الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

نقاط الضعف في الاقتصادات الناشئة

الدول الناشئة هي دول ذات اقتصادات يتراوح نصيب أفرادها من الدخل بين المنخفض والمتوسط، وتشكل هذه الدول ما يقارب 80% من سكان العالم، بينما تمثل اقتصاداتها 20% من اقتصادات العالم. يعتبر تعريف الدول الناشئة هذا تعريفا فضفاضا حيث أنه يشمل دولا ضخمة ودولا أخرى صغيرة في الحجم، لكن هذه الدول تعتبر من الدول الناشئة نظرا لاعتمادها للسياسات التطويرية والإصلاحية على المدى الطويل. تتميز اقتصادات الدول الناشئة بكونها اقتصادات انتقالية، حيث أنها في مرحلة الانتقال من مرحلة الانغلاق الاقتصادي، إلى مرحلة الانفتاح على الاقتصاد العالمي، كما أنها تتميز بكثرة الاستمارات المباشرة والغير المباشرة والتي تدل على قدرة اقتصادها على اكتساب ثقة المستثمرين المحليين والعالميين على حد سواء.

لكن الكثير من الاقتصادات الناشئة الكبيرة تواجه تحديا فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي الكلي، حيث تتأثر اقتصاداتها بشدة بالأحداث الخارجية وذلك كونها تتوجه نحو التحول إلى الانفتاح الاقتصادي. هذا وعلى الرغم من التوقعات بحدوث انتعاش ونمو اقتصادي مجددا في عامي 2015 و 2016 لمعظم الاقتصادات الناشئة -من ضمنها البرازيل، الهند، اندونيسيا، المكسيك، روسيا الاتحادية، جنوب أفريقيا، وتركيا، إضافة إلى نمو طفيف في الاقتصاد الصيني- فإن هناك مخاطر عالية من حصول المزيد من التباطؤ في النمو الاقتصادي أو استمرار النمو الاقتصادي الضعيف لفترة طويلة من الزمن.

فحدوث أي تباطؤ أو انكماش اقتصادي واسع النطاق في الصين، لن يؤثر فقط على نمو اقتصادات البلدان النامية الصغيرة، لكنه قد يؤدي إلى عرقلة الانتعاش الاقتصادي في الدول المتقدمة، كدول اليورو التي تحاول الخروج من مأزقها المالي بصعوبة. وهذا ما يجعل من تصنيف الصين كواحدة من الدول الناشئة سببا للكثير من التساؤلات، فعلى الرغم من كونها واحدة من أهم القوى الاقتصادية العالمية ذات الوزن العالمي، إلا أنها لا تزال مصنفة مع دول أخرى تعتبر اقتصاداتها أصغر بكثير من اقتصاد الصين، كتونس على سبيل المثال.

إن الخطر الرئيسي الذي يواجهه العديد من الاقتصادات الناشئة اليوم يعود إلى المخاوف من احتمالية حدوث ردات فعل سلبية بسبب ضعف نشاط القطاع الاقتصادي الحقيقي، وتراجع تدفق رؤوس المال الاستثمارية، إضافة إلى صعوبة الأوضاع المالية المحلية وذلك نظرا لتوقع ارتفاع في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية. فالاضطرابات المالية التي واجهتها بعض الدول في منتصف 2013 وأوائل 2014 أظهرت مدى تأثر اقتصادات الدول الناشئة بردود الفعل السلبية، كما أنها أكدت على دور المعضلات السياسية في هذه الاضطرابات. هذا ولم يقف المستثمرون حول العالم مكتوفي الأيدي في خضم هذه الأحداث، بل قاموا بإعادة هيكلة محافظهم الاستثمارية في ظل مخاوفهم من تغيير السياسات المالية الفيدرالية (السياسة النقدية المتشددة في الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورا كبيرا في الاضطرابات في منتصف العام 2013 ) وارتفاع المخاوف والشكوك بشأن النمو الاقتصادي العالمي، إضافة إلى المخاطر الخاصة بكل بلد كتدهور الوضع الجيوسياسي في أوكرانيا.

