الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الغابات والغذاء

الجوع.. قد يكون أحد أهم وأخطر المشكلات التي تواجه الإنسانية، وقد تتعدد الحلول، لكن الأمر الذي قد لا يخطر ببالكم هو دور الغابات في حل هذه المشكلة. قد تبدو الغابة لتاجر الأخشاب مصدرَ رزق، ولأصحاب الفنادق مَعلَماً سياحياً، وللشخص العادي مكاناً للاستجمام، وللفلاح أحياناً أرضاً يجب حرقها واستثمارها زراعياً؛ ولكنها بنظر الإنسانية سلاحها ضدَّ الجوع أو على الأقل هكذا يجب أن يُنظر لها؛ فكيف ذلك؟ إليكم مقالنا الآتي الذي قد يحمل الإجابة.

تُعدُّ مشكلة نقص الغذاء من أهم المشكلات التي تواجهها العديد من البلدان؛ خاصة البلدان الفقيرة والبلدان التي تعاني انخفاضَ استيراد المواد الغذائية الأساسية وتقلُّب الأسعار، وفي تلك التي تعاني النزاعات المسلحة والحروب وغيرها من الأزمات الإنسانية، ويسعى الباحثون دوماً الى إيجاد طرائقَ تُعوِّض عن هذا النقص.

تقول الإحصائيات أن واحداً من كل تسعة أشخاص في العالم لا يزالون يعانون الجوع؛ حيث تتوزع الغالبية العظمى منهم في آسيا وأفريقيا. لكن -لحسن الحظ- وُجد أن للغابات دوراً كبيراً في تحسين مستويات التغذية وتحقيق الأمن الغذائي وتأمين سُبُل العيش الجيدة، في الواقع تعدُّ الغابات عاملاً ضرورياً في تحقيق الأمن الغذائي مع ازدياد توضح حدود الإنتاج الزراعي.

وفقاً للتحليل العلمي عن العلاقة بين الغابات والغذاء؛ أُطلق في نيويورك ضمن مؤتمر الأمم المتحدة حدثٌ جانبيٌّ معنيٌّ بالغابات وعلاقتها بالغذاء، وصدر تقريرٌ عن الاتحاد الدولي لمنظمات البحوث الحراجية (IUFRO) -أكبر شبكة لعلماء الغابات في العالم- يُؤكِّد على ضرورة ضمان حصول الفئات الأضعف في المجتمع على الغذاء المُنتج؛ فقد تعاون أكثر من 60 عالماً من علماء مشهورين في مختلف أنحاء العالم على نشر تقرير يتحدث عن "الغابات والأشجار والمناظر الطبيعية ودورها في الأمن الغذائي والتغذية"، وهو الذي نسقته (IUFRO) نيابةً عن الشراكة التعاونية للغابات (CPF).

يقول توماس غاس (مساعد الأمين العام لسياسة إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية): "يُذكِّرنا هذا التقرير بالدور الحيوي الذي تؤديه الغابات في بناء الأمن الغذائي، ويجعل منه قضية مقنعة لاتخاذ نهج المناظر الطبيعية المتعددة الوظائف والمتكاملة، ويدعو إلى إشراك الأشخاص -على مستوى المجتمع المحلي- لإعادة الجمع بين الغابات والأنظمة الزراعية".

تُعدُّ المحاصيل المُنتجة على نطاق واسع محاصيل معرضة للتغيرات المناخية المتطرفة التي قد تحدث بتواترات كبيرة في ظل التغيُّرات المناخية التي تحدث، في حين أن الزراعة القائمة على الأشجار قادرة على التكيف على نحو أفضل في ظل هذه الكوارث مقارنة بالمحاصيل؛ وذلك حسب الدراسات. ويقول كريستوفر ويلدبورغر: "نحن نعلم بالفعل أن الغابات تؤدي دوراً رئيساً في التخفيف من آثار تغير المناخ، ووضح هذا التقرير أنها تؤدي دوراً رئيساً في التخفيف من وطأة الجوع وتحسين التغذية".

تمتاز الغابات بأنها تُوفِّر العديد من الأغذية المتنوعة والصحية؛ ففي كثير من الأحيان تُشكِّل الأطعمة الناتجة عن الغابات شبكةَ أمان في فترات نقص الغذاء؛ وذلك وفقاً لعدد من الخبراء العالميين. ووضَّحت هذه الدراسة عدداً من الأمثلة الرائعة التي تُظهر قدرة الغابات والأشجار في إكمال الإنتاج الزراعي والمساهمة في تحسين دخل السكان المحليين، خاصة في المناطق الأكثر ضعفاً في العالم؛ إذ تتعدد فوائد الغابات والأشجار في التغذية، فالأشجار في كثير من الأحيان تُعدُّ من الأطعمة الغنية بالفيتامينات والبروتينات والعناصر الغذائية الأخرى، وتمتلك الوجبات الغذائية الأكثر تنوعاً؛ فعلى سبيل المثال: يُعدُّ محتوى الحديد في البذور المجففة من الفول الأفريقي والكاجو مساوياً بل أعلى من تلك الموجودة في لحوم الدجاج.

