الكيمياء والصيدلة > مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة

كريمات التجميل .. بين الأسطورة والحقيقة - الجزء الثاني

اقتحمت مؤخرًا مواد جديدة العالمَ الصيدلاني والتجميلي على حدٍّ سواء؛ وتحوي هذه المواد عناصر فعالة حيويًّا تُوظَّف لأغراض تجميلية، وعلى ذلك؛ فقد اصطُلِح على تسميتها بالـ Cosmeceuticals.

 

تحدثنا في القسم الأول عن ثلاث فئات من المواد الداخلة في تركيب كريمات التجميل

(لقراءة القسم الأول  هنا  )

وسنحدثكم في القسم الثاني عن الببتيدات الموضعية.

 

الببتيدات الموضعية:

تتكون هذه المواد من أحماض أمينية مُصمَّمة خصيصًا لتُحاكي مكونات طبيعية في الجسم ذات وظائف حيوية. ويتكون غالبها من طلائع كولاجينية تعمل على زيادة تصنيع الجسم للكولاجين؛ وبهذا تأخير شيخوخة الجلد.

ونظرًا إلى أهمية هذه المواد في الآونة الأخيرة؛ فإننا سنلقي إليها نظرة أكثر عمقًا وسنُركِّز على النوع الأهم من هذه الببتيدات؛ ألا وهو الببتيدات الخماسية Pentapeptides:

وهي مجموعات صغيرة من الأحماض الأمينية الطويلة السلسلة، تعمل بوصفها رسائل كيميائية خلوية. وكانت معظم الدراسات التي أُجرِيت على هذه المواد هي دراسات أجرتها الشركات المُنتِجة للمستحضرات الحاوية على هذه الببتيدات؛ فهي بهذا ليست ذات مصداقية لكونها تصبُّ في مصلحة الشركات تجاريًّا. ولكن؛ هناك دراسة واحدة أُجرِيت ضمن شروط التجارب العلمية المُعترَف عليها عالميًّا من حيث المصداقية والاعتراف، وتناولت هذه الدراسة مادةً من الببتيدات الخماسية تُسمَّى: ميتول خماسي الببتيد Palmitol Pentapeptide، وقد جُرِّبت هذه المادة على 93 امرأة تراوحت أعمارهن بين 35 و55 عامًا. واستمرَّت فترة تطبيق هذه المادة مدة 12 أسبوعًا، ولُوحِظ بعد انتهاء فترة العلاج أنَّ شكل التجاعيد وامتدادها قد تراجعا.

بدأت الأبحاث المرتبطة بالببتيدات الخماسية بدراسة تأثيرها في عملية التئام الجروح؛ وذلك لكون إفرازها يُعدُّ ردة فعل طبيعية يؤديها الجسم ليُساعد الجلدَ على الشفاء. وقد أظهرت هذه الأبحاث أن الببتيدات الخماسية تُؤدي دورًا أساسيًّا في زيادة عدد الخلايا المفرِزة للكولاجين، والّذي يُعدُّ بدوره أساسيًّا في عملية التئام الجروح. ولكن لا يقتصر دور الكولاجين على كونه حيويًّا في عملية التئام الجروح فحسب؛ بل يتعدَّاها إلى وظائف أخرى؛ منها دوره المهم في تأخير تقدم البشرة وهرمها؛ إذ يُشكِّل الكولاجين تركيبًا داعمًا يعطي بشرتنا المتانة والنضارة والشباب، لهذا فإنَّ نقصه يُؤدِّي إلى خسارتنا هذا الدعم وظهور التجاعيد.

وهنا علينا نحن بكوننا أناسًا نُحكِّم العلم في شؤون حياتنا أن نُناقش أمر الكريمات ونُحلِّلها منطقيًّا كالآتي:

إن الكريمات التي نقرأ في تركيبتها وتكوينها وجود الكولاجين فيها هي كريماتٌ مرفوضةٌ تمامًا وغير منطقية من الناحية العلمية؛ فالكولاجين بروتين، والبروتينات جزيئاتٌ ضخمةٌ لا تستطيع بأية حال من اﻷحوال أن تعبُر طبقات الجلد.

ومن هذه الحقيقة انطلق الباحثون من بديلٍ لحقن الكولاجين إلى العمل على تطوير المواد الخماسية الببتيد التي يُؤمن بعض العلماء بأن تطبيقها موضعيًّا على الجلد قد يُساعده على صناعة الكولاجين، ملتفِّين بهذا على معضلة انعدام امتصاص الكولاجين المطبَّق موضعيًّا.

