الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

صحراء

تعد صحراء بادان جاران Badain Jaran Desert الجزء المركزي من الحديقة الجيولوجية الصحراوية الوحيدة المدرجة لدى منظمة اليونسكو، تقع في الجزء الغربي من منغوليا الداخلية بالصين. وهي رابع أكبر صحراء في العالم بمساحةٍ قدرها 49000 كم2، يحدها من الجنوب الشرقي جبال يباري Yabrai Mountains التي تفصلها عن صحراء تِنجر Tengger Desert، ومن الجنوب والجنوب الغربي جبال هيدي وبيداي والتي تفصلها عن ممر هكسي. يتناقص الارتفاع عن سطح البحر تدريجياً من حوالي 1800 م في الجنوب الشرقي إلى حوالي 1000 م في الشمال الغربي. إنَّ نهر Heihe في الغرب هو المجرى الوحيد بالقرب من هذه الصحراء، وتتميز صحراء بادان جاران بالكثبان الرملية الضخمة التي يبلغ متوسط ارتفاعها نحو 330 متر ويصل بعضها إلى 480 متر.


الشكل أعلاه يبين: (a) موقع منطقة البحيرات المدروسة - (b) منسوب المياه الجوفية والبحيرات

أما بالنسبة لمُناخ المنطقة فهو قاريٌّ، ويمتد موسم الأمطار من حزيران حتى آب، تنخفض كمية الهطول من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي (بمتوسط سنوي أقل من 90 مم)، ويزداد التبخر المحتمل من الجنوب إلى الشمال (بمتوسط سنوي قدره أكثر من 2500 مم!!)، وبالنسبة للهطول الثلجي فيبلغ متوسطه السنوي نحو 5.4 مم مكافئاً من المياه، حيث تسهم الثلوج في التأثير على محتوى التربة من المياه إلا أن تأثيرها يعتبر مهملاً بالمقارنة مع الهطول المطري!.


تتميز المنطقة بوجود العديد من البحيرات التي تغذيها المياه الجوفية بين الكثبان الرملية المستقرة وتقع معظم هذه البحيرات في الجنوب الشرقي، وحالياً تبلغ المساحة الكلية لـ 72 بحيرة نحو 23 كم2. وتبلغ مساحة أكبرها 1.5 كم2 بعمق يصل لـ15 متراً. بعض هذه البحيرات - وخاصة الأصغر من 0.2 كم2 - حساسة للغاية لتغيرات المُناخ ومستوى المياه الجوفية. والجدير بالذكر أنَّ معظم هذه البحيرات متملحة وتصل درجة الملوحة فيها إلى 330 غرام/ ليتر.


هل أُعطيَت المنطقة القدر الكافي من الاهتمام والدراسة؟؟


بقيت الصحراء غير مدروسة إلى حد كبير حتى 1990م حيث بدأت دراسات المياه الجوفية تنشط بشكل رئيسي في السنوات الأخيرة ومع ذلك لم يتم إجراء دراسات هيدروجيولوجية إقليمية شاملة، والآن تركز دراسات المياه الجوفية من قبل المجتمع الأكاديمي الصيني والعالمي بصورة متزايدة على مصادر المياه. فالمصادر المحتملة للتغذية المائية تتمثل بالهطولات المطرية على الحوض الصباب فوق الكثبان الرملية أو على المنحدرات والسفوح للجبال الموجودة في المنطقة الجنوبية إضافة للمياه الجوفية المتجمعة من هطولات مطرية سقطت سابقاً في مناطق قد تكون بعيدة جداً. وبناء على التشابه الذي تمَّ إيجاده بين تركيب المياه الجوفية في كل من الصحراء والمناطق الجبلية فقد تم التنبؤ بوجود صدع ضخم وعميق بين سهل Qinghai-Tibetan وجبال Yabrai يتسبب بتسرّب كميات هائلة من المياه.


تشير بعض الأدلة غير المباشرة إلى أن مساحة سطح بعض البحيرات آخذة بالتقلص على الرغم من أنَّ عدد الدراسات التي تمَّت لتقييم أوضاع المياه الجوفية الإقليمية ومصير البحيرات قليل نسبياً بسبب العزلة الجغرافية للمكان وصعوبة ظروف البيئة الصحراوية. ولكن قد تم اللجوء إلى استخدام بيانات الأقمار الصناعية لإثبات وجود انخفاضٍ بطيءٍ ومستمر في مستوى البحيرة ومخزون المياه الجوفية، وتم العمل تحديداً باستخدام المعلومات عن الجليد والغيوم وبيانات الأقمار الصناعية عن المناسيب لتحديد منسوب المياه في البحيرات وبيان التناقص في منسوبها الكلي بين عامي 2003م – 2009م.


أشار الباحثون والرعيان المحليون لوجود أدلة ميدانية تشير إلى تقلص تدريجي لمساحة بعض البحيرات وانخفاض في مستواها وبالاعتماد على المسافة الفاصلة بين شاطئ البحيرة وبين بعض الأشجار التي قام الرعيان بزراعتها في المنطقة يمكن تقدير التقلص في مساحة سطح البحيرة بنحو 10% خلال الفترة بين عامي 1983م و 1999م.


يمكن أن يوفر اتجاه تدفق المياه الجوفية المقدر من تغيّر مستويات مياه البحيرة معلوماتٍ حول العلاقة بين المناطق الصحراوية والمناطق المجاورة من حيث التغذية الجوفية. وقد أُخذت القياسات باستخدام أنظمة التثبيت الجغرافية GPS اليدوية ومع ذلك فهي لا توفر معلومات موثوقة عن مستوى المياه واتجاه تدفق المياه الجوفية بسبب انخفاض الدقة "الشاقولية". وحتى الآن لا تتوفر بيانات بأزمنة مختلفة إلا لعدد محدود من البحيرات وهي أدَّت لتقدير تغير في المنسوب يصل إلى نحو 25 سم سنوياً.


قدرت هذه الدراسة مستوى مياه البحيرة بدقة من خلال تحليل بيانات الأقمار الصناعية للمناسيب وحساب التغير في تخزين المياه الأرضية في الصحراء باستخدام بيانات الجاذبية المأخوذة بالأقمار الصناعية. ثم تم عزل تخزين المياه الجوفية بالاعتماد على الفرق بين كمية المياه الأرضية والتغير في كمية المياه في التربة. وبهدف التركيز على تغذية المياه الجوفية ومصير هذه البحيرات تم فحص البيانات المُناخية وتقديرات مناسيب وحجم المياه الجوفية.


تمت الاستفادة من بيانات عدد من البعثات ومهمات الأقمار الصناعية لبيان التغيرات في منسوب المياه الجوفية ونتائج أنظمة المحاكاة للمياه والتربة لبيان الانخفاض في منسوب المياه الجوفية في الصحراء على المدى الطويل.


الدراسة الجدّية للمنطقة وأولى مهمات الكشف والتحليل:


في كانون الثاني / يناير 2003م أطلقت مهمة القمر الصناعي ICESat لدراسة الجليد والغيوم والمناسيب وانتهت في شباط / فبراير 2010م. ووفرت هذه المهمة عدداً كبيراً من البيانات العالمية بدقة مرتفعة جداً تصل حتى 2سم، وأشارت البيانات إلى أن التغيرات في منسوب المياه في معظم البحيرات أكبر من مدى التغير السنوي النموذجي البالغ 25 سم وهي بالتالي تشكل انعكاساً لخصائص المياه الجوفية والتي تمتد لفتراتٍ طويلةٍ نسبياً حيث أن مستوى المياه في البحيرات آخذٌ في التناقص بشكل عام. ويدعم هذا الاستنتاج أيضا من خلال تقلص مساحة البحيرات خلال الفترة بين 2000م و2010م بالاعتماد على صور الاستشعار عن بعد. وبما أن تغذية البحيرات تأتي بشكل رئيسي من المياه الجوفية فإن التغير في مناسيبها يجب أن يعكس التوزع المكاني لمناسيب المياه الجوفية في المنطقة واتجاهات الجريان. وعلى الرغم من أن بيانات المناسيب للمياه في البحيرات قد تم أخذها خلال فترات زمنية متباينة إلا أن الفروق الزمنية بين قياس مناسيب البحيرات ليست مؤثرة بقدر الفروق المكانية لمناسيب المياه وخاصة للبحيرات التي تفصل بينها مسافاتٌ كبيرة.


يعود التباين في مخزون المياه الأرضية إلى عدد من العوامل بما فيها اختلاف المياه السطحية والمياه الجوفية ورطوبة التربة والمعادل المائي للثلوج. وبسبب عدم حدوث جريان سطحي في الصحراء إضافةً لكون الماء الناتج عن الثلوج لا يكاد يذكر يعزى تغير مخزون المياه الأرضية إلى التغيرات في مياه التربة والمياه الجوفية. وقد تم تحليل البيانات في تسع شبكات تركزت في منطقة البحيرة وتبين أن متوسط التغير الشهري في مخزون المياه الأرضية بين عامي 2003م – 2012م على هذه الشبكات كلها سلبية وتزداد السلبية تدريجياً بالانتقال من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.


يمكن عزل التغيرات في تخزين المياه الجوفية عن التغيرات في تخزين المياه الأرضية عندما تكون بقية المكونات محددة باستخدام قياسات حقلية أو نماذج مختصة، وقد تم باستخدام نظام تمثيل البيانات الأرضية العالمي تحديد قيم رطوبة التربة والمكافئ المائي للثلوج. يمكن القول بأن تغيرات التخزين في المياه الجوفية وتخزين المياه في اليابسة والهطولات المطرية تتوافق فيما بينها على المستوى الشهري. حيث يبدو أن التغيرات في تخزين المياه الجوفية وتخزين المياه على اليابسة تتم بنتيجة الهطولات المطرية. وتساعد الهطولات المطرية في تشكيل جزء كبير من تغذية المياه الجوفية، كما يبدو أن مياه التربة تتبع بشكل كامل للمناخ المحلي.


يوضح الشكل التغير الزمني لمخزون المياه الأرضية الكلي – مخزون الماء في التربة – مخزون المياه الجوفية – الهطولات المطرية

أما المياه الجوفية فهي لا تتأثر فقط بالمناخ المحلي إذ أن تخزينها استمر بالتناقص على المدى الطويل (الشكل 2) على الرغم من الهطولات المطرية الحاصلة وإذا علمنا بأن كميات الضخ من المياه الجوفية في الصحراء لا تكاد تذكر فلا بد من وجود عوامل إضافية مؤثرة. ويبلغ متوسط انخفاض منسوب المياه الجوفية نحو 21.8 مم سنوياً وهو ما ينعكس سلباً على منسوب المياه في البحيرات وخاصة الصغيرة منها.


وفقاً للبيانات فإن كلا من تخزين المياه في اليابسة ومخزون المياه الجوفية آخذٌ في التناقص، ولكنه لا يظهر في منسوب المياه لدى جميع البحيرات حيث يمكن لبعض البحيرات أن تحصل على تغذية مباشرة من الهطولات في حوضها الصباب أو من المياه الجوفية العميقة المحصورة والتي تشير إلى وجودها الينابيع التي تظهر حول البحيرات أو داخلها وهذه المياه تتميز بعمر وسطي يبلغ على الأقل عدة عقود. بالتالي فإن منسوب المياه في هذه البحيرات لا يستجيب بشكل مباشر للتغيرات في منسوب المياه الجوفية. أما البحيرات التي تعتمد بشكل مباشر على الجريانات والمياه الجوفية السطحية فهي تبدي استجابة مباشرة لتغيرات منسوب المياه الجوفية السطحية.


دراسة أمثلة تغيّر مخزون المياه الجوفية وآثرها:


بينت نمذجة المياه الجوفية في حوض Minqin انخفاضاً شديداً في كمية المخزون الجوفي السنوي بنحو 260 مليون متر مكعب كنتيجة لأعمال الضخ الجائر بغرض تلبية الطلب الزراعي والصناعي للمياه، وهو بدوره يؤثر في التخزين الجوفي للمناطق الجنوبية الغربية من نطاق الدراسة.


يشكل نهر Heihe الحد الهيدروليكي الرئيسي في الغرب والجنوب الغربي من الصحراء. وتم تطبيق قانون تنظيم المياه المعمول به منذ 2000م لاستعادة النظام الحيوي في النهر مما تسبب في تخفيض استهلاك المياه في الجزء الأوسط من النهر إلا أن استمرار اعمال الضخ بالقرب من نهاية النهر تتسبب في استمرار الخلل وتناقص مخزون المياه الجوفية في الأجزاء القريبة من نهاية النهر.


شهد حوض تشانغيه في الجنوب الغربي من الصحراء انخفاضاً في مستوى المياه الجوفية بقيم تبلغ 4 إلى 6 أمتار من 1980م إلى عام 2003م بسبب استخراج المياه الجوفية على نطاق واسع ومع ذلك بدأ مستوى المياه بالزيادة بعد عام 2003 نتيجة ذوبان الجليد من جبال كيليان ويُعتقد أن هطول الأمطار وذوبان جليد الجبال ازداد نتيجةً لتغير المُناخ مما أدى لزيادة تغذية المياه الجوفية والجريان السّطحي للنهر.


إن تأثير استخراج المياه الجوفية على المدى الطويل في المناطق المجاورة من الغرب والجنوب الغربي قد انتفى إلى حد ما بفعل إمدادات المياه اضافية لهذه المناطق بسبب الثلوج وذوبان الجليد من جبال كيليان في العقد الماضي. وقد انعكس ذلك على انخفاض مخزون المياه الأرضية في شبكات المناطق المجاورة وزيادة تخزين المياه الجوفية بشكل تدريجي.


وبالنتيجة لا تدعم هذه الدراسة الفرضية القائلة بأن الصحراء قد حصلت على كمية كبيرة من التغذية القادمة من جبال كيليان أو شينغهاي والتيبت، والتي كان يفترض أنها تصل عن طريق الصدوع الأرضية. حيث يتوضح الحجم الكبير للتغذية المطرية المحلية والإقليمية في جنوب شرق الصحراء أما التغيرات في مخزون المياه الجوفية فهي تتأثر بالمُناخ المحلي والهطولات على المستوى الموسمي، أما على المدى الطويل فتتأثر بأنماط الجريان الجوفية التي تسود المنطقة. وإذا استمر تناقص مخزون المياه الجوفية بنفس النمط فإن ذلك سيؤدي لتقلص البحيرات وحتى اختفائها في نهاية المطاف مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة كتدهورٍ أو حتى دمارٍ دائم في البيئة والنظام الحيوي لهذه الواحات.

المصدر:

Jiao J. J., Zhang X. and Wang X. (2015). Satellite-based estimates of groundwater depletion in the Badain Jaran Desert, China. Sci. Rep., 5.


هنا