العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن

أربع طرق للاستفادة القصوى من تشكيل الواجهات البحرية لمدن المناخ البارد

شَكّلَ التخطيط العمراني للواجهات البحرية تاريخياً؛ مركزاً للنشاطات في العديد من المدن حيث بدأت كمراكز للنقل والاقتصاد والتصنيع، وطالما أنّ التغيير دائم ومُستمر في أنماط الصناعات والموانئ والشحن فإن العديد من الواجهات المائية الصناعية قد عفا عليها الزمن. فمن السهولة بمكان تحويل الموانئ التاريخية الصغيرة نسبياً ليعاد توظيفها في الأنشطة الترفيهية في حين أن الأمر مُختلف في موانئ أمريكا الشمالية الكبيرة حيثُ نجدُ صعوبةً في تحويل الواجهات البحرية بسبب قضايا لوجستية وبيئية(التلوث على سبيل المثال).

وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية أو نحو ذلك بدأ المهندسين المعماريين ومخططي المُدن بالتعرف على إمكانات جديدة لإعادة تطوير الواجهات البحرية في أنحاء الولايات المتحدة ودراسة الأثر الذي يمكن تحقيقه على صعيد النجاح المالي والاجتماعي للمدن. فعلى الرغم من التحديات الفريدة التي تختص بها مدن المناخ البارد في تطوير الواجهات البحرية فإن التخطيط الفعال لهذه المدن بأشهر الشتاء المتجمدة تبقى على إمكانية الاستفادة من الفراغات العامة على مدار العام.

تُطبق العديد من المدن في شمال شرق الولايات المتحدة وكندا "مبادئ تصميم كاليفورنيا" (وهي استراتيجيات التصميم التي تتيح للسكان قضاء الأوقات خارجاٌ في جميعا أوقات السنة) لإعادة تطوير الواجهات البحرية وفي هذا نجد أربع مبادئ في التخطيط والتي يمكن أن تفيد في المدن ذات الطقس البارد وذلك للاستفادة القصوى من الواجهات المائية:

1- التخطيط لشمس الشتاء

بطبيعة الحال، فإن المناطق التي تتمتع بتشميس جيد هي التي تحظى بالأفضلية في المدينة، لكن يصعب توافر هذه الشروط في مناطق الظلال وأشهر الشتاء فمن هنا يجب أن يُراعى في تخطيط المدينة ايجاد سبل للتخطيط بحيث يراعي شمس الشتاء من بداية الفكرة التطويرية الجديدة بحيث يوفر الدفء الكافي من الاشعاع والضوء الشمسي، كما أن افساح المجال لأشعة الشمس ممكن أن يكون مفتاح لخلق ساحات مرغوبة من السكان.

إن مدينة سان فرانسيسكو هي خير مثال على ذلك. في عام 1984 أعتمد المرسوم التاريخي "مرسوم الشمس" لحماية الحدائق العامة في المدينة من ظلال المباني الجديدة. عندما عملت شركة Perkins+Will على مشروع "جزيرة الكنز" – مشروع تصميم عمراني يهدف لتحويل الجزيرة الى أحياء جديدة نابضة بالحياة في فرانسيسكو ــ يقول المعمارالمسؤول عن المشروع: "لقد قمنا بتطبيق هذا المبدأ في التصميم، كان الهدف ضمان وصول أشعة الشمس الى الجزيرة الصغيرة الواقعة مقابل المدينة على خليج فرانسيسكو حتى في آخر الأيام الباردة."

كما اتبع هذا المبدأ مشاريع أخرى خارج منطقة الخليج مثل مشروع يونغ في تورنتو لتحقيق حماية وصول شمس الشتاء في المناطق العامة المفتوحة. وآخر قسم للتطوير كان في منطقة يونغ غير المستغلة بالقرب من وسط تورنتو. حيث لم تقتصر التحليلات والدراسات العمرانية على المباني القائمة وأنظمة النقل، بل تمت دراسة حركة الشعاع الشمسي شتاءً وعندما تكون زاوية ميل الشمس أقل ما يمكن بين الساعة العاشرة و الثانية بعد الظهر في يوم 21 ديسمبر، وأقصر يوم في السنة عندما يكون الاشعاع الشمسي في أخفض شدة. ففي هذه المنطقة حديقة عامة بمساحة مفتوحة وكبيرة وتم التشجيع عليها بنشاطات رياضية مختلفة. كما استخدمت برامج التصميم الرقمي ثلاثية الأبعاد لضمان الحصول على مساحة تشميس جيدة في فصل الشتاء.

2- انشاء ساحات تحجب الرياح:

يمكن لرياح أشهر الشتاء في المناطق الباردة جعل المرء يشعر ببرودة أقل بـ 10-20 درجة مما هي عليه بالفعل. فمن هنا يتوجب على المصمم خلق مناطق محمية من رياح الشتاء الباردة حتى يتسنى للسكان قضاء الأوقات في الخارج حيث باستطاعة المدن توفير ذلك من خلال أنماط تخطيط الشوارع و المباني التي تقوم بمنع الرياح وتشتيتها.

