البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

حُبيبات الإجهاد ودورها في انتشار الأورام السرطانية.

تكمن خطورة السرطان أو"الورم الخبيث" بشكلٍ عام في قدرته على غزو الأنسجة وتشكيل نقائل في مختلف أنحاء الجسم، سواءً عن طريق الدم أو اللمف، و عليه تُبنى مراحل المرض وشدة خطورته، مع العلم أن الإنذار يزداد سوءاً كلما عمّ الورم في العضو أكثر.

الدراسة التي نتناولها في هذا المقال، والتي قام بها باحثون في جامعة كولومبيا البريطانية، تتناول إحدى الآليات التي تستعين بها الخلايا الورمية على تشكيل هذه النقائل، ألا و هي حبيبات الإجهاد (Stress Granules).

حين تصبح الخلايا في ظروفٍ قاسيةٍ ومُجهدة، فإنَّها تعمل على إيقاف عملية تصنيع البروتينات وتُخبيء جزيئات الرنا (mRNA) الخاصة بها في ما يسمى "حُبيبات الإجهاد"، وكما ذكرنا فإنَّ حبيبات الإجهاد تتشكل عندما تكون الظروف المحيطة بالخلية قاسية (كوجود شدّة تأكسدية أو صدمة حرارية- 42ْم-، تعرُّض لأشعة فوق بنفجسية أو حالة نقص أكسجة)، في محاولة منها لتوفير الطاقة، ولتأمين مخزون كافٍ لإعادة تفعيل تصنيع البروتينات حالما تتحسن الشروط.

إذاً فهذه الحُبيبات تساعد الخلايا الطبيعية على تحمُّل الظروف الصعبة، ولكن للأسف فهي أيضاً تساعد الخلايا السرطانية على تحمل الظروف المُجهدة والاستمرار بالنمو والانتشار! وقد وجد العلماء بروتيناً يدعى YB-1 (والذي يتم التعبير عنه بشكلٍ كبير في العديد من أنواع السرطان) يتواجد أيضاً ويتراكم في حبيبات الإجهاد بشكلٍ كبير.

وقد وجد الباحثون أنَّ الخلايا السرطانية الواقعة تحت ضغطٍ كبيرٍ تحتاج الى ال YB-1 لتشكيل حُبيبات الإجهاد وبالتالي مساعدة الخلايا السرطانية على البقاء ومقاومة الظروف الصعبة. وقد اكتشف الفريق البحثي أنَّ YB-1 يرتبط مع جزيئات ال mRNA التي تُشفر لتصنيع بروتين ال G3BP1.

وقد أوضحوا في بحثهم أنّ البروتينين (YB-1) و G3BP1 يُسهّلان عملية تشكُّل حبيبات الإجهاد في الخلايا السرطانية. إذ يزداد التعبير عن البروتين G3BP1 في كثيرٍ من أنواع السرطان، منها سرطان الثدي، العنق، الكولون والدرق.

أمّا البروتين YB-1 فقد عُرِف عنه سابقاً أنَّه يلعب دوراً في في تموضُع حبيبات الإجهاد، وبقي دوره الدقيق في تشكيلها موضوعاً يسوده الغموض.

مع ذلك، فقد وجدت الجامعة البريطانية الكولومبية برئاسة الدكتور Paol Sorensen أنّ YB-1 يرتبط بالرنا المرسال المُشفر للبروتين G3BP1 محفّزاً إنتاجه.

"يرتبط YB-1 بشكل مباشر إلى المنطقة غير المترجمة 5′ (5′-UTR) من الرنا المرسال للبروتين G3BP1، و بالتالي يتحكم بتوافر G3BP1، الذي يشكل نواة لتجمع حبيبات الإجهاد" كما ورد على لسان الباحثين.

لالإضافة الى ذلك ، فإنَّ تعطيل الجين المسؤول عن التعبير عن البروتين YB-1 في خلايا ساركوما بشرية يؤدي لانخفاض تشكيل كل من G3BP1 وحبيبات الإجهاد في المختبر؛ أما زيادة التعبير عنهما فهو مرتبط إلى حدّ كبير بحدوث الساركوما عند الإنسان، ونخصّ بالذكر البروتين G3BP1 المرتبط بمعدلات بقاء ضعيفة.

و لتحديد دور YB-1 في الحيوانات، قام الباحثون بزرع خلايا سرطانية في الفئران، بعضها يعبر عن هذا البروتين وبعضها الآخر لا يفعل. وبعد مضيّ شهر، وجدوا أنَّ الخلايا الورمية القادرة على تصنيع ال YB-1 حملت كمية أكبر من حبيبات الإجهاد مقارنة بالخلايا التي لا تعبر عن البروتين YB-1.

وقد أتبعت الدراسة السابقة بأخرى قام بها الباحث Sorensen و زملاؤه، إذ قاموا بزرع خلايا سرطانية في الفئران بعضها يعبر عن البروتين G3BP1 وبعضها الآخر لا، فوجدوا أنّ الخلايا الورميّة التي تعبر عن G3BP1 احتوت على كمية من حبيبات الإجهاد، أكبر من تلك التي لا تعبر عنه، وتمكنت أيضاً من تشكيل نقائل للانتشار.

انطلاقاً من هذه النتيجة، توصّل الباحثون إلى آلية لمنع تشكيل حبيبات الإجهاد، ومنع نقائل الرئة بشكل نهائي في طعوم الساركوما لدى الفئران مخبرياً، وذلك من خلال تثبيط التعبير عن البروتين YB-1، و بالتالي زيادة حساسية الخلايا الورمية للشدة التأكسدية ولو جزئياً، و تجريدها من إحدى وسائل حمايتها لنفسها أثناء تطبيق العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، تمهيداً للقضاء عليها ومنع انتشار الورم.

نخلُصُ إلى أنّ هذه الدراسة تشكّل نواةً لاستراتيجية جديدة لمنع تشكّل النقائل الورمية، حيث أظهرت دور البروتين YB-1 في تشكيل حبيبات الإجهاد ضمن الخلايا الورمية، وبالتالي إمكانية استغلاله كواسم نقيليّ، و الاستدلال من خلال مستويات التعبير عنه على مدى عدوانيّة الورم، ومعدل البقاء للمريض، إلا أنَّه يجب إجراء المزيد من الأبحاث حول ارتباط تشكل حبيبات الإجهاد و كبح انتشار النقائل.. نأمل أن يصل العلماء الى النتائج الدقيقة قريباً لنتمكن من القضاء على انتشار الأورام نهائياً.

المصادر:

هنا

هنا

البحث الأصلي: هنا