وإضافة إلى كريمات الكولاجين؛ فهناك كريمات تدَّعي شركاتُها المنتِجة أن لها تأثيرًا مشابهًا لحقن (البوتوكس) في البشرة، وهي التي غالبًا ما يستخدمها خبراء التجميل لشدِّ الجلد المُترهِّل.

وتستخدم حقن البوتوكس السمَّ العصبي الذي تُفرزه جرثومة المطثية الوشيقية Clostridium Botulinum. ويُؤدي هذا السمُّ العصبي عند حقنه في الجلد إلى تدمير بروتين له دور في إفراز أحد النواقل العصبية، وهو الذي يُبقي العضلات في الحالة الطبيعية منقبضةً؛ ما يؤدِّي إلى تشكُّل التجاعيد.

وتعمل هذه الكريمات على توظيف عديدات الببتيد الخماسية الآنفة الذكر من أجل إيقاف البروتين نفسه الذي تُدمِّره حقن البوتوكس؛ ما يُؤدِّي -حسب أقوال الشركات المنتجة- إلى إحداث تأثير في الجلد مشابه لما تُحدثه الحقن.

تأثير مضاعَف:

وهناك كريمات أخرى عمدت إلى دمج مادَّتين من مشتقات الببتيدات الخماسية، إحداهما تعمل عمل الكولاجين، والأخرى يدَّعي مصنِّعوها بأنّها تعطي نتائج البوتوكس نفسها في مستحضر واحد؛ وهاتان المادتان هما بالميتويل الخماسي الببتيد وأسيتيل السداسي الببتيد.

يُحاجج المدافعون عن هاتين المادَّتين بالقول إنهما تعملان معًا لمنع ارتباط البروتين بالخلية العضلية، وبهذا إيقاف تقلُّص العضلة، إضافةً إلى ذلك فإن مادة ببتيد البالميتول تعمل على إنتاج مزيدٍ من الكولاجين، وبهذا يكون التأثير مشابهًا إلى حدٍّ ما لتأثيرَي الكولاجين والبوتوكس معًا.

يتخوَّف العلماء من هذه الحجة بالقول إن التعامل مع حقن البوتوكس دقيقٌ جدًّا، ويجب أن يُجرى في أماكن محدَّدة بدقَّة. أليس من الخطير أن نعطي الشخص العادي كريمًا له التأثير نفسه ليُطبِّقه على كامل وجهه؟

بعد ذكرنا بعضَ تقنيات تحضير المستحلَبات التجميلية ونقلنا لكم لمحةً سريعةً عن هذا العالم الواسع الذي تتنافس فيه كبرى شركات التجميل في العالم؛ دعونا نتوقَّف أمام بعض المحذورات أو حتى الأخطار التي قد نتعرَّض لها جرَّاء استخدامنا المستحضرات التجميلية:

إن المستحضرات التجميلية -خاصة تلك التي تأتي في علب تُفتَح من قمَّتها- قد تصبح بعد استخدامات متعددة حاضنةً مستعمرات جرثومية من الممكن أن تتسبَّب بأمراض جلدية وأخرى داخلية.

والدراسة التي أجراها باحثون في كلية الصيدلة في نيجيريا أخذت بالحسبان أنَّ هذه المستحضرات الجلدية تحتوي على مواد حافظة؛ ولكن كشف التحليل أن استطاعة هذه المواد الحافظة منخفضةٌ جدًّا. وجميع المستحضرات التي خضعت للتحليل حسب الدراسة النيجيرية كانت ملوثة بدرجات مختلفة؛ وقد شملت الملوِّثات:

المكورات العنقودية Staphylococci، وأنواع أخرى من المكورات الإيجابية الغرام Cocci التي مثَّلت أغلبية الملوثات. أما الجراثيم السالبة الغرام فقد كانت شحيحةً للغاية، إضافة إلى التلوث الجرثومي؛ فقد كشفت الفحوصات عن تلوث بأنواع من الفطور أبرزها الفطور المسمَّاة الرشاشيات الدخناء أو الدخانية Aspergillus Fumigatus وفطور البنسيليوم وفطور الميكروسبورم.

وتحوي بعض الكريمات التي تعمل على تفتيح البشرة داخلها مادة الزئبق، وقد سُجِّلت حالة تسمُّمٍ كلويٍّ في هونغ كونغ عام 2006، ناتجة عن استعمال امرأة في عمر 34 عامًا كريمًا مفتِّحًا للبشرة، ووُجِد أنه يحوي نسبًا عاليةً من مادة الزئبق؛ إذ تسبَّب الزئبق الموجود في الكريم بتغيُّر طفيف في بِنية الكلية النسيجية؛ ما