العمارة والتشييد > التصميم المعماري

مشاريع معمارية معقدة ضمن مناخات لا تقل تعقيداً

غالباً ما تواجه الأفكار المعمارية الخلاقة تعقيدات خارجية وتقنية تعيقها أو تحد منها. لكن ليس بعد الآن.

هذه الأبينة المقامة في أغرب الأماكن النائية وأصعب الظروف المناخية تثبت أنّه لا حد لإبداع الإنسان، وأنّ لا يشيء يهزم الطموح والإرادة.

-------------

لقد رأينا العديد من المشاريع الغريبة التي وعدت بنشر أمثلة رائعة من فن التقنيات التي تتعامل مع متطلبات الطاقة والظروف المناخية القاسية، ولكن كم من هذه المشاريع قد تم تنفيذه فعلا؟

الأسقف الخضراء المدورة، والمستوطنات القمرية التي تشبه جنات عدن، والمنشآت المستقبلية الضخمة التي تكثر من استعمال المواد المتجددة؛ جميعها تعد بعمارة منسجمة مع بيئتها المباشرة والظروف المناخية المحيطة. وهذا مايجعلنا نبحث عن الجدوى الاقتصادية والتقنيات الخاصة المستخدمة في مشاريع معقدة بشكل لايقل عن البيئة الموجودة فيها.

عندما يتعلق الموضوع بالظروف المناخية والطبوغرافية القاسية مثل درجات الحرارة تحت الصفر، وشهور الجفاف المتواصل، والمواقع التي يتعذر الوصول لها؛ تصبح الكفاءة المكانية والطاقيّة النقطة الأساسية في عملية التصميم والبناء. وعادةّ ما يكون التصنيف السائد للمشاريع المبنية في هذه المواقع النائية هو مراكز أبحاث ومراكز لوجستية ومواقع بعيدة بنيت من أجل أهداف علمية أو صناعية من جهة، ومن أجل منتجعات فاخرة وغريبة ولافتة للأنظار من جهة أخرى.

من أهم هذه المشاريع التي تم تنفيذها أو المخطط تنفيذها:

1- محطة أبحاث الأميرة إليزابيث Princess Elisabeth

تمّ بناء مبنى الأميرة إليزابيث Princess Elisabeth للأبحاث في منطقة نائية من القارة القطبية الجنوبية

ثُبّتت المحطة القطبية عديمة الانبعاث على تلال من الغرانيت على ارتفاع (4534) قدم -ما يعادل 1382 متراً تقريباً- شرق القارة القطبية الجنوبية على بعد حوالي (220) كيلو متر من الساحل.

غلاف المحطة صمم على شكل طبقات بطريقة تزيد من توزيع الحراة واستخدام الطاقة، في حين أنّ شبكتها الذكية التي تم تطويرها من قبل Schneider Electric and GDF Suez

أثبتت كفاءة تفوق بثلاث مرات أي شبكة طاقة تقليدية موجودة حالياً، حيث يتم تنقية المياه وإعادة استخدامها للاستحمام والمراحيض وآلات الغسيل.

2 - محطة أبحاث هالي السادس Halley VI

تم بناؤها أيضاً في منطقة نائية من القارة القطبية الجنوبية، وهي أول محطة أبحاث منقولة بالكامل في العالم, مخصصة لتقديم معلومات عن استنذاف طبقة الأوزون، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتغير المناخ.

شكلها الحالي هو نتاج مسابقة دولية أقيمت في عام 2006. وهي تتألف من ثماني وحدات، كل منها على قمة مجهزة للتزلج, إضافةً إلى سيقان هيدروليكية hydraulic legs مصممة لتتلائم مع المستويات المتفاوتة من الثلوج.

الوحدات الزرقاء تؤمن أماكن السكن والمكاتب والمخابر لحوالي (70) باحثاً, في حين تتضمن الوحدة الحمراء المركزية الأماكن العامة لتناول الطعام والاسترخاء.

3 - حجرة المعيشة البيئية في جبال الألب LEAP Living Ecological Alpine Pod:

مبنى آخر على شكل وحدات بغلاف عالي الأداء يقع في جبل Grandes Jorasses ضمن سلسلة Mont Blanc في جبال الألب التي تقع على الحدود بين فرنسا وإيطاليا، في إقليم massif الفرنسي.

