المحيطات في البيئة العالميةwww.whoi.edu

المصدر:

هنا