أدى هذا إلى تقلبات قوية في المحافظ الاستثمارية، إضافة إلى تراجع كبير في قيمة عملات الاقتصادات الناشئة، تحديدا تلك التي بحاجة كبيرة إلى تمويلات خارجية والتي تعاني من اختلالات في اقتصادها الكلي، مثل البرازيل، إندونيسيا، جنوب أفريقيا وتركيا. وقد أدى التراجع في قيمة العملات وقيمة الأصول المحلية في هذه الدول إلى قيام مصارفها المركزية برفع سعر الفائدة رغم التباطؤ الاقتصادي مما كان سببا في المزيد من التباطوء في قطاع الاقتصاد الحقيقي رغم تحقيق استقرار نسبي في الأسواق المالية.

وفي إشارة أخرى فيما يتعلق بتوقعات النمو للعام 2014، فقد أصاب بعض الاقتصادات الناشئة (البرازيل، وجنوب أفريقيا، وتركيا ) انخفاض حاد في النمو، بينما حصل انخفاض طفيف في إندونيسيا.

ثم ذكر التقرير أن هناك العديد من العوامل التي كان لها تأثير سلبي على اقتصاد الدول الناشئة خلال السنة الماضية كان من أهمها: التوترات السياسية (خصوصا الصراع بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا)، ضعف الأداء الاقتصادي للدول المتقدمة، إضافة إلى تباطوء أداء الاقتصاد الصيني إلى حد الإعتدال.

و على عكس توقعات المحللين في بداية العام، فقد حقق معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة 18 دولة من الدول الناشئة مزيدا من الانخفاض مقارنة بالسنة السابقة حيث انخفض في عام 2014 ليصبح 4.1% بعد أن كان 4.7% عام 2013 (الدول هي: الأرجنتين، البرازيل، تشيلي، الصين، كولومبيا، الهند، اندونيسيا، ماليزيا، المكسيك، بيرو، الفلبين، بولندا، روسيا الاتحادية، وجنوب أفريقيا، تايلاند، تركيا، أوكرانيا وفنزويلا). ومما يثير القلق هو أن نسبة النمو الحالية أقل من نصف نسبة النمو المسجلة في الفترة مابين 2004 – 2007، حيث سجلت هذه الدول في تلك الفترة معدل نمو وقدره 8.5%.

ومن الجدير بالملاحظة هو أنه عندما يتم استبعاد الصين، فإن تباطؤ معدل النمو يكون أكثر وضوحا، مما يشير إلى ضخامة حجم الركود الأخير. إن معدل النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة عند استبعاد الصين في عام 2014 هو فقط 2.3%، مقارنة بـ 6.5% في الفترة 2004-2007. وقد أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن معظم التراجع في الاقتصادات الناشئة خارج المنطقة الآسيوية ناجم عن ضعف النمو الاستثماري وضعف عوامل الانتاج الكلية ( الإنتاجية هي عبارة عن العلاقة بين المخرجات والمدخلات في عملية الانتاج، وطبيعة العلاقة بين متغيرات الانتاج هي التي تحكم على كفاءة الانتاج من عدمه. أما ما يخص عوامل الانتاج الكلية فإن هذا المصطلح يطلق على الكفاءة الانتاجية عندما تكون العلاقة بين المخرجات وكافة عناصر المدخلات).

فالاستثمار في الأصول الثابتة تراجع كثيرا منذ العام 2011 في كثير من بلدان العالم حتى مع بقاء الأوضاع المالية العالمية والروط الاستثمارية حرة إلى درجة كبيرة. ونتيجة لهذا التراجع، فقد كانت مساهمات الاستثمار الثابت الإجمالي في نمو الناتج المحلي الإجمالي في معظم الاقتصادات الناشئة خارج آسيا منخفضة، أو سلبية في العامين الماضيين.

كما بقيت نسبة الاستثمار (عموما) إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 20% في اقتصادات دول متعددة مثل الارجنتين، البرازيل، جنوب أفريقيا، وتركيا. هذا وانخفض النمو في إنتاجية إجمالي عوامل الإنتاج إلى أدنى مستوى له خلال عقدين من الزمن في عام 2013، مما يشير إلى زيادة التحديات التي تواجه الاقتصادات الناشئة في سبيل رفع درجة الكفاءة واحراز تقدم تكنولوجي.

