كتاب > روايات ومقالات

ألفُ شمسٍ مشرقة... عندما يتغلب الحبُّ على ظُلمات الحرب.

استمع على ساوندكلاود 🎧

بعد النجاح المبهر لكتابه "عداء الطائرة الورقية" وتحويلها لفيلم سينمائي، يعود خالد حسيني بكتابه الجديد الذي أقل ما قاله عنه النقاد بأنه أفضل من سابقه.

" كلُّ ندفة ثلج هي تنهيدةٌ ثقيلةٌ من امرأةٍ محزونة في مكان ما في العالم. كل تلك التنهيدات التي

تنساق باتجاه السماء تتجمع في الغيوم ثم تتساقط بهدوءٍ على شكل قطع صغيرة على الناس.

تذكيراً بالنساء اللواتي يعانينَ مثلنا، كيف نتحمل بصمتٍ كلَّ الذي يقع على كاهلنا دعيني أخبركِ

شيئاً قلبُ الرَّجل مثيرٌ للأسى؛ إنه مثيرٌ للأسى يا مريم إنه ليس كرحم الأم إنَّه... لا ينزف الدم".

بِبدايةٍ تُشعِلك بالمشاعرِ المتناقضة، لِتدخل عالمَ طفلةٍ صغيرة تعيش مع أمٍ تعتمد القسوة أسلوبَ تربيةٍ، لِتُعلم ابنتها أن هذا ما ينتظرها في العالم، وأبٍ يبدو وكأنَّه يحاول بكلِّ جُهده ليكفّر عن ذنبِ ترك ابنته تكبُر بعيداً عنه.

كتابٌ يأخذك لبلدٍ تعمّه الحروب، ويفقد فيه الناس حياتهم من دون ذنب سوى أنهم ولدوا في مكان وزمان خاطئين، أفغانستان بلدُ الضحايا والدّمار... رأى كاتبنا أنّه مازال مسكوناً بالأمل عندما أطلق على قصة بطلتنا الصغيرة عنوان (ألف شمسٍ مشرقة). بحروفٍ بسيطة يتحدث الكاتب عن فترة حرب مؤلمة بلمسة أملٍ صغيرة لا تخبو من بين السطور، يروي قِصصَ شخصياته ليؤكد لنا أنَّ الحبَّ بأوجهه المختلفة قادر على الانتصار حتى على أكبر حروب العالم و أشرسها.

تدور أحداث الرواية في فترة حكم الشاه لأفغانستان وبداية الاحتلال السوفيتي، والتّقلبات التي أدت لظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة ومن ضمنها "حركة طالبان"، التي تمكنت من السيطرة على البلاد لاحقاً.

فتاةٌ بنعومة غصنٍ غضٍ، وُلدت لتجد نفسها تدفع ثمن أخطاء لم ترتكبها منذ الصغر، تعيش في عالم والدتها الفقير، تتربى على يديّ امرأةٍ يسكنها الألم، فتاةٌ تنتظر شهراً كاملاً لتلتقي أباً يقص لها حكايات عالمٍ ملوّن تعيشه فقط من خلالِ كلماته. بعد حياتها في العزلة لخمسة عشر عاماً، تقرر مريم الصغيرة الخروج من كوخ أمها لرؤية أبيها في بيته مع عائلته من دون علمٍ بأنَّ رحلة صغيرة لا تستغرق وقتاً طويلاً ستشكل مفرقاً يغير حياتها للأبد، لتأخذ بنا الأسطر منحىً غير متوقع يدخلنا بدوامةٍ من الأحداث التي حَولت مريم من مراهقة أكبر طموحاتها مشاهدة فيلم في السينما إلى امرأةٍ في بيت رجلٍ غريب وزواجٍ حاكه لها القدر الغادر، بقيت الأيام تمر ثقيلةً على مريم ولم تشرق أيٌّ من الشموس بل ازدادت العتمة يوماً بعد يوم.

أما ليلى.. الفتاة الصغيرة التي منحها القدر أباً علّمها أن الحياة جميلة وأنه حتى في أقسى الأماكن وأكثرها ظلمةً تستطيع أن تجد براعماً للإنسانية. ليلى الصغيرة بحبها الشديد لوالدها ولابن جيرانٍ طائش، أزعجت فرحتها.. القدر فمن المنافي للواقع أن تحيا في بلد حروب ونزاعات وألا تعاني، فصحح القدر غلطته معها وسلبها كل شيء، عانت الخسارة بأسوأ صورة بسبب طمع رجالٍ اعتقدوا أنَّ الحرية هي ملكهم وهم يمنحونها لمن يشاؤون.

تداخلت حياة الفتاتين في وقت كانت كلٌ منهما بأشد الحاجة لأحد آخر، لكن الحروب تمكنت من فعل ما تتقنه أكثر من أي شيء، زرعُ الشك والفتنة في أنقى الأماكن. في كلِّ صفحة من الرواية يبدع الكاتب بتقديمه لصورٍ عن حياة المرأة الأفغانية، في وقت ازداد فيه انتشار الجهل بسبب الفّقرِ والحرب الدائرة بالبلاد، فَنجدُ وصفاً لِتفاصيل حياة شخصياته بمهارة تجعلك جُزءاً من عالمهم تعيش معهم أجمل لحظاتهم وأقساها، كما يقدم كمّاً كبيراً من المعلومات عن بلدٍ ذو حضاراتٍ متنوعة، وثقافاتٍ متداخلة، ومكونات إثنيةٍ وعرقيةٍ ودينية، تشكل شعباً يشترك بالمعاناة قبل أي شيء آخر. بلدٌ تكاد فيه حقوق المرأة أن تنعدم نتيجةً لعقولٍ ذكوريةٍ متسلطةً وتتمتع بحقَّ التحكم بحياة الأُنثى.

معلومات قُدِمَت بأسلوبٍ قصصيٍ سهل، من خلال حكاية سيدتين في فترة التقلبات القائمة في البلاد ورِحلة عائلةٍ صغيرة لم ترضَ أن ترضخ لحربٍ أو لجهل.

بصفحات لا تتوقف عن مفاجأتنا مع كل كلمة من كلماتها بحدثٍ غير متوقع، وبحذاقة أديبٍ استلَّ قلمه ليقدم لنا أحداث وتاريخ وطنٍ متعب، بأسلوبٍ سلسٍ يدفعك للتشبث بالرواية فتلتهمها بعينيك من دون ملل.

-----------------------------

رواية: ألف شمس مشرقة.

الكاتب: خالد حسيني.

ترجمة: مها سلمان مسعود.

الطبعة الأولى 2010.

عدد الصفحات: 415.

دار دال للنشر دمشق سورية.

الرقم الدولي: 9789995129.