الرياضيات > الرياضيات

الرياضيات..أيضاً في السينما!

اشتريت الفوشار ؟ حجزت مقعداً جيداً؟ هل تجلس بشكل مريح؟ إذاً ليبدأ الفيلم..

يثير دهشتنا كل ما لا يصدق في الحياة، مثل الصور التي نصنعها على الحواسيب للأفلام.

مالا يدركه معظمنا أن الديناصورات في فيلم الجوراسيك بارك (تحدثنا عنه في مقال سابق هنا ) وعجائب فيلم سيد الخواتم لم تكن ممكنة بدون الرياضيات.

لكن كيف تم صناعة هذه الصور المذهلة؟

الرسومات والخطوط البيانية على الحواسيب والبصريات الحاسوبية هي موضوعات ضخمة ومعقدة. في هذا المقال سنحاول أن نستعرض بصورة مبسّطة بعض المعلومات الرياضية اللازمة للحصول على هذه الصور والمشاهد بشكلها النهائي. أولاً سنعمل على خلق عالم أو بيئة الفيلم ومن ثم سنعمل على أن نمده بالحياة.

ضبط المشهد :

الخطوة الأولى في صناعة الفيلم على الحاسوب هي خلق شخصياته والبيئة التي يعيشون فيها. نشكّل كلاً من هذه الكائنات على شكل مجسّم يتكون من مضلعات متصلة (غالباً مثلثات)، حيث يتم تخزين إحداثيات رؤوس كل مثلث في ذاكرة الكمبيوتر.


الهيكل الأوليّ للشّخصية يبدو كهيكل عظمي مصنوع من مضلعات بسيطة كالمثلثات.

من المهم أن نعرف أي جانب للمثلث سيكون الوجه الخارجي للشكل أو للشخصية. يتم ترميز هذه المعلومات على شكل سلسلة وتخزينها في ذاكرة الحاسب وفق قاعدة اليد اليمنى:
حيث تلف أصابع اليد اليمنى حول محور عاموديٍّ على سطح المثلث مارّة من رؤوسه وفق ترتيب معين، فتكون جهة الإبهام في نهاية المطاف إلى جانب واحد من المثلث- هذا الجانب هو السطح الخارجي

إذا حاولت، سوف تجد أن الاتجاه الخارج (يسمى عادة السطح الخارجي) للمثلث (A،B،C) هو الاتجاه المعاكس للترتيب (A،C، B).


الوجه الخارجي للمثلث (A،B،C) هو بالاتجاه المعاكس لـ (A،B،C) كما تحدده قاعدة اليد اليمنى.

والآن نحن جاهزون لتلوين كل مكوّنات السطح الخارجي للهيكل المثلثي للشخصية. وهذا هام جداً لتحقيق الواقعية على المشهد الذي نحن بصدد إعداده، وعملية التلوين هذه تتم بطريقة تدعى "تعقب الشعاع". ابتداءً من رؤيتنا فنحن نتبع الأشعة نحو الوراء باتجاه الجسم ثم نسمح لها أن تنعكس عنه. إذا كان الشعاع الصادر من عيننا ينعكس عن أحد مثلثات الهيكل المثلثي للشخصية ويتقاطع مع مصدر الضوء نلون هذا المثلث بلون مشرق بحيث يبدو هذا الجزء مُضاءً من مصدر الضوء. أما إذا لم ينعكس الشعاع متقاطعاً مع مصدر الضوء فنلون هذا الجزء بلون أدكن.


تتبع الشعاع الصادر من عين المراقب، وهل ينعكس متقاطعاً مع مصدر الضوء؟

حتى نتتبّع الشعاع نحو جزء محدد من السطح، علينا أن نصف السطح رياضياً (أي نعبر عنه بعلاقة رياضية) كما علينا أن نحل هندسياً المعادلات التي تعبر عن الشعاع وجزء السطح الذي ينعكس عنه. يتم ذلك باستخدام الأشعة. حيث نفترض جملة إحداثيات ثلاثية مبدؤها النقطة (0،0،0) والتي تسمى نقطة الأصل وتتوضّع في النقطة التي ننظر منها. الشعاع v=)(a،b،cيشير الآن إلى السهم الذي بدايته نقطة الأصل ونهايته النقطة (a،b،c). يمكننا مضاعفة الشعاع v عدداً من المرات – وليكن العدد 2 مثلاً – وفقاً للقاعدة :

(2v=2(a،b،c)=(2a،2b،2c

وبهذا نحصل على الشعاع 2v الذي له نفس اتجاه الشعاع v ولكن بطويلة مضاعفة.

