الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

الليبرالية النسوية

لفهم الاختلافات في الحركات النسوية من المفيد الرجوع إلى بداية عقد الستينات من القرن العشرين، والظهور الجديد لمفهوم "حقوق المرأة" كموضوع للجدل السياسي في الولايات المتحدة. فبعد صدور التعديل الدستوري القاضي بمنح النساء حق الاقتراع، والذي لم يطبق فعليا إلا بعد اربعين عاما. كان هنالك حدثان رئيسيان في بداية الستينيات من القرن المنصرم، يرجع الفضل لهما في إنهاء الصمت تجاه هذا الأمر،الأول هو صدور كتاب (الغموض الأنثوي) The Feminine Mystique، عام 1963 لمؤلفته "بيتي فريدمان". والحدث الثاني: هو إنشاء اللجنة الرئاسية لمناقشة وضع المرأة بأمر من الرئيس الأمريكي "جون كنيدي" في العام 1961. فكيف أثر هذان الحدثان؟ وماهي المطالب التي أولاداها لدى المجتمع؟ وماهي الفروق بين الحركة النسوية الليبرالية عن مثيلاتها من الحركات الأخرى؟ وبماذا تميزت عنهم؟. هذا ما سنأتي به في مقالنا هذا.

تدل شعبية كتاب الغموض الأنثوي فور صدوره على الامتعاض المنتشر ضد الصورة النمطية ل "الزوجة السعيدة". وعلى حد قول فريدمان، فإن حياة النساء اليومية في الأحياء تختلف شديد الاختلاف عن الصورة السائدة، وتحتوي على صفات سيئة جدا. ونتيجة لذلك كان لزاما على الناشطات أن يناقشن سبب إبعاد النساء عن جميع أشكال الأنشطة العامة، والتي كان ينظر إليها بأنها تخص الرجال فقط. وقد طرح هذا النقاش في أحد أشكاله في الوثيقة المعنونة "المرأة الامريكية"، والتي أصدرتها اللجنة التي شكلها الرئيس كنيدي في العام 1963. وعلى الرغم أن الوثيقة لم تتطرق بالنقاش إلى المعايير التقليدية المتعلقة بوضع المرأة في العائلة، إلا أنها جادلت وبحدة ضد اقصائها من المجالات الأخرى. هذا إضافة إلى تبنيها فكرة "المسؤولية الرئيسية للأمهات وأرباب الأسر ومساهمة المجتمع في بناء حياء أسرية قوية"، حيث قامت اللجنة بتقديم توصيات مباشرة لتوفير خدمات حضانة الأطفال للجميع بغض النظر عن دخل الأسرة، كما اقترحت بخفض الضرائب فيما يتعلق بنفقات رعاية الأطفال للأمهات العاملات. وقد انبثقت من اللجنة التي شكلها الرئيس كنيدي عدة وكالات حكومية مثل "المجلس الاستشاري للمواطنين حول قضايا المرأة" و"اللجنة الادارية لقضايا المرأة" وغيرها من اللجان والتفرعات المهتمة بوضع النساء. هذه التجمعات قامت بخلق مساحة للحوار بشأن قضايا المرأة في حدود القانون واستقطاب المهتمين في هذا المجال. وتكمن أهمية المؤتمر الذي عقدته اللجنة الوطنية للتجمع في صيف 1966 في واشنطن العاصمة، في تشكيل "الهيئة الشعبية للمرأة". وأتت هذه الهيئة تلبية للحاجة الملحة في وجود منظومة حكومية متخصصة تدفع ببقية الفروع الحكومية المهتمة بحقوق الجماعات. ويتضح موقف "الهيئة الشعبية للمرأة" في قوانين حقوق المرأة والتي عقدت اجتماعها الوطني الثاني في العام 1967 في واشنطن. وقد تم تقديم منصة برلمانية للجان حزبي الديمقراطي والجمهوري ولكل مرشح للانتخابات العامة في عام 1968. وتحتوي هذه القوانين على ثمان مطالبات رئيسية:

1. تعديل دستوري لحقوق متساوية.

