الموسيقا > الآلات الموسيقية

الديدجريدو DIDGERIDOO: قصة صوت رافق البشر والشجر.

استمع على ساوندكلاود 🎧

ديدجريدو Didgeridoo هي التسمية التي يطلقها السكان الأصليون للقارة الاسترالية على هذه الآلة المقدسة لديهم والتي يعود موطنها الأصلي إلى شمال القارة في منطقة Arnhem Land، و تعتمد على النفخ واستخدام الشفاه كريشة للاهتزاز.

آلة الديدجريدو مزخرفة بطريقة غير تقليدية

bambù آلة مصنوعة من الخيزران

اختلفت التسميات التي أُطلقت على هذه الآلة والتي وصلت إلى أكثر من 50 اسماً وذلك بحسب أعراق القبائل واختلاف اللغات واللهجات بينها والتي تصل إلى 270 لغة و حوالي 600 لهجة في أستراليا وذلك بحسب توضع سكانها شمالاً أو غرباً. يطلق على هذه الآلة أسماء مختلفة مثل: (مالوك، يراك، ديغالوبو أو ديغوبيني maluk djalupu، djubini، )، لكن اسم الديدجريدو هو الاسم الأكثر شيوعاً حيث نقله المستعمرون الأوروبيون لأستراليا وتمَّ تناقله بين حضارات السكان الأصليين، تركيبة الاسم أتت من (ديد _جري_ دو) "did-ge-ridoo" وهي المقاطع الصوتية المستخدمة في العزف.

تُصنّف هذه الآلة ضمن مجموعة الآلات النفخية البوقية الشفاهية (تستخدم فيها الشفاه لإصدار الصوت) مثل الترومبون والهورن والترومبيت.

هذه الآلة هي عبارة عن أنبوب خشبي مفتوح من الجانبين ولها أشكال متعددة وأكثرها شيوعاً تلك المخروطية والتي تتسع تدريجياً كلما ابتعدنا عن المبسم باتجاه القاعدة، كما تنتشر أيضاً تلك التي على شكل أنبوب نظامي قطره من 3 سم الى 30 سم في النهاية، كما يبلغ طول الديدجريدو من متر ونصف إلى مترين ونصف ويبلغ بعضها أطوالاً أكبر، وهذا هو السبب الذي يغير من طبيعة الأصوات الصادرة عنها (timbriche) تيمبرو، بالإضافة إلى نوع النوطة الموسيقيه الصادرة منها والتي تزداد حدّة أو ثخانة حسب الطول لكنها تشترك دوماً بنفس تقنية العزف.

بدأ السكان الأصليون باستخدام هذه الآلة والحصول عليها من جذور شجرة الكينا eucalipto التي تعرضت لعمليات تفريغ من قبل النمل الأبيض الذي يُعرف أنه يبني مملكته في فروع الأشجار وجذورها الخشبية، حيث أنه يحفر بيوته في العمق باتجاه الماء و الرطوبة في الشجرة بحثاً عن الغذاء، وبذلك تفرغ هذه الجذور من الداخل مما يحولها لأنبوب.

بعد تنظيف الخشب وقشره وتلميعه تكون الآلة جاهزة ويتم تزيينها وزخرفتها بنقوش لها دلالات عند القبائل، وحالياً تُصنع من خلال حفر الخشب بعد تقطيعه طولياً، ومن ثمَّ يعاد لصقه من جديد على شكل أنبوب، أو  يمكن صناعتها من المواد البلاستيكية والفيبر بعد صبّها في قوالب خاصة.

تحدّثت أسطورتان عن تاريخ هذه الآلة: تعتمد الأولى قصة القبيلة التي وأثناء بحثها عن الطعام، وجدت جذر شجرة الكينا الكبير المجوّف والمسكون ببعض الحيوانات والحشرات، وعند دخول أحدهم لداخله لاستخراج ما فيه أصدر أصواتاً، فحاول أيضاً أن يطرق على جانب الأنبوب فأعجب البقية بذلك، وبدؤوا بالرقص فرحاً وطرباً.

أما الرواية الأخرى فتقول أن بعض النساء كنّ قد خرجن لجمع الحطب، ومن بين ما جمعوه كانت هذه الآلة التي بدأت تصدر أصواتاً بسبب مرور الرياح داخلها، الأمر الذي دعاهنّ لتقليد هذا الصوت الذي اعتبروه صوت الطبيعة.

لهذه الآله خصوصية، فقد كانت تستخدم في بعض الطقوس والعبادات، وحتى أنها كانت تُستخدم لأغراض علاجية في بعض الأحيان حيث يرافق العزف في الأنبوب قول بعض الكلمات (overtone singing) ما ينتج عنه أصوات هارمونية يمكن تحليلها وملاحظتها بوضوح في برامج التحليل الصوتي spectrogramبحيث يلاحظ وجود صوت ثابت pedal أو صوت أساسي وأصوات هارمونية توافقية.

أضف إلى ذلك فإنّ العازف وخلال العزف يقوم بالطرق مستخدماً عصا خشبيّة صغيرة لاعطاء إيقاعٍ مرافقٍ، كما يقوم باستخدام تقنية قلب النفس أو التنفس المستمر (أخذ الشهيق من الأنف والزفير من الفم)، بحيث يبقى الصوت مستمراً مختلطاً بين الكلام والنفخ، الهارموني والإيقاع، و يتم التبديل بين الشهيق والزفير من خلال المقاطع الصوتية التي تشكل الكلمات والتي يوجد لها تراتبية خاصة حسب الأحرف الصوتية أو الساكنة consonant/vocale فيلعب حينئذٍ التقطيع الصوتي الحرفي دوراً مهماً في تحديد الوزن الإيقاعي إن كان ثلاثياً أم رباعياً أم سداسياً.

إن الآلات الهارمونية (متعددة الأصوات)هي ظاهرة صوتية فيزيائية، وهي ذات تأثير مهم في الموسيقى الروحية العلاجية في اليوغا، أو العلاج الموسيقي في العديد من الثقافات، ولآلة الديدجريدو صوت يشبه الغناء الكورالي في معابد التيبت الذي يتميز بلون خاص ينقل المستمع الى عالم من السكينة والتأمل (شاهد المقطع 1)، لذا يعتقد سكان أستراليا الأصليون أن هذه الآلة هي هبة من شعوب ومخلوقات ما فوق الطبيعة، والذين فقدوا جزءاً منهم على الأرض خلال فترة الحلم أو النوم dream-time، كما يعتقدون أن هذه الآلة هي وسيلة التواصل بيننا وبينهم وذلك من خلال هذه الأصوات الهارمونية التي تصدرها.

أما حديثاً فقد أجريت دراسات نشرت في مجلة British Medical Journalتفيد بأن ممارسة العزف على هذه الآلة يخفف من متلازمة توقف التنفس أثناء النوم ( Obstructive sleep apnea OSA) والتي تسبب توقف التنفس لمدة 10 ثوانٍ وتنتشر بنسبه 2_4 % بين الفئات العمرية التي تتراوح أعمارها بين 40 _60 سنة، وأثبتت الدراسة أن ممارسة العزف على الديدجريدو لمدة 4 أشهر خفف العدد من 17 الى 2 ممن كانوا يعانون من هذه المتلازمة نظراً لأنه يساعد على تقوية بعض العضلات ويصحّح بعض التشوهات العضلية في المجاري التنفسية مما يخفف من التدخل الجراحي وذلك بسبب تقوية العضلات والجيوب في مجرى التنفس.

الجدير بالذكر أن العديد من الموسيقيين الأوروبيين اهتموا بهذه الآلة وتاريخها وطرق العزف عليها، بل وبتصنيعها أيضاً، حيث يُنظم لها ورشات تصنيع وتدريب وحفلات ومهرجانات، وشُكلت لها أيضاً جمعيات تروّج لها وتعمل على دراستها ومن أهمها Andrea Ferroni في إيطاليا، ويستخدمها أيضاً البعض في عمليات التسجيل الموسيقي الحديث أو في عمل ريمكس معين مع بعض الآلات الإيقاعية أو الوترية لتضفي على المقطوعات الموسيقية أجواءاً ساحرةً تدمج بين الصوت الضارب بالقدم وروح العصر. (شاهد المقطع 3)

لنستمع معاً لموسيقى هذه الآلة الجميلة:

1-

2-

3-

4-

5-

6-

المراجع والمصادر:

• Andrea Ferroni، Alberto Furlan The DIDGERIDOO discovery – Antichissimo strumento a fiato nel suo viaggio tra tradizione e modernità. Torino، Ed. Ass. Cult. Yidaki، 2006 ISBN 88-902348-0-6.

• Claudio Ricciardi L'albero che canta – Il didgeridoo Roma، Ed.Wondermark، 2011 -ISBN 9788896739099.

• Papi Moreno – DIDJERIDU. Suonare un albero. – ISBN 978-88-908665-0-0

• Rowan Coughlin – Il Didgeridoo: voce antica، spirito moderno. Termoli: Strade blu، [2001] ISBN 88-88116-07-9

هنا

هنا

هنا