والآن لدينا الشعاع λv حيث λ هي أيّ عدد حقيقي موجب. وبهذا تصبح طويلة الشعاع متغيرة لكن يبقى اتجاه الشعاع ثابت. بعبارة أخرى λv هو شعاع بدايته نقطة الأصل ( موقع عيننا المراقبة) واتجاهه هو اتجاه الشعاع v.

يمكننا أن نعّبر عن مستوي السطح المثلثيّ الذي نتعامل معه بثلاثة أجزاء من المعلومات هي:

واحد من الرؤوس الثلاثة للمثلث ولتكن a1 ، والشعاع الذي بدايته a1 ونهايته رأس المثلث الثاني a2 والشعاع الذي بدايته a1 ونهايته الرأس a3 .

نستعرض أدناه معادلات الشعاع ومستوي الوجه الذي نحن بصدد التعامل معه والتي نحن بحاجة لحلها لمعرفة هل ينعكس الشعاع أم لا:

معادلة الشعاع، حيث λ عدد حقيقي و v شعاع:

r = λv

معادلة المستوي المعرّف بالوجه المثلثي التي رؤوسه a1 ، a2 و a3 :

(r = a1 + μ1 ( a2 - a1 ) + μ2 ( a3 - a1

كل مانحتاجه هو القليل من الخيال :

بمجرد تحديد المشهد وتجهيز الإضاءة ننتظر المخرج لينادي “ أكشن “ وتبدأ شخصياتنا بالحركة. لنحاول الآن أن نكتشف الرياضيات التي يمكن أن تمنح الحياة والحركة لشخصياتنا.

واحدة من أكثر الحركات الأساسية للشخصية هي تمكينها من الدوران حول محور معيّن وفي زاوية معينة. الهندسة التحليليّة سوف تعطينا الأدوات اللازمة لحساب مكان كل نقطة من جسم الشخصية بعد أن يتم تدويرها. ولكن الأهم أن تكون هذه الأدوات فعالة وسريعة.

للعثور على هذه الأدوات، دعونا نعود للوراء إلى الرياضيات البسيطة:

نعلم أولاً أن هناك جذران تربيعيّان للعدد الموجب 25 هما العددان 5 و5- ذلك لأن :

2(5-) =2(5+) = 25

ولكن ماهو الجذر التربيعي للعدد25- ؟ لإيجاد الجذور التربيعية للأعداد السالبة، عمل علماء الرياضيات على خلق عدد جديد، أطلقوا عليه الاسم i، حيث i^2 = -1 . عندئذٍ سيكون :



ويذلك نجد أن :



بعد تعريف العدد i أصبح بالإمكان حل بعض المعادلات مثل المعادلة x^2 = -1 . كما أصبح لدينا أعداد من الشكل :

z = x + yi

والتي تدعى أعداداً عقديةً أو أعداداً مركبة. لكن الكثير من الناس لم يكونوا راضين عن هذا الكائن الرياضياتي الوهمي الجديد i.

أخيراً في عام 1806 قدم عالم الرياضيات Jean Robert Argand التفسير الهندسي للأعداد العقدية وللعدد التخيلي i. ربط Argand الأعداد العقدية بنقط في المستوي حيث العدد الحقيقي 1 على محور والعدد التخيلي –i على المحور الآخر. على سبيل المثال العدد المركب 1+i يتوافق مع النقطة (1،1). وبشكل عام، العدد العقدي a + ib يتوافق مع العدد (a،b) .


ضرب الأعداد المركبة يمتلك وصفاً هندسيّاً : الدوران .