تتألف حجرة المعيشة البيئية في جبال الألب LEAP من غلاف قشري مركب مصنوع من الألياف الزجاجية والراتنج (مادة صمغية)، هذه البنية الخفيفة جدا" تؤمن مقاومة ميكانيكية عالية، وقد تم بناؤها خارج الموقع ونقلت إلى الموقع بواسطة طائرة هلكوبتر وتم تجهيزها بتقنية تزود الأجهزة بالطاقة للأجهزة وتسمح بالرصد والتحكم عن بعد.

4 - ملجأ Goûter :

يقع مبنى Goûter المجاور على ارتفاع (12,582) قدم – مايعادل 3835 متراً تقريباً- ، وهو مأوى لمتسلقي الجبال الذين يحاولون التغلب على أعلى قمة في أوروبا.

مع وجود رياح غالبا" ما تتجاوز سرعتها (300) كلم في الساعة، كان على المصممين التأكد من أن المبنى له أسس سليمة، وتتألف الأساسات من (69) مرساة متراكمة في الصخور الصلبة مع متوسط عمق حوالي (39) قدم – ما يعادل 11 متراً تقريباً - ومدعمة عن طريق أرضية فرعية مصنوعة من شبكة قوية من العوارض والدعامات الأفقية.

وتجعل الألواح الشمسية المتوضعة على الأسطح والواجهات من المبنى مكتفياً ذاتياً بشكل كامل، في حين تؤمن التهوية المزدوجة ثنائيّة التدفق جواً مريحاً.

يستخدم نظام الطرد في الصرف الصحي (1.2) ليتر من الماء في كل عملية تصريف، بتقنية معالجة مشابهة لتلك المستعملة في الغواصات.

5 - فندق Kouvo & Partanen

على بعد 6,300 ميلاً إلى الغرب من جبال الألب توجد صحراء Atacama التشيلية شديدة الجفاف، حيث يوجد التلسكوب المتطور (ALMA) والتلسكوب الضخم (VLT).

إنّ هواء الصحراء الجاف واللطيف يجعل من Atacama واحدة من أفضل الأماكن في العالم لرصد السماء ليلا"، وعلى الرغم من أن درجات الحرارة ليست مرتفعة جداً، إلّا أن المباني المقامة في هذه الصحراء يجب أن تكون قائمة على الحماية من أشعة الشمس نهارا"، ومنع فقدان الحرارة ليلا".

في عام (2011) أقامت المنظمة الأروبية للأبحاث الفلكية في نصف الكرة الجنوبي مسابقة لتصميم فندق في قلب هذه الصحراء في خاصرة جبال الأنديز التشيلية. وكان المقترح الفائز من تصميم المعماريين الفنلنديين Kouvo & Partanen، والذي سيتوضع على ارتفاع (5,900) قدم – ما يعادل 1798 متراً- من مستوى سطح البحر ويحتوي على 120 غرفة ومطاعم ومكاتب ومناطق ترفيهية. وقد صمم المبنى على شكل هيكل من المدرجات المنحنية، مع العديد من الفناءات الداخلية.

وينتظر من ألواح الطاقة الشمسية المقترحة أن تؤمن الطاقة في حين أن الأسقف المعالجة حدائقياً والمصنوعة من مواد محلية المصدر في حين يتوقع من الأسقف الطبيعية المصنوعة من مواد محلية المصدر، إضافة لهياكل التظليل المتعددة أن تقوم بمعالجة الحرارة والتغيرات الحرارية السريعة.

6 - مشروع غابة الصحراء الكبرى Sahara Forest Project:

عندما يتعلق الأمر بالبناء في المناطق ذات المناخ الجاف والحار، فإنّ مشروع غابة الصحراء الكبرى هو المحاولة الأكثر طموحا" والأبعد مدى حتى الآن. فهو يهدف إلى إعادة الغطاء النباتي لأجزاء من هذه الصحراء بالتعاون مع منشأة التطوير والبحوث الواقعة في قطر. ونظراً لكونه تدخلاً بيئياً وصناعياً أكثر من كونه معمارياً، فأنّ المشروع يهدف إلى زرع محاصيل قادرة على المنافسة في السوق في المناطق الصحراوية.

البيوت البلاستيكية المبردة باستخدام المياه المالحة، والطاقة الشمسية المركزة، بالإضافة إلى إعادة الغطاء النباتي للصحراء باستخدام بنية تحتية من المياه المالحةهي إحدى الاستراتيجيات التقنية المخطط لها في إعادة تكوين القارة.

7 - منتجع Poseidon المغمور تحت الماء:

أثبت البناء تحت الماء صعوبة بالغة، حيث رأينا الكثير من المشاريع الطموحة التي ألغيت بسبب الظروف القاسية الموجودة في بيئة تحت الماء. ولكن من بين هذه المشاريع ما قد بُدء ببنائه بالفعل ألا وهو منتجع Poseidon المغمور تحت الماء، والذي من المتوقع أن يكون أوّل فندق تحت الماء.

ويتوقع للهيكل الذي يقع على عمق يصل إلى (40) قدم – مايعادل 12 متراً تقريباً- أن يغطي مساحة (500) فدان، ويشمل 51 جناحاً وفيلات ومطاعم ومناطق للنشاطات الترفيهية. حوالي 70% من الهيكل سيكون شفافاً ويوفر إطلالة مذهلة على المحيط بنفس الروعة التي تخيلها الروائي الفرنسي Jules Verne نفسه.

سيتم تجميع الهيكل بكامله على الحوض المخصص لبناء السفن وسحبه إلى الموقع مثبتا" على ركائز منقادة مسبقا" إلى الموقع، ومن المتوقع أن يكون جاهزاً للعمل بطاقته الكاملة خلال(48) ساعة فقط من التثبيت.

كان من المخطط أن يفتتح المنتجع في عام (2008) ولكنه قد تأجل عدة مرات منذ ذلك الحين. ونقلا" عن الموقع الرسمي للمشروع فإن مرحلة التصميم والهندسة انتهت، وتقوم الشركة الآن بالبحث عن مزود للإكريليك الشفاف.

---------------

إنّ المشاريع المقامة في هذه المناطق شديدة التعقيد ماهي إلا دليل على أن العمارة تستطيع أن تجد حل لكل شيء، وخصوصا مع تقدم العلم وتطور الأجهزة والتقنيات اللازمة، فضلا" عن الدراسات المعمقة للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة.

والآن هل تعتقد أنّ هناك مكاناً على الأرض لم يعد بمقدور الإنسان غزوه وترك بصمة ضمنه.

معلومات عن بعض المصطلحات والأسماء الواردة في النص:

(ALMA): Atacama Large Millimeter/submillimeter Array:

هو شراكة دولية بين أوروبا والولايات المتحدة وكندا وشرق آسيا وجمهورية تشيلي كلف حوالي (1.4) مليار دولار أمريكي، وهذا هو أغلى تلسكوب أرضي.

Vlt: very large telescope:

تلسكوب كبير جداً شمال تشيلي (Atacama) وهو تداخل فلكي من التليسكوبات اللاسلكية في الصحراء.

Jules Verne:

كاتب وروائي وشاعر فرنسي اشتهر برواياته الخاصة عن المغامرات وتأثيره الكبير على هذا النوع الأدبي من الخيال العلمي.

Schneider Electric (SE):

هي شركة متعددة الجنسيات الأوروبية التي تتخصص في توزيع الكهرباء، وإدارة الأتمتة وتنتج مكونات التثبيت لإدارة الطاقة.

الساق الهدروليكية :

تعمل على رفع المبنى عن الأرض في حال وجود طبيعة جغرافية قاسية كالثلوج.

تعلق زاحفات على القسم السفلي من الساق ليصبح من الممكن سحب الساق في حال وجود ضرورة لنقل المبني.

Engie, previously GDF Suez:

وهي شركة طاقة كهربائية متعددة الجنسيات مقرها في La Défense تعمل في مجالات توليد وتوزيع الكهرباء والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.


المصدر:

هنا

حقوق الصور:

International Polar Foundation

British Antarctic Survey

LEAP Factory

Group-H

San Jose Astronomical Association (pic of telescopes-Wikimedia Commons)

Kouvo & Partanen

Sahara Forest Project

Poseidon Undersea Resorts