الكيمياء والصيدلة > كيمياء

حتّى آخر قطرة! لا عناء بعد اليوم لإخراج السوائل من أوعيتها

من أكثر المواقف المسبّبة للإحباط تلك التي نتعرّض لها أثناء إخراج قطرات الكاتشب الأخيرة من العلبة الفارغة أو تلك التي نشعر بها أثناء الضغط على أنبوب معجون الأسنان بكلِّ قوةٍ لإخراج محتواه المتبقّي الأخير.

ولحلِّ هذه المشكلة تمّ اختراع طبقة طلاءٍ تُسمّى (ليكويغلايد: LiquiGlide)، والتي يُطلى بها داخل الوعاء (سواءً كان أنبوباً أو زجاجةً أو غيرها) فتبقيه رطباً على الدوام، مما يسمح لمحتوياته بالانزلاق بسهولةٍ دون أيّة مصاعب. فيغدو انزلاقُ الماينويز أو الكاتشب أو معجون الأسنان من تلك العبوة المغلفة بطبقة LiquiGlide سهلاً للغاية حتى آخر قطرةٍ منها.

تمَّ ابتكار LiquiGlide من قِبَلِ الأستاذ Kripa Varanasi وطلّابه في معهد ماستشوستس للتقانة MIT. حيث شكّلو شركة LiquiGlide الخاصة بهم، والتي أصبحت الآن بمنتجها الجديد هذا تجذب اهتمام المستهلكين والمستثمرين.

ولكن، ما هو السّبب وراء صعوبة الحصول على المحتويات الأخيرة من الغراء والكاتشب وغيرها من أوعيتها المختلفة؟!

يعود السّبب في ذلك إلى أنّ هذه السّوائل لزجةٌ بطبيعتها ولا يمكن أن تنساب دون دفعاتٍ قويّةٍ للحصول على الكميّات الأخيرة منها. فعند انسياب هذه الأنواع من السوائل عبر أنبوب أو زجاجة أو غيرها، تنساب طبقات السوائل بسرعاتٍ مختلفةٍ داخل الوعاء ممّا يخلق احتكاكاً ولزوجة. حيثُ أنّ الطّبقة القريبة من مركز الوعاء والبعيدة عن سطوحه وجدرانه تنساب بسرعة أكبر من الطبقة الملتصقة بجدران الوعاء.

ومن هنا جاءت فكرة LiquiGlide التي من شأنها خلق طبقةٍ إضافيةٍ مميزةٍ بين الوعاء والسائل الموجود داخله من شأنها أن تساعد المادة السائلة على الانسياب والخروج من الوعاء بسهولة.

تُعتبر مادة Liquiglide طبقةً سائلةً ترتبط بقوةٍ وإحكامٍ بجدرانِ الوعاء أكثر بكثير من السوائل الموجودة داخلها، لذلك عندما تُطلى وتغطّى بها الجدران الداخلية للأوعية، ينساب السائل الموجود داخلها بحريةٍ أكثرَ وبدون أيِّ احتكاك.

فما هو تركيب مادّة الـLiquiGlide إذاً؟

لنتعرّف على ذلك علينا أولاً أن نتكلّم قليلاً عن ما يُعرف بـالسطوح النانوية فائقة الكراهية للماء (Nanostructured Superhydrophobic Surfaces).

لقد دُرست الكراهيّة الفائقة للماء لفترةٍ طويلةٍ، وأكثر الأمثلة ايضاحاً لهذه الظاهرة هي ورقة اللوتس؛ فلورقة اللوتس سطح ذو بنيةٍ مضاعفةٍ يتضمّن بنى ميكرومترية* ونانومترية** كارهة للماء، حيث تجبر السائل على البقاء على السّطح فتظهر وكأنها شطيرة وفق الترتيب التالي: الطبقة الصلبة/طبقة الهواء/السائل. (يمكنكم الاطلاع على مقالنا عن تأثير اللوتس هنا )

ويُضفي هذا التركيب -الذي تمّ تقليده في العديد من الأنظمة الصنعية- على أوراق اللوتس خاصيتي عدم الاحتكاك وعدم الالتصاق، فتتدحرجُ القطرات وترتدّ عن الأسطح فائقة الكراهية للماء دون احتكاكٍ أو التصاقٍ تقريباً، وتنزلق بسهولةٍ وسرعةٍ كبيرةٍ.

إذاً، ما الذي حقّقته شركة Liquglide؟ وما هي التطبيقات العمليّة لهذه المادّة؟

لقد عملت الشّركة على إظهار أنّ رشّ السطوح بجسيماتٍ كارهةٍ للماء ومادّة رابطة، بالإضافة إلى سائلٍ مُحتَجَزٍ وفق البنية المذكورة آنفاً، سيضفي خواصّ طاردةٍ فائقة، لها تطبيقاتٌ عديدة في الصناعات الغذائية والنفطية، ومجالات المِلاحة والآليّات.

كما أنَّ لمادّة الـLiquiGlide تطبيقاتٍ تساعد على التخفيض والحد من النفايات التي تُعدُّ من المشاكل العالمية. فبهذه الطريقة سيصبح هدرك للغراء والطلاء والمواد الغذائية والمنظفات وغيرها أقل.

يختلف تركيب هذه المادّة تبعاً لطبيعة الوعاء المستخدم، وطبيعة المادّة التي سيُملأ بها هذا الوعاء؛ فتُستخدم في الصّناعات الغذائية مثلاً، مواد نباتيّة قابلة للأكل. وبالطّبع، فإنّ الشّركة لم تُفصح عن التّركيب التفصيليّ لمُنتجها حفاظاً على ابتكارها.

*الميكرومتر: وحدة طول في النّظام الدّولي للوحدات، تعادل جزءاً من مليون من المتر، ويرمز إليها بـ µm.

**النانومتر: وحدة طول في النّظام الدّولي للوحدات، تعادل جزءاً من مليار من المتر ويرمز لها بـ nm.

المصادر:

هنا

ilm-perso.univ-lyon1.fr/~lbocquet/Review-Nanofluidics_revised.pdf