أدرك Argand أن جداء الأعداد المركبة له وصف هندسي : الدوران . مثلاً دعونا نلقي نظرة على ناتج جداء العددين المركبين 1+i ممثلاً بالنقطة (1،1) والعدد i :



والذي تمثله النقطة (1،1-)، بدوران يعادل زاوية قدرها 90 درجة، وبالضرب مرة ثانية بالعدد i نحصل على :



والذي تمثله النقطة (1-،1-)، و دوران بـ 90 درجة مرة أخرى. الضرب بالعدد i هو السبب في الدوران 90 درجة في المستوي! في الحقيقة، أي دوران في المستوي وليس فقط الدوران بـ 90 درجة، يمكن أن يتحقق باستخدام الضرب بالأعداد المركبة أو العقدية .

الانتقال إلى الفضاء ثلاثي الأبعاد (3D) :

كرّس عالم الرياضيات السيد ويليام روان هاميلتون William Rawan Hamilton والذي ربما هو الأشهر في كلية ترينيتي في دبلن – العقدين الأخيرين من حياته للبحث عن وسيلة لتمثيل الدوران في الفراغ ثلاثي الأبعاد بطريقة مماثلة لتمثيله عن طريق الأعداد المركبة في المستوي ثنائي البعد.

وفي النهاية اكتشف هاملتون الجواب في شكل أطلق عليه اسم الثلاثية: وهي الأعداد في العلاقة التالية :



حيث أن :



كما أن كل منa0، a1، a2، a3 هي أعداد حقيقية.


صورة عن اللوحة التذكارية الموجودة حالياً على جسر بروم حيث كان هاملتون يسير عندما اكتشف الثلاثية

وكما مثلنا الأعداد العقدية بثنائيات في المستوي نستطيع تمثيل هذه الثلاثيات في الفضاء ثلاثي الأبعاد. لكن هذه المرة بدل أن يكون الدوران في المستوي ثنائي البعد سوف يكون في الفضاء ثلاثي الأبعاد.

وللقيام بذلك سنمثل كلاُ من i ، j، k على مستويات الفضاء الثلاثة: أي سيكون i على المستوي y z وسيكون j على المستوي x z أما k فسيكون على المستوي x y .

وبحيث يكون الوجه الخارجي للجسم الذي نمثله هو مع الاتجاهات x و -y و z على الترتيب.


التمثيل الهندسي للأعداد i ، j ،k كعناصر في المستويات الثلاث للفضاء ثلاثي الأبعاد

لنفترض أننا نريد تدوير النقطة (a = (a1،a2،a3بزاوية ß حول محور يمر من مبدأ الإحداثيات (نقطة الأصل) معطىً بالشعاع (b = (b1،b2،b3. لذلك نعرّف اثنين من الكواتيرنيون q1 و q2 باستخدام شعاع المحور b وزاوية دوران ß :

(q1= cos ( ß/2 ) + sin ( ß/2 ) ( b1 i + b2 j + b3 k

و

(q2= cos ( ß/2 ) + sin ( ß/2 ) ( b1 i + b2 j + b3 k

ثم نضرب a ( الذي نعبر عنه بتركيب خطي لأشعة الواحدة للاتجاهات (x و y و z ) بكلٍّ من q1 و q2 (باستخدام قواعد الضرب الخاصة لأشعة التوجيه i ، j ، k في المستويات وأشعة الواحدة) لنحصل على :

á= q1 a q2

يتبين لنا أن النقطة á الناتجة عن الجداء هي تماماً النقطة التي نحصل عليها عند تدوير a حول محور معين من خلال زاوية ß. لذلك فإنه يمكن فقط باستخدام الأرقام المركبة أو العقدية أن نصف الدوران في المستوي، والكواتيرنيون لوصف الدوران في الفراغ ثلاثي الأبعاد.

