التاريخ وعلم الآثار > التاريخ

عندما تختفتي رسومات الأسبقين في ما وراء المخطوط ... اكتشاف رسومات تعود إلى العصور الوسطى تم مسحها منذ قرون

تعود واحدةٌ من أهم مخطوطات العصور الوسطى في ويلز لتلقي بظلالها من الماضي بعد بحثٍ جديدٍ و عملٍ تصويريٍّ كشف عن وجوهٍ غريبةٍ و أبياتٍ من الشّعر كان قد تمّ محيها من التّاريخ. يعتبر "الكتاب الأسود" لكارمارثن الموجود في المكتبة الوطنية في ويلز و الذي يعود تاريخه إلى العام 1250 من أوائل مخطوطات العصور الوسطى الباقية حتى يومنا هذا و قد تمت كتابته في ويلز فقط، ويحمل الكتاب في طياته بدايات الإشارة إلى الملك آرثر و ميرلين.

و بالرّغم من أهميّة الكتاب الكبيرة و عقودٍ من الأبحاث الدراسية. فقد كشفت أبحاث قام بها طالب دكتوراه من جامعة كامبريدج أن الكتاب القديم ذو الـ 750 عاماً يحوي ومضاتٍ جديدةٍ محيرةٍ من الشّعر وبعض الصور.

يعتقد كل من ميريا ويليامز و البروفيسور المشرف باول راسل من جامعة كامبريدج، قسم الانجلو ساكسون، أن مالك الكتاب في القرن السادس عشر والذي من المرجح أن يكون اسمه جاسبرجريفيث من روثين، قد قام بشكل جزئي بمسح ما قيمته قرون من الشعر الذي تم جمعه بالإضافة إلى بعض الخربشات الشّعرية و الملاحظات الهامشيّة التي تمّت إضافتها إلى المخطوطة حيث أنها وقعت تحت أيدي العديد من الناس خلال السنوات الماضية.

إلا أن استخدام كل من تقنيتي الضوء فوق البنفسجي و برامج التحرير النّصية كانت قد كشفت ولع مالك المخطوطة في القرن السادس عشر بمسح أبياتٍ من الشّعر عكست بشكلٍ جزئيٍّ وجود نصوصٍ من الشّعر لم تكن معهودةً في أعراف شعر ويلز.

و في الوقت الحاليّ تعاني تلك النصوص من ركاكةٍ شديدةٍ و هي بحاجةٍ إلى المزيد من التّحليل بالرّغم من أنها تبدو كتتمة لقصيدة ما من الصفحة السابقة بالإضافة إلى قصيدةٍ جديدةٍ تمت إضافتها في ذيل الصفحة.

يقول ويليامز "من السّهل أن نعتقد بأننا نعلم كل ما يمكننا معرفته عن مخطوطةٍ كمخطوطة الكتاب الأسود، إلا أن رؤية تلك الأشباح تعود مجدداً من الماضي إلى الحياة أمام مرأىً من أعيننا يعتبر بحد ذاته أمراً مثيراً للغاية" ويضيف قائلاً "إن الرسومات و القصائد التي نحن الآن بصدد استعادتها تبرز قيمة إعطاء هذه الكتب أبعاداً أخرى."

ويضيف أيضاً "غالباً ما تحتوي هوامش المخطوطات على ملاحظات تعود إلى العصور الوسطى و بواكير العصور الحديثة، و يمكن لهذا الأمر أن يلقي الضوء على ما فكر به أجدادنا أثناء قراءته للمخطوطات. لقد تم تفسير الكتاب الأسود على وجه الخصوص بشكلً تفصيّليٍّ قبل نهاية القرن السادس عشر، وقد حملت استعادة النصوص التي تم مسحها الكثير لتخبرنا به عمّا كان يجري آنذاك و عمّا يمكنه أن يغيّر فهمنا له".

لقد قام كل من ويليامز و راسل بتقديم محاضرة في المكتبة الوطنية في ويلزتعد جزءاَ من معرضٍ كبيرٍ يسرد حياة و أعمال السيد جون برايس أحد ملّاك الكتاب الأسود، و ناقشا خلال المحاضرة اكتشافاتهم مشددين على أهميّة البحث الدؤوب عن أسرار المخطوطة.

يقول راسل "ما تم اكتشافه حتى الآن يعتبر غيضٌ من فيض من حيث ما يزال بإمكاننا اكتشافه مع تطوّر تقنيّات التصوير، كما و يضيف "تعتبر هذه المخطوطة ذات قيمةٍ فائقةٍ و أهميّةٍ كبيرةٍ بالرغم من أنه مازال أمامنا الكثير لنكتشفه عنها."