نفّذ الجيش الأمريكي هذا المبدأ في التصميم منذ أكثر من مئة سنة في حامية سان فرانسيسكو. جاءت استراتيجية الجيش بزراعة أكثر من 1200 دونم من الأشجار الكبيرة التي ساعدت في تشتيت الرياح السائدة القاسية لحماية الضباط المقيمين هناك. وبعد أن أثبت هذا التصميم نجاحة، طبق في "جزيرة الكنز"، حيث زرعت الأشجار و جاء تخطيط المباني بما يساعد على منع الرياح، وبالمثل فقد تم تطبيق مبدأ تصميم كاليفورنيا على جزيرة Chaudière في أتاوا. فبالإضافة لتحديد الساحات التي تتلقى شمس الشتاء، تم تحليل أماكن الرياح السائدة في الجزيرة لحماية تلك الساحات من الرياح البادرة. تم اعتماد نمط تخطيط الشوارع المؤدية للساحات بحيث تأخذ توجيها بعيدا عن حركة الرياح السائدة بحيث لم تكن طويلة بامتدادها بل مقطعة لمنع حركة الرياح في الشوارع مما ساعد على خلق الهدوء والساحات المشمسة ذات الظروف الجيدة في الجزيرة حتى في أشهر الشتاء القاسية.

3- اشغال الساحات الخارجية:

في ظروف الشتاء القارس، لا يشعر الناس بالراحة في المشي خارجاً لأكثر من 60 ثانية. لذلك فإن اتاحة وجهة صغيرة لهم في كل دقيقة تساعد على تحفيز استخدام الفراغات الخارجية للواجهة البحرية في فصل الشتاء.

الـ Crissy في سان فرانسيسكو هو عبارة عن امتداد كبير لحديقة عامة و شاطئ على الجانب الشمالي للمدينة. عند اختبار الرياح السائدة تبين أنه يمكن للشاطئ أن يصبح باردا جدا، فنتيجة لذلك أنشأت المدينة وجهات صغيرة على طول الشاطئ لتشتيت التمدد الطولي. حيث تقع مقاعد الحماية من الرياح كل بضع مئات من الأقدام و"الاكواخ الدافئة" على طول الشاطئ توفر عناصر الدفء للزوار وتقدم لهم فرصة للمزيد من المعرفة عن المنطقة.

وقد طبق هذا المبدأ بشكل ناجح عند تصميم "جزيرة الكنز" وطبق مرة أخرى عند تنفيذ مشروع هاربور Harbor في مدينة بافالو Buffalo

حيث تمتد مساحة مشروع هاربور على أكثر من 800 دونم، وتؤمن للناس ممشاً يستغرق حوالي 30 دقيقة لاجتيازه.

ولإشغال هذه المساحة وجعلها أكثر راحة خلال الأشهر الباردة قام المخططون بتأمين وجهات بصرية ومادية،مثل المقاعد والأعمال الفنية العامة وعناصرالمناظر الطبيعية الأخرى.

كما صمم المخططون محطات راحة للزوار تحتوي على سخانات ودورات مياه،

حيث تم دمج الأعمال الفنية الفريدة من نوعها مع اماكن الاستراحة لجعل المنطقة أكثر جاذبية للزوار.

4- التخطيط لبرنامج نشط في الشتاء:

إن العديد من المدن والمناطق الخارجية تكون مثالية للاستجمام في فصل الصيف، ولكن عندما يتعلق الأمر في الشتاء فإن تلك المساحات تصبح غير مستخدمة، لهذا أصبحت المدن تتطلع الى الاستفادة القصوى من الواجهة المائية على مدار السنة لذلك يجب أن يخطط لأنشطة الشتاء منذ بداية عملية التصميم.

لدى مدينة سان فرانسيسكو مساحات شاسعة من الشواطئ والمساحات الخارجية المرصوفة على طول الواجهة البحرية، الأمر الذي يجعله المكان المثالي للمشي وركوب الدراجات والجري.ففي مشروع "جزيرة الكنز" تم تصميم مساحات مفتوحة مع مناطق ترفيهية واسعة بالإضافة للمنتزهات الشاطئية والأراضي الرطبة الصناعية، في حين أن الثلوج ليست عاملاً مهما في منطقة خليج سان فرانسيسكو.

من خلال هذه الخطة يمكن للمدن الأخرى ايضاً استخدام المناطق العامة المفتوحة طوال العام.

فخلال العمل على مشروع الميناء الخارجي في مدينة بوفالو، أُنشىئ مساحات عامة مفتوحة على طول الواجهة البحرية للمدينة للاستمتاع بها على مدار السنة بشبكة غنية من المسارات للجري والمشي والتي تم مراعاة تشميسها وحمايتها من الرياح في تصميمها وكذلك تزويدها بمحطات للراحة في فصل الشتاء. كما وضعت أفكار لامكانية الاستفادة من التلال المحيطة لتتحول الى تلال تزلج في الشتاء أو مسارات لعربات التزلج بالكلاب، وكما وضعت امكانية لاستخدام المساحات في اقامة المهرجانات الشتوية ومسابقات التماثيل الجليدية

أثمن ما في مدن الواجهات البحرية هي الواجهة البحرية نفسها، حيث أنها توفر مواقع للنمو والتجارة في المناطق الحضرية. فبالنسبة للمدن التي ليس لديها نشاط يذكر في واجهتها المائية، تأتي إعادة التطوير لتكون وسيلة رائعة لبث الحياة في المناطق التي كانت محور النشاط فيما مضى. إن تفعيل الواجهات المائية في ظروف المناخات الباردة يشكل تحديا كبيرا، ومع ذلك يأتي التصميم الحضري ليقدم الحلول لهذه التحديات وليعطي فرصة لتلك المدن لتنشئ واجهات فريدة من نوعها لتكون وجهة السكان على مدار العام.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

طرق ذكية للاستفادة من الفراعات العامة على مدار العام ، هذا مايحتاجه التخطيط العمراني ليكون ناجحاً. الأفكار الذكية!


المصدر:

هنا