ومن المرجح أن تشهد الأسواق الناشئة تشديدا في أوضاعها المالية خلال الفترة القادمة نظرا للتوقعات بحصول تغييرات في السياسة النقدية للولايات المتحدة الأمريكية. وهذا قد يؤدي إلى المزيد من الضعف في نمو الاقتصاد الحقيقي، لاسيما فيما يتعلق بالقطاع الخاص، خصوصا مع غياب المحفزات للقيام بإصلاحات. لكن السؤال الرئيسي فيما يخص الوضع الراهن، هو لأي درجة سيكون تأثير الزيادة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على تكلفة الاقتراض في الدول الناشئة.

أما من ناحية أخرى فقد سجلت العديد من الاقتصادات الناشئة نموا في حركة الاقتراض خصوصا من قبل الأسر والقطاع الخاص، في المقابل بقي الاستثمار في الأصول الثابتة وامتلاكها منخفضا في السنوات الأخيرة. وقد سجلت ديون قطاع الشركات حصة مرتفعة من إجمالي الناتج المحلي في بعض بلدان شرق آسيا سريعة النمو (مثل الصين وماليزيا) ، كما سجلت ديون الشركات حصة مرتفعة أيضا في العديد من الاقتصادات الأقل ديناميكية (مثل البرازيل، جنوب أفريقيا، روسيا الاتحادية، وتركيا). لكن الدلائل الأولية تشير إلى أن جزءا من هذه القروض يتم استخدامها في عمليات المضاربة، ويتضح ذلك من زيادة حجم ما تحوزه الشركات من سيولة نقدية.

ثم يؤكد التقرير حقيقة أن رفع أسعار الفائدة المترافق مع ضعف الأرباح الناجمة عن ضعف وتباطؤ النمو الاقتصادي يمكن أن يشكل ضغطا كبيرا على الميزانية العمومية للشركات. كما أن ارتفاع حجم الدين المتسارع في الصين يحمل في طياته الكثير من المخاطر على الرغم من أن معظم هذه الديون ديون داخلية، وعلى الرغم من كون الصين معزولة جزئيا عن التغييرات في الأوضاع المالية العالمية.

في المقابل فإن استمرار العجز الكبير في الحساب الجاري لعدد من اقتصادات الدول الناشئة (البرازيل، كولومبيا، اندونيسيا، بيرو، جنوب أفريقيا، وتركيا) يشكل عامل خطر اضافي. فبناء على التوقعات الأخيرة فإنه من المتوقع أن يكون العجز في الحساب الجاري للعام 2014 3.5% في البرازيل واندونيسيا، 4% في كولومبيا، 5% في البيرو، وما يقارب الـ 6% في كل من جنوب أفريقيا وتركيا.

يختتم التقرير كلامه عن نقاط الضعف في الاقتصادات الناشئة بتأكيد أن الاقتصادات ذات الأسس الاقتصادية الضعيفة وأسواق رأس المال الكبيرة تبدو أكثر عرضة لتشديد شروط التمويل العالمية إضافة إلى المزيد من إعادة توزيع وتخصيص المحافظ الاستثمارية.

ختاما، على الرغم من النظرة المشرقة التي تظهر بها هذه الاقتصادات الناشئة، إلا أن على هذه الدول الأخذ بعين الاعتبار المخاطر الناجمة عن الانفتاح الاقتصادي، كما يتوجب على المستثمرين التحوط (التحوط هو استخدام استراتيجيات معينة يتم من خلالها التحكم بالمخاطر وعزلها، مما يجعل الاستثمارات أكثر أمانا) من المخاطر العالية التي تكتنف الاستثمار في هذه الاقتصاديات، فعلى الرغم من أنها تجاوزت الكثير من الأزمات في السابق، فإنه مازال أمامها الكثير من العقبات التي يجب التغلب عليها.

المراجع:

هنا

هنا