الفيزياء والفلك > فيزياء

الثقوب السوداء ...قد لا تكون قتلة فتاكة كما اعتقدناها

بحسب بروفيسور الفيزياء في جامعة أوهايو سمير ماثور Samir Mathur فإن الفكرة التي اقتُرِحت مؤخرًا بأن الثقوب السوداء يحيط بها "جدار ناري" يحرق كل ما يلامسه يعتريها ضعف. ويناقش ماثور في ورقة بحث نشرها على مخدمات arXiv المشكلة في نظرية الجدار الناري، ويثبت رياضيًا أن الثقوب السوداء ليست بالضرورة رعاةً للهلاك. بل ويشير إلى أن العالم قد يقع في أسر الثقب الأسود دون أن نلاحظ ذلك حتى.

إذ منذ أكثر من 10 سنوات استخدم ماثور مبادئ نظرية الأوتار ليبين أن الثقوب السوداء هي في الواقع كراتٍ متشابكة من الأوتار الكونية. وساعدت نظرية "كرة الزغب" fuzzball theory التي وضعها في حل بعض التناقضات في الصورة الراهنة عن الثقوب السوداء لدى الفيزيائيين.

لكن عندما حاولت مجموعة من العلماء مؤخرًا تطوير نظرية ماثور استنتجوا أن سطح كرة الزغب هو في الحقيقة جدار ناري، ووفقاً لنظرية "الجدار الناري" فإن سطح كرة الزغب سيكون مدمرًا، بل إن اسمها استُمد من واقع أن كل ما يلمس هذا السطح سيواجه موتًا محتمًا.

غير أن ماثور وفريقه كانوا يتوسعون في نظرية "كرة الزغب" من جانبهم أيضًا، وتوصلوا إلى استنتاج مختلفٍ تمامًا، إذ أنهم لا يرون الثقوب السوداء على أنها قاتلة وجالبة للدمار، بل يرونها وكأنها آلة ناسخة.

فهم يعتقدون أنه إذا ما لامست مادةٌ ما سطحَ الثقب الأسود فإنها في الواقع تصبح هولوغرامًا – أي نسخة ثلاثية الأبعاد شبه مثالية عن المادة ستبقى ستستمر بالتواجد كما كانت من قبل تماماً.

لكن التعبير "شبه مثالية" بحد ذاته هو نقطة خلاف، إذ إن هناك فرضية في الفيزياء تدعى "التكاملية" طرحها لأول مرة ليونارد ساسكيند Leonard Susskind الفيزيائي في جامعة ستانفورد عام 1993، وتقتضي هذه الفرضية أن يكون الهولوغرام الناشئ عن الثقب الأسود نسخةً طبق الأصل.

غير أن الفيزيائيين المنقسمين على جانبي الجدل، أي سواء أنصار كرة الزغب أم أنصار الجدار الناري، وصلوا رياضيًا إلى استنتاج أن التكاملية الصارمة غير ممكنة، أي لا يمكن تشكل هولوغرام طبق الأصل على سطح الثقب الأسود.

ويميل ماثور وزملاؤه إلى هذه الفكرة، لأنهم طوروا نموذجًا معدَّلًا للتكاملية، وفيه يفترضون نشوء هولوغرام غير مثالي. في حين اتخذ أنصار نظرية الجدار الناري مقاربةً ترى وجوب الأخذ بمبدأ التكاملية أو تركه كليةً، فبدون كون التكاملية مثاليةً تمامًا، لا يمكن أن يكون هنالك إلا الموت المحتم.

غير أن ماثور وزملاءه في آخر ورقة بحث نشروها أثبتوا رياضيًا أن التكاملية غير المثالية ممكنة، دون أن يعني هذا أن مناصري نظرية الجدار الناري ارتكبوا أي خطأ حسابي من أي نوع. فقد استند كلُّ طرف في حساباته على افتراضات مختلفة، وبالتالي حصلا على نتائج مختلفة، فببساطة إحدى المجموعتين رفضت فكرة اللامثالية في هذه الحالة بالذات، بينما الأخرى تقبلتها.

واللامثالية موضوعٌ شائعٌ في علم الكون، والفيزيائي ستيفن هوكينغ Stephen Hawking له أقوال مشهورة يشير فيها إلى أن الكون لم يكن مثاليًا منذ اللحظة الأولى لوجوده، فبدون التوزع غير المثالي للمادة الحاصل بفعل الانفجار العظيم ما كانت الجاذبية لتكون قادرةً على تجميع الذرات إلى بعضها لتكوِّن المجرات والنجوم والكواكب، بل وحتى نحن.

وبالتالي فإن الجدل حول الجدار الناري وكرة الزغب يعتمد على قدرتنا على قبول كون الثقوب السوداء غير مثالية، كما هو الحال مع بقية الكون.

ويشرح ماثور قائلًا: "لا يوجد شيء اسمه ثقبٌ أسود مثالي، فكل ثقب أسود مختلف عن الآخر".

وبجملته هذه يشير إلى ما يعرف بحل "مفارقة المعلومات" وهي مفارقة ظلت محلًا للجدل في الفيزياء لفترةٍ طويلةٍ، وأقرَّ هوكينغ أخيرًا بأن المادة الواقعة على الثقب الأسود لا تتدمر، بل تصبح جزءً من الثقب الأسود.

وبهذا فإن الثقب الأسود يتغير باستمرار بفعل الإضافات الجديدة إليه. فنستطيع أن نقول – مجازًا – أن سلسلةً جديدةً من الجينات تضاف إلى الدنا (DNA) الخاص به، أي أن كلَّ ثقبٍ أسود هو منتج فريد بحسب المواد التي تصادف أن أضيفت إليه.

حُلَّت مفارقة المعلومات جزئيًا عام 2003 بفضل تطوير ماثور لنظرية كرة الزغب، وهي الفكرة التي نشرها في مجلة Nuclear Physics B في عام 2004 وتأكد ذلك عبر أعمال علماء آخرين.

كان النموذج ثوريًا في وقتها حيث أنه اقترح أن للثقوب السوداء سطوحًا محدَّدة، لكنها زغبية، وهذا يعني أن المادة لا تقع في الثقب الأسود بل ستسقط عليه.

إن لقضية كرة الزغب – الجدار الناري آثارًا عميقة، إذ إن أحد مبادئ نظرية الأوتار هي أن واقعنا ثلاثي الأبعاد – رباعي الأبعاد إذا ما احتسبنا الزمن – قد يكون في الواقع هولوغرامًا على سطحٍ ما موجودٍ في عالمٍ يحوي أبعادًا أكثر بكثير. ويقول ماثور "في حال كان سطح الثقب الأسود في الواقع جدارًا ناريًا فإن فكرة أن الكون عبارة عن هولوغرام ستكون خاطئةً قطعًا".

إن تعريفنا لطبيعة الكون بحد ذاته على المحك في هذه الحالة، لكن لا تتوقعوا من الفيزيائيين الذين يتبنون أفكارًا مختلفة أن يتشاجروا على هذا الأساس، إذ يشرح ماثور "إنه ليس خلافًا من ذلك النوع، بل في الواقع سؤالٌ بسيط جدًا، وهو هل تتقبل فكرة اللامثالية أم لا تتقبلها؟".

المصدر:هنا

ورقة البحث المنشورة: هنا