البيولوجيا والتطوّر > التقانات الحيوية

هل سينتهي عهدٌ من مقاومة الإريثرومايسين على يد الإشريكية القولونية؟

إن كنت قد عانيت من حبّ الشباب أو السّعال الديكي أو أيّ عدوى بكتيرية بالمُكوّرات العنقودية الذهبية أو المُكوّرات العُقدية المُقيّحة أو الرئوية، فلا بدّ أنّك قد تناولت صادّاً حيوياً يُسمّى الإريثرومايسين!

كلّنا يعلم أنّ البكتريا يُمكن أن تُصبح مقاومةً للصادّات الحيوية لأسبابَ عديدة. ولكن، ماذا لو تمكّن العلماء من مباغَتة هذه البكتريا المُعنّدة بأجيال جديدة من الإريثرومايسين؟ سنتابع في هذا المقال ملخّصاً للدراسة التي قام بها الدكتورPfeifer والتي استخدم فيها بكتريا الإشريكية القولونية ( (Escherichia coli (E. coli) لاستخلاص أصناف جديدة من الإريثرومايسين..

- لماذا نحن بحاجة إلى بحثٍ كهذا؟

في ظلّ ارتفاع المقاومة للصادّات الحيوية، فإنّ هذه الدراسة تمتلك أهمية خاصّة، سيّما أنّ الإريثرومايسين يُستخدم لعلاج العديد من الأمراض، ابتداءً من الالتهاب الرئوي والسُّعال الديكيّ وصولاً إلى التهابات الجلد والمجاري البولية. وبينما يتمّ تسليط الضوء غالباً على مخاطر الإشريكية القولونية، فإنّ غالبيّة أنواع هذه البكتيريا لا تُعدّ ممرضةً، ومن بينها تلك المُستخدمة في هذه الدراسة من قِبل فريقPfeifer وهو أستاذٌ مساعدٌ في الهندسة الحيوية والكيميائية من جامعة بوفالو في نيويورك، قام على مدى ما يزيد على عقدٍ من الزمن بدراسة كيفية هندسة بكتريا الإشريكية القولونية لإنتاج أنواعٍ جديدةٍ من الصّاد الحيويّ الشائع المُسمّى الإريثرومايسين.

- هل نجحوا حقّاً؟

تمكّن الدكتورPfeifer مع اثنين من زملائه من تحقيق ذلك، وذلك في دراسةٍ جديدةٍ، نُشرت في 29 أيار 2015 في مجلة Science Advances حيث قاموا باستخدام الإشريكية القولونية لاصطناع عشرات الأنواع الجديدة من الأدوية المُشتّقة من الإريثرومايسين التي تمتلك تراكيبَ مختلفة قليلاً عن الأنواع المتوفّرة حالياً. وقد تمكّنت ثلاثة أصناف من الإريثرومايسين من تلك التي قاموا باستخلاصها من القضاء على بكتريا Bacillus subtilis المُقاوِمةً للشكل الأساسيّ للإريثرومايسين المُستخدم في المعالجة السريرية.

يقول الدكتور Pfeifer: "إنّنا نصبّ جُلّ اهتمامنا على مُحاولة الحصول على صادّاتٍ حيوية جديدة يُمكنها التغلّب على مقاومة البكتريا للصادّات الحيوية. لكنّنا في دراستنا هذه، لم نقم باستخلاص أنماط جديدةٍ من الإريثرومايسين فحسب، بل قُمنا أيضاً بتطوير نقطة انطلاق تسمح باستخدام بكتيريا الإشريكية القولونية لإنتاج هذا العقار ممّا يفتح الباب أمام إمكانيات إضافية على مستوى الهندسة الوراثية في المستقبل، وربما قاد إلى أصناف جديدةٍ من الدواء".