وبذلك تبين أن ما خطر في ذهن هاملتون عند سيره تحت الجسر في دبلن هي الطريقة الأكثر فعالية لتدوير الكائنات ثلاثية الأبعاد. لكن طريقة هاملتون هذه لم تسعد الجميع. فاللورد كيلفن ( Lord Kelvin ) - الفيزيائي المعروف – قال عن الكواتيرنيون: على الرغم من روعة العبقرية، إلا أنها بأية حال هي شر خالص لأولئك الذين يصابون بها.

فعلياً، القلق صادر عن حقيقة أن ناتج جداء اثنين من الكواتيرنيون يتعلق بالتتابع أو بالترتيب الذي يتم فيه الجداء، أو مانسميه جداءً غير تبديلي.

على سبيل المثال : اعتماداٌ على قاعدة الجداء لهاملتون يمكننا أن نبين أن ij=k وأن ji=-k . ومع ذلك فمن الممكن برهان أنه عندما يتعامل المرء مع i ، j وk كعناصر من المستويات ، فالخصائص التي كانت مثيرة لقلق كيلفن ومعاصريه ناتجة مباشرة من الرياضيات.

بثّ الحياة في الصور:

يُستَخدَم اختراع هاملتون الآن في العديد من تطبيقات الرسوم البيانية لإنشاء الحركة وتحريك الأجسام.
اثنان من أهم الأدوات في رسومات الحاسوب هي التشوهات والزيادات.
التشوهات أو تقنية التأطير الرئيسي تتضمن تحديد الكائن الاولي ثم الانتهاء من الشكل والموضع ثم الاستعانة بالحسابات للعمل على المراحل البينية كما هو موضح في الشكل أدناه.


تغير شكل ابريق الشاي تدريجياً من خلال سلسلة من الإطارات

تستطيع رؤية الرسم المتحرك لثعبان بدائي (تم تصميمه من قبل ريتشارد وايرهام) حيث تم تصميم كامل الثعبان بواسطة الكمبيوتر باستخدام التشوهات وذلك من خلال حركة بضع نقاط محددة

هنا


التشوهات هي طريقة لإنشاء كائنات معقدة من كائنات أبسط منها. مثلاٌ: قطعة قماش تسقط بشكل يحيط بالكرة، كما في الشكل أدناه، يمكن أن تُستَمد من خلال التلاعب الرياضي على مشهد مشابه لكرة عادية. كلا المشهدين يحتاج تقنيات رياضية سريعة وثابتة وطرقاً ترتبط بالكواترنيون


يمكن تمثيل سقوط قطعة قماش تغلف كرة باستخدام قوانين الفيزياء


ومن ثم التلاعب بها لإعطاء القماش شكل كروي مشوه

جعل غولوم مُقنِعاً :

إن الأساليب المذكورة أعلاه هي الأدوات الأساسية للرسوم المتحركة الكلاسيكية، ونحن سعداء جداً بنتائجها المقنعة على شخصيات الرسوم المتحركة. ولكن عند استخدام هذه التقنيات لتحريك شخصيات مشابهة للبشر فيمكننا على الفور ملاحظة أنها كاذبة، و لخلق حركة واقعية عموماً فالمطلوب هو التقاط الحركة


غولوم Gollum

العديد من الشخصيات، مثل غولوم– النسخة السينمائية للقزم في فيلم سيد الخواتم – بُنِيَت حركته باستخدام التقاط الحركة. ويتم ذلك عن طريق ربط عاكسات لأناس حقيقين في نقاط محورية من الجسم كالرأس، الكتفين، المرفقين والركبتين ثم تصوير الاشخاص من خلال كاميرات متعددة وتخزين المواضع المتغيرة للعاكسات على جهاز كمبيوتر، ومن ثم تطبيقها على الهيكل العظمي للتصميم ثلاثي الابعاد. وأخيراً إن جميع التقنيات السابقة تُستَعمَل لنكسوَ الهياكل العظمية بالنسيج اللحمي ولنبثّ الحياة في الشخصيات المصمّمة لتصبح شخصيات تتنفس وتتحرك




يتم التقاط البيانات من تحركات عاكسات تعلق على أجزاء مختلفة من الجسم.


تطبيق البيانات رياضياً على الهيكل العظمي للشخصية

المصادر:

هنا

هنا