2. قوانين رادعة تحرم التمييز الجنسي في التوظيف.

3. حقوق الأمومة والولادة في مقر العمل وفي حوافز نهاية الخدمة.

4. خصومات في الضرائب لخدمة تكاليف رعاية الأطفال للأهالي العاملون.

5. مراكز لرعاية الأطفال.

6. تعليم متكافيء وغير متحيز.

7. فرص تدريبية متساوية وعلاوات للنساء المعوزات.

8. حق مكفول للمرأة في الولادة.

ولقد أحدثت هذه المطالب بعض اللغط، حيث اعترض اتحاد العاملين في قطاع السيارات على التعديل الدستوري المتعلق بالحقوق المتساوية. وكان تبرير الاتحاد وغيره من المعترضين أن هذه التعديلات الدستورية سوف تتعارض مع القوانين الأخرى المعنية بحماية حقوق العمال. واعترضت كذلك بعض النساء على نقطة حق الولادة بحجة أن الاجهاض ليس مشمولا في حقوق المرأة.

ومن المعروف أن درجة حاجة الحياة المجتمعية للتغيير تختلف مع اختلاف الثقافة المحلية، وجزء من هذا الاختلاف يتمظهر في الحركة النسوية. والاختلاف لايزال يتوالد بين الحركة النسوية الليبرالية ومثيلاتها الأكثر تطرفا. وهنالك فرق حين ننادي بحق المرأة في الاحتفاظ باسم عائلتها بعد الزواج وأن على الزوجين أن يتشاركا في الأعمال المنزلية، وبين الاعتراض على الامتيازات الممنوحة للمنظومة التقليدية للزواج والمعاشرة الجنسية. وبهذا نرى أن الليبرالية النسوية قد احتضنت مفهوم "الشخصي هو السياسي" أكثر من غيرها، ولكن هذا الأمر لم يمنعها من أن تكون أكثر حذرا في الدعوة إلى تغييرات سياسية ثورية.

ويحمل الفرق الأبرز بين الحركة النسوية الليبرالية ومثيلاتها الأكثر تطرفا، نتائج هامة فيما يتعلق بموقفها من العلاقة بين الحياة الخاصة والعامة. فبينما كانت الليبرالية النسوية شأنها شأن العديد من الحركات النسوية، تميل إلى التعاطف مع إعادة صياغة تعريف العلاقة بين الشخصي والعام، كان ذلك يعني بالنسبة لليبرالية النسوية أن يدخل تعريف الخاص كجزءا من العام من أجل فهم أوضح. وعلى هذا الأساس فإن هنالك تشابه بين الليبرالية النسوية والليبراليبة المدعومة من الحكومة في القرن العشرين، بما أنهم يعولون على الحكومة في حل المشاكل الاجتماعية. وكلا الموقفين يسعيان لمنح الحكومة المزيد من الصلاحيات والأنشطة التي كان يعتقد أنها من اختصاص المجتمع العائلي. وأمثلة على ذلك تطوير التعليم واستحداث نظام الضمان الاجتماعي وظهور هيئات عدة للرعاية الصحية. هذه الظاهرة، تظافرا مع التشريعات الرسمية، قد دعت البعض للمناداة لخلق مفهوم سياسي جديد فيما يتعلق بالقضايا الأسرية ونشاطاتها الأقتصادية. وذلك من شأنه أن يكسر الحد الفاصل ما بين ما هو عام وخاص. فلقد تحول اعتماد النساء على الرجال كأفراد، إلى اعتماد جماعي على المعونات التي تقدمها الحكومة نتيجة لضغط بيئة العمل. والوصاية الأبوية على المرأة قد انتقلت إلى المجال العام ومواقفها المتعددة المعارضة لليبرالية النسوية لا تخدم الحركات النسوية لرغبتها في إبقاء العام والخاص منفصلين، ويجب تغيير ذلك عن طريق إعادة بناء

المصادر:

Gender and History: The Limits of Social Theory in the Age of the Family (New York: Columbia University Press، hardback edition، 1986; paperback edition 1988).