البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

لقاح السرطان: الأماني التي تحققت.

الجزء الثاني: العلماء يتحدون السرطان.

مرت عقود من الأبحاث والدراسات لتطوير علاجاتٍ للسرطان، أثمرت عن عدة أنواع من العلاجات، إلا أنَّ القليل منها استطاع أن يثبت نجاحاً في العلاج الكامل. فالعلاجات التقليدية الكيمياوية والإشعاعية تتميز بتأثيرها السُّمي على الخلايا كافة، فلا تميز ما بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة، بل تقتل "الأخضر واليابس"، مما يسبب العديد من الآثار الجانبية التي يعاني منها المريض. ومن هنا بدأ التفكير بعلاجاتٍ أكثرَ ذكاءً وتخصصا ً، تكون قادرةً على التمييزِ ما بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة.

فبدأ التوجه نحو تطويرِ علاجاتٍ تدعَم وتتعاون مع الجهاز المناعي للوقاية من الإصابة بالسرطان أو لتساعده في الكشفِ عن الخلايا السرطانية، وتم تصنيفها صيدلانياً ضمن مجموعة اللقاحات وذلك لتشابهها بمبدأ اللقاحات الذي ذكرناه في الجزء الأول.

تم تقسيم أنواع لقاحات السرطان إلى مجموعتين أساسيتين:

الأولى مَعنِيّة بالوقاية من السرطان (Prophylactic) إذ يتم حقنها في الجسم كباقي اللقاحات المعروفة كإجراء وقائي. أما الثانية فهي لا تقي من السرطان، إنما تُحقن في المريض بعد إصابته بالسرطان، لتُعالج الأورام الموجودة في المريض، فهي بالتالي تُصنًّف على أنها لقاحات علاجية (Therapeutic).

تعمل لقاحات السرطان الوقائية تماماً بنفس الطريقة التي تعمل بها اللقاحات المعروفة. فقد أثبتت الأبحاث أنَّ بعض أنواع السرطان تنجم عن الإصابة بأنواع معينة من الميكروبات. لذلك، فإنَّ تطوير لقاح ضد هذه الميكروبات، سيعني حتماً تطوير لقاح ضد السرطان المتوقع حدوثه جراء الإصابة بها. من أهم الأمثلة على لقاحات السرطان الوقائية والتي نجحت وتم ترخيصها من قبل الجهات المعنية هي لقاح سرطان عنق الرحم Cervix Cancer ولقاح سَرَطانَة الخلية الكبدية Hepatocellular Carcinoma. إذ تبين أن حوالي 70% من الإصابات بسرطان عنق الرحم كانت نتيجة للإصابة بفيروس يدعى بالفيروس الحُلَيْمِيّ البَشَرِي Human Papilloma Virus (HPV)، وأن ما بين 20% إلى 60% من الإصابات بسرطانة الخلية الكبدية كانت ناتجة عن الإصابة بفيروس التهاب الكبد البائي Hepatitis B Virus.

تم ترخيص لقاحَين لسرطان عنق الرحم وهما Gardsil® والمُنتَج من قِبَل شركة Merck & Company، والآخر Cevarix® والمنتج من قبل شركة GlaxoSmithKline. أما بالنسبة للقاح سرطانة الخلية الكبدية، فهو ليس بجديد وله عدة أنواع، ولابد أننا كلنا قد تلقينا جرعة من منه في مرحلة ما من حياتنا. أحد أبرز أنواعه التي تُباع تجارياً هو المعروف باسم Engerix-B®، من إنتاج شركة GlaxoSmithKline Biologicals.

أما عن اللقاحات العلاجية، فتصنيعها يختلف عن تصنيع اللقاحات الوقائية. فكما ذكرنا آنفاً، الخلية السرطانية تحمل مستضدات أصيلة مما يساعدها في مراوغة الجهاز المناعي، وبالتالي فإنَّ حقنها في الجسم لن يؤدي إلى استجابة مناعية. لذلك، فقد وجب دراسة الخلايا السرطانية بشكلٍ معمقٍ أكثر للكشف عن مستضدات تتميز بها الخلايا السرطانية دوناً عن غيرها من الخلايا السليمة. ومن هذه النقطة، برز أول نجاح للقاح علاجيّ للسرطان، وهو ذلك الموجّه لعلاج سرطان البروستاتا الاجتياحي (النّقيليّ) Metastatic Prostate Cancer، والذي تنتجه شركة Dendreon، والمسمى تجارياً باسم Provenge®. فقد تبين أن هذه الخلايا السرطانية بالتحديد تحمل مستضداتٍ خاصة بها لم يكن الجهاز المناعي قادر على كشفها. وقد تبين كذلك أن مستضدات خلية سرطان البروستاتا تختلف من مريض لآخر، مما يستوجب تصنيع جرعة اللقاح بشكل شخصي Personalized لكل مريض على حدة. فيتم سحب عينة من الخلايا السرطانية من كل مريض، وإرسالها للمختبر المنتج للقاح. وهناك، تخضع كل عينة للخلايا السرطانية لعمليات مخبرية خاصة، ينتج عنها لقاح شخصيّ أنتجت باسم المريض المعني. ومن ثم، يتم شحن جرعة اللقاح للمركز الطبي لتُحقَن في المريض صاحب العينة التي أنتج منها اللقاح.

حتى اليوم، فهذا هو اللقاح العلاجي الوحيد الذي تم ترخيصه، إلا أنَّ مراكز الأبحاث مازالت تعمل على العديد من اللقاحات العلاجية لعدة أنواع من السرطانات، والتي يتوقع منها أن تسجل نجاحاتٍ جديدة. فلقاحات السرطان العلاجية ليست مقتصرة على حقن مستضدات الخلية السرطانية فحسب، فهناك أنواع أخرى مازالت قيد الدراسات تعتمد على تقنية إيصال مستضداتٍ خاصة إلى الخلية السرطانية، وأخرى تعتمد على إيصال الـ DNA لمستضد معين إلى الخلية السرطانية، وغيرها يعتمد على استهداف الخلايا المتغصنة Dendritic cells والتي هي أحد الخلايا المناعية الهامة والتي تساعد في إحداث رد الفعل المناعي المطلوب تجاه الخلايا السرطانية.

دراسات كثيرة ومتنوعة تتطور باستمرار لتجد الحل الأمثل للسرطان ولكثير من الأمراض غيره , فلا شيء مستحيل أمام العلم ..

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا