الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

تشعر بالعطش؟... تناول كوباً من ماء البحر!

لا تعاني البشرية من ندرة المياه في المناطق القاحلة فقط بل تشمل الندرة جميع الحالات التي لا تلبي فيها إمدادات المياه الطلب عليها. يؤدي التلوث أو استغلال المياه الجوفية والسطحية إلى انخفاض كمية ونوعية الموارد المائية الطبيعية المتاحة مسبباً ندرة المورد الحيوي الأهم وتأتي زيادة السكان ومتطلبات الزراعة والصناعة لتزيد الأمر سوءاً. ... لكن مهلاً ألا تغطي المياه المالحة 70% من سطح الكوكب!... مياه مالحة دون ملح تعني ماءً عذباً فلمَ لا نستخدم هذا المورد؟!

تبادر هذا السؤال إلى سكان كاليفورنيا الأمريكية التي تعاني جفافاً غير مسبوق وهي في الوقت عينه تطل على الهادي؛ أكبر محيطات العالم. ليس حل المشكلة بهذه البساطة ولتبيان ذلك علينا البدء بالحديث عن أهم تقنيات تحلية المياه.

كان هنالك 12500 محطة تحلية حول العالم في العام 2002 موزعة على 120 دولة وتنتج حوالي 14 مليون متر مكعب من المياه العذبة والتي تشكل أقل من 1% من الاستهلاك العالمي. تعد الولايات المتحدة إضافةً لدول الخليج العربي، ليبيا والجزائر، من أهم مستخدمي المياه المحلاة خاصةً في ولاية كاليفورنيا وأجزاء من فلوريدا.

تقسم تحلية المياه أساساً حسب تقنية الفصل إلى حرارية وغشائية. يتم في الحرارية ببساطة تبخير مياه البحر وتكثيفها لفصلها عن الملح وتنتشر هذه الطريقة في الشرق الأوسط. الطرق الغشائية هي الأكثر انتشاراً في أوروبا وغيرها ومن أهمها طريقة التناضح العكسي Reverse osmosis، والتي بدأت تسيطر على حصة متزايدة من سوق هذه الصناعة ولو أن الطريقة الحرارية لا تزال مفضلة في دول الخليج العربي لتوافر النفط ولكونها مناسبة أيضاً في حال الرغبة بضمـّها إلى منشآت توليد الطاقة الكهربائية. يشار إلى أن تزايد السكان يعني الحاجة لمضاعفة استطاعة هذه المنشآت كما تعتبر آسيا نتيجة الانفجار السكاني بها مرشحة لتكون سوقاً مستقبلية سريعة النمو على المدى الطويل.

إن سبب انتشار طريقة التناضح العكسي وشيوعه عائدٌ إلى كونها الأقل استهلاكاً للطاقة ولو أنها أعجز عن التعامل مع المياه شديدة الملوحة كما أنها لا تقدم جودة مياه أفضل من الحرارية مثلاً. ما هو إذاً هذا التناضح العكسي؟

استخدم التناضح العكسي بادئ ذي بدئ لتركيز المواد العضوية في المحلول لقدرته على استبعاد جميع الغروانيات والمواد الذائبة تقريباً مما ينتج عنه محلول ملحي عالي التركيز من جهة وماء نقي تقريباً من الجهة الأخرى، وتعد تحلية مياه البحر الاستخدام الأكثر شيوعاً له اليوم. يستند التناضح العكسي إلى بوليميرات شبه نفوذة ففي حين تعتبر نفوذة جداً للمياه تكون نفاذيتها للمواد الذائبة منخفضة فتحتجزها وعن طريق تطبيق فرق ضغط عبر غشاء مصنوع من هذه البوليميرات تتم عملية التحلية.

يطبق ضغط يتراوح بين 55 - 68 بار لتحلية مياه البحر إذ تبدأ العملية بتجهيزات لشفط المياه يزال خلالها الشوائب وتضاف مواد كيميائية خاصة لمنع تراكم الأوساخ، يلي ذلك ضخ المياه لرفعها من مستوى البحر ولضغطها ثم تمريرها عبر الأغشية التي تفصل 98 - 99.5% من الأملاح بالاعتماد على نوعها. بعد ذلك تتعرض المياه لمعاملة إعادة المعادن Re-mineralization وتطهر بالكلور حتى تلائم معايير الشرب.

حالة كاليفورنيا:

كانت أربع سنوات من الجفاف المدمر في ولاية كاليفورنيا كفيلة بدفع المدن والمقاطعات في الولاية الذهبية للنظر جديّاً إلى إمكانية التحول إلى مصدر أكثر استدامةً واستقراراً لمياه الشرب وهو مياه البحار. فمع وجود المحيط الهادي المتاخم لشواطئها ربما تكون تحلية مياه البحر الحل الأمثل لهذه الولاية، لكن التحديات هنا كثيرة، أهمها التكاليف المرتفعة والأضرار البيئية المحتملة. ولمواجهة هذه التحديات، اتجهت كاليفورنيا إلى الشركات الرائدة في العالم في مجال تقنيات تحلية مياه البحر وهي الشركات "الإسرائيلية".

وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يعتبر عام 2014 ثالث أكثر عام جاف خلال الـ 119 عاماً الأخيرة، بالإضافة إلى أنَّ العام الجاري يبدو العام الأكثر حرارة في التاريخ المسجل، وهذا ما دفع كاليفورنيا لإعلان حالة الطوارئ. قامت إدارة الموارد المائية في كاليفورنيا بقياس المحتوى المائي على مستوى الولاية، والذي يتم الحصول عليه من ثلوج سييرا Sierra الغزيرة (التي تؤمن نحو ثلث المياه التي تستخدمها المدن والمزارع في ولاية كاليفورنيا) حيث وصل المحتوى إلى 5% وهو أدنى محتوى للمياه منذ عام 1950. نتيجةً لذلك أعلن المحافظ مؤخراً وجوب تخفيض استهلاك المياه على مستوى الولاية، وعلى الرغم من هذا، فليس للولاية الذهبية سوى عدد قليل من محطات التحلية الصغيرة.

يجري العمل حالياً على مشروع قيمته 1 مليار دولار في مقاطعة سان دييغو ليكون أكبر محطة لتحلية مياه البحر في نصف الكرة الغربي. وفقاً لشركة IDE والتي تعمل أيضاً على مشاريع لتحلية المياه في الصين والهند واستراليا فمن المتوقع لهذا المشروع أن يزوّد 300 ألف شخص بالمياه النظيفة ويزوّد الاقتصاد المحلي بحوالي 50 مليون دولار سنوياً.

سيكتمل المشروع إذاً العام 2016 ليكون قادراً على إنتاج ما يزيد عن 200 مليون ليتر من المياه الصالحة للشرب يومياً باستخدام التناضح العكسي، وتعتزم المدينة فرض دولار واحد لكل 616 ليتر من الماء لتعويض التكاليف. وقد صرّحت شركة IDE أن المشروع تجاوز صعوبات عملية وتنظيمية واقتصادية كبيرة لتقديم مياه بتكلفة منخفضة وبطريقة صديقة للبيئة.

واجه هذا المشروع انتقادات كثيرة بأنه مكلف جداً ويتطلب الكثير من الطاقة مما يجعل هذه التقنية ضارة بالبيئة. لكن الشركة تصرّح بأن تكاليف إنشائها للمشروع سيكون من بين أدنى معدلات التكلفة في العالم، وبإمكانها أن توفر الاحتياجات المائية لأسرة متوسطة بمبلغ يقدر بنحو 300 حتى 500 دولار سنوياً.

لكن مهلاً هل سيحل المحيط المشكلة؟

تستهلك ولاية كاليفورنيا الأمريكية سنوياً ما يقارب الـ 52 تريليون ليتر من الماء (أي مليون مليون ليتر) لتلبية احتياجات سكانها الضخمة وصناعاتها الزراعية الهائلة. يعادل هذا استهلاك 142 مليار ليتر في اليوم الواحد! أدى الانخفاض المستمر في معدلات الهطول خلال السنوات الأربع الماضية إلى تفاقم أبعاد الجفاف الذي تواجهه الولاية.

إن تكلفة الليتر على المستهلك والتي ذكرناها أعلاه (دولار لكل 616 ليتر) هي 80% أكثر مما تدفعه سان دييغو حالياً لتأمين المياه من مصادر خارج المقاطعة، أيضاً وبالرغم من ضخامة مشروع التحلية فإنه سيتمكن من تأمين 10% فقط من الاحتياجات الكلية، ناهيك عن أن استخدام خاصية التناضح العكسي يتطلب استخداماً للطاقة لا يمكن تجاهله.

توفر التحلية 35% من احتياجات سكان الكيان الصهيوني من مياه الشرب مثلاً، لكن عدد سكان كاليفورنيا يفوق عدد الإسرائيليين بخمس مرات، بالإضافة إلى أن الصناعات الزراعية في كاليفورنيا تفوق نظيرتها في الكيان بـ 32 مرة، مما يؤدي إلى تقليص فعالية عمليات التحلية الأمر الذي يفرض على الولاية ضرورة البحث عن استراتيجيات إضافية كإعادة التدوير وحفظ المياه إذا ما أرادت تجاوز أزمة الجفاف بسلام.

إذاً لا يكفي أن تملك مصدراً مستداماً لا ينضب كالمحيط لتحصل على ما تشاء من المياه فتجاهل الكلفة والطاقة ليس سهلاً أضف إليهما الاستطاعة المحدودة لمحطات التحلية والأثر البيئي الذي لا ينجم فقط عن استخدام الوقود في التحلية بل أيضاً عن إعادة المياه شديدة الملوحة الناتجة عن التحلية إلى المحيط حيث تسبب تدمير الحياة البحرية في المكان الذي تصب فيها هذه المياه. تدفعنا هذه الحقيقة إلى إدراك الخدمة البيئية العظيمة المتمثلة بالحصول على المياه العذبة الرخيصة من الآبار والأنهار والتي لا نتوقف عن هدرها باستمرار.

المصادر:

هنا

هنا

Fritzmann C., Löwenberg J., Wintgens T. and Melin T. (2007). State-of-the-art of reverse osmosis desalination. Desalination, 216(1–3): 1-76.

هنا

هنا

ترجمة: إيهاب شربا

ترجمة : اسماعيل الشيخ