كذلك تُعدُّ اللحوم البرية والأسماك والحشرات الموجودة في الغابات مصادرَ غذائية مهمة؛ إذ تُعدُّ الحشرات من أهم المصادر الوفيرة والرخيصة لغناها بالبروتين، والدهون، والفيتامينات والمعادن، لا سيما في جنوب شرق آسيا حيث تُدار العديد من الغابات والغابات الزراعية (المزارع القائمة على الشجر) من المجتمعات المحلية لزيادة أعداد الحشرات الصالحة للأكل على وجه التحديد. كذلك تعدُّ الغابات ضروريةً من ناحية جمع الحطب والفحم؛ ففي البلدان النامية تستخدم 2.4 بليون أسرة الوقود الحيوي المتجدد لأغراض الطهي والتدفئة كما في الهند ونيبال، وحتى أفضل الأسر الريفية تعتمد على الوقود الخشبي.

تقدم الغابات العديدَ من الخدمات البيئية الأخرى؛ فعلى سبيل المثال: تدعم النحل والمُلقِّحات الأخرى التي تعدُّ ضروريةً لإنتاج المحاصيل متضمنة الأراضي الزراعية. ثم إنها توفر مصادرَ علف للحيوانات؛ مساعدة بذلك المجتمعات المحلية في إنتاج اللحوم والحليب، إضافةً إلى أنها تعمل على حماية تيارات وتجمعات المياه التي تُعدُّ موئلاً للأسماك.

أيضاً تُساعد الغاباتُ الفقراءَ في كسب العيش؛ وذلك وفقاً للتقارير التي تقول أن واحداً من أصل ستة أشخاص يعتمدون مباشرة على الغابات في طعامهم وكسب الدخل. فمثلاً في منطقة الساحل؛ تُسهم الأشجار في متوسط دخل الأسر حتى 80%، لا سيما عن طريق إنتاج الجوز. وتُبيِّن الأدلةُ أنه في جميع أنحاء العالم كلما انخفض مستوى الرخاء وقلت الأملاك؛ ارتفعت نسبة الاعتماد على الغابات لتأمين دخل الأسرة. وتُوثِّق التقاريرُ الجهودَ الجارية في أفريقيا وأماكن أخرى لتطوير السلع الناتجة عن الأشجار لتزويد الفقراء ذوي الدخل المحدود بمدخول ثابت؛ ففي تنزانيا يتشارك المنتجون في جهد عالمي لإنتاج بذور محاصيل ألانبلاكيا التي تُعطي زيت الطعام مع إمكانية تزويد سوق الغذاء العالمي بها، تُطوِّر الشراكةُ بين القطاعين العام والخاص -المعروفة باسم نوفيلا أفريقيا- قطاعَ زيت الألانبلاكيا الذي يُعتقد أنه سيكون مصدراً لمئات الملايين من الدولارات سنوياً للمزارعين المحليين.

"ما يُبقى الناس جياعاً في كثير من الأحيان ليس نقص الغذاء؛ بل عدم الحصول عليه والسيطرة على إنتاجه، فنحن بحاجة إلى التعرف أكثر إلى المطالب القائمة من أجل السيطرة على الغذاء؛ الأمر الذي يُمكِّن السكان المحليين من السيطرة على طعامهم، وأيضاً يجب تحسين حقوق الملكية وتقوية حقوق النساء اللواتي أصبحن أكثر تحملاً لمسؤولية إنتاج الطعام سواء من الأراضي الزراعية أم الغابات؛ إذ تُعدُّ هذه العمليات مفتاحَ الضمان لنجاح الجهود القائمة للحد من الفقر".

على الرغم من أن الغابات ليست حلاً سحرياً لمشكلة الجوع في العالم؛ إلا أن التقرير يُؤكِّد أنها تؤدي دوراً حيوياً في استكمال المحاصيل المُنتجة في المزارع، وتزداد أهمية هذا الأمر خصوصاً عند انخفاض توريد المواد الغذائية الأساسية بسبب الجفاف وتقلب الأسعار، وفي حال حدوث النزاعات المسلحة وغيرها من الأزمات؛ مما يعني أنه بفقدان الغابات وتدهورها سوف تتفاقم مشكلة انعدام الأمن الغذائي. في الواقع يشير التقرير إلى أن التوسع في الأراضي الزراعية يُمثِّل 73% من فقدان الغابات في جميع أنحاء العالم.

في النهاية؛ لا بد من القول أن هذه الدراسة تأتي في صدارة الدراسات التي نشرتها الأمم المتحدة للأهداف الإنمائية المستدامة، وتهدف إلى التصدي للتحديات العالمية والفقر والجوع. كذلك يقدِّم التقرير نظرةً مفيدةً عن كيفية إجابة الأمم المتحدة مسبقاً عن الهدف القائم "تحدي القضاء على الجوع" الذي يهدف إلى القضاء على الجوع في العالم بحلول عام 2025.

المصدر:

هنا