بصرف النظر عن أهمية هذه المخطوطة اليوم، فإن كتاب كارمارثن الأسود (سمي كذلك نسبة إلى لون الغلاف) لم يكن عملاً أساسياً و إنما هو مجرد كتابات فردية لكاتب كان يقوم على الأغلب بجمع و تسجيل أحداث حياته على مدى فترةٍ طويلةٍ من الزمن، و يتضح ذلك جلياً على صفحات المخطوطة نفسها حيث تظهر على الصفحات الأولى من المخطوطة نصوص كتبت على مساحةٍ واسعةٍ من الجلد المستخدم للكتابة آنذاك و على سطور متناوبة، في حين أنه تظهر على صفحات أخرى من المخطوطة - ربما حين كان الجلد المستخدم للكتابة نادراً- أن الكتابة كانت أصغر بكثير و السطور ضمن الصفحة الواحدة متلاصقة و عديدة.

إن الجهد المبذول في إنتاج الكتاب الأسود ينعكس في تعدد أنواع الأساليب الأدبية ضمن الكتاب. تتنوع هذه الأساليب بين نصوصٍ دينيّةٍ ألى شعر المديح إضافة إلى الشعر الروائي. و كمثالٍ على هذه الأخيرة يحوي الكتاب قصيدةٌ تروي مغامرات الأسطورة آرثر، حيث تصوّر البطل المشهور و هو يسعى إلى دخول بلاطٍ ملكيٍّ مجهولٍ و يقوم بتقديم مناقب رجاله طمعاً في الحصول على إذنٍ بالدخول.

في حين أنه كان يمدح ويرثى أبطال آخرين في نصوصٍ شعريّةٍ مطوّلةٍ جداً تعرف بـ "قصائد الأساطير المدفونة" و هي عبارة عن أشعار تمجد قبور أبطال الأساطير، حيث يقوم الرّاوي من خلالها بتحديد المعلم الجغرافي لأماكن دفن ثمانين محارباً بالترتيب على التوالي.

يظهر هنا أيضاً الأسطورة آرثر ولكن بقدرٍ محددٍ كما لو أنه يقول بأنّ من غير الممكن العثور عليه: "قبر آرثر هو أعجوبةٌ بحد ذاته." تذكر القصائد أيضاً شخصيّات أخرى مشهورة كـ "ميريدين" المعروف أكثر لدى الإنكليز بـ "ميرلين" وتنسب إليه قصيدتان ذات طابع تنبؤي خلال مرحلة تسمى "الرجل الجامح" ،تتمركز تلك القصيدتان في وسط المخطوطة، بالإضافة إلى ذلك فإن القصيدة الأولى من الكتاب تقدّم على شكل حوارٍ بين ميرلين و الشاعر الويلزي الشهير تاليسين.

منذ أن قام جيوفري مون ماوث - وهو رجل دينٍ و أحد أهم الشخصيّات في عصره التي ساهمت في تطوير علم التاريخ في بريطانيا - بإنتاج عمله "تاريخ ملوك بريطانيا" في القرن الثاني عشر، منذ ذلك الوقت توجد هناك صلة بين كارمارثن و ميرلين، و قد لا يكون من قبيل الصّدفة أن الكتاب الأسود يفتتح بهذا النص.

بمقاسات تقريبية تتراوح بين 17سم و 12.5 سم فإن الكتاب الأسود يضم 54 صفحة من الجّلد المستخدم للكتابة آنذاك وقد وصل إلى المكتبة الوطنية في ويلز في العام 1904 بعد أن تمّ شراؤه مع عدة مخطوطات أخرى من قبل مؤسس المكتبة السيد جون ويليامز.

يقول الدكتور آليد جروفيد جونز، أمين المكتبة الوطنية في ويلز و المدير التنفيذي كذلك "يعتبر هذا الاكتشاف الجديد مثيراً للغايّة وهو يدلّ على ما يمكن أن يظهر من اكتشافاتٍ بين المجموعات القديمة و الجديدة هنا في سوق المدينة التاريخيّ آبيرست ويث". و يضيف أيضاً "نحن فخورون بأن نكون جزءاً من هذا البحث المبتكر و أن نشارك فريق كامبريدج سعادتهم في هذا الاكتشاف."

المصدر:

هنا