- هل يُمكن اعتبار الإشريكية القولونية مصنعاً لإنتاج الإريثرومايسين؟

إنّ دَفْع الإشريكية القولونية لإنتاج صادّات حيوية جديدة يُعدّ بمثابة نصرٍ كبير للباحثين في هذا المجال، وذلك لأنّ هذه البكتريا تنمو بسرعةٍ كبيرة، الأمر الذي يُسرّع مراحل التجربة ويتطلّب بذل جهود كبيرةٍ لتطوير وزيادة إنتاج الدواء. إضافةً إلى أنّ الأنواع المختلفة من هذه البكتريا تقبل إضافة مورّثاتٍ جديدة إلى جينومها بسهولة نسبياً مما يجعلها خياراً جيّداً لعمليات الهندسة الوراثية في هذا المجال.

- إحدى عشر عاماُ من العمل على إنجاح هذا المعمل!

ركّزت أبحاث الدكتورPfeifer على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية على إجراء تعديلات وراثية على الإشريكية القولونية بحيث تتمكّن من إنتاج جميع المواد اللازمة لاصطناع الإريثرومايسين. يُمكن أن نُشبّه ذلك بتزويد مصنعٍ بجميع الأجزاء والمعدّات اللازمة لتصنيع سيارة أو طائرة مثلاً! أمّا الهدف الثاني لأبحاثه فهو تعديل الطريقة التي تقوم بها البكتريا المعُدّلة وراثياً باصطناع الإريثرومايسين، بحيث يكون الدّواء الذي تنتجه مختلفاً قليلاً عمّا هو مُستخدَمٌ اليوم.

- ما هو خطّ الإنتاج؟

تبدأ عملية اصطناع الإريثرومايسن بثلاثة مركّبات بنيوية أساسية تدعى ركائز استقلابية، وهي مركبات كيميائية تخضع لعدة تعديلات وتتحدّ من خلال عملية شبيهة بخطّ التجميع لتشكيل المنتج النهائي وهو الإريثرومايسين . وللحصول على أنواعٍ جديدة من الإريثرومايسن ذات تراكيب مختلفة قليلاً عن المركب الأساسي، يُمكن للعلماء ـ نظرياً ـ أن يستهدفوا أي جزءٍ من خط التجميع هذا، باستخدام تقنياتٍ متعددة تهدف إلى إضافة أجزاء ذات تراكيب تختلف قليلاً عمّا هو مُستَخدَم الآن (في خطّ تجميعٍ للسيارات، سيكون هذا أقرب إلى تثبيت مقبض بابٍ ذي شكلٍ مختلفٍ قليلاً).

ركّز الباحثون في دراستهم الجديدة على استهداف إحدى المراحل النهائية في عملية الاصطناع والتي كانت قد أثارت اهتمام العلماء في السابق. حيث اعتمدوا على استخدام الأنزيمات لربط 16 شكلاً مختلفاً من الجزيئات السكرية إلى جزيئة تُسمّى deoxyerythronolide B، وقد اتّحدت كلٌّ من هذه الجزئيات السّكرية بنجاح، وكانت النتيجة اصطناع أكثر من 40 نظيرٍ من الإريثرومايسين في نهاية خط التجميع. أظهرت التجارب المخبرية أنّ ثلاثة نظائرَ منها لها القدرة على التّصدّي للبكتريا المُقاومة للإريثرومايسين.

- إلى أين ستقودنا مصانع الإشريكية القولونية هذه؟

تكمن أهمية هذه الدراسة في أنّها تُعدّ حجرَ أساسٍ يُمكن الاعتماد عليه في استخدام الإشريكية القولونية لإنتاج أنواع مختلفة من الإريثرومايسين. وقد يتبادر إلى أذهاننا هنا سؤالٌ مُفاده: هل سيتمكّن العلماء من التوصّل إلى صادّاتٍ حيويةٍ جديدةٍ تستهدف أنواعاً أخرى من البكتريا المُعنّدة؟ ربما نجد جواباً على سؤالنا هذا في أبحاث جديدة ستجد طريقها إلى النور قريباً..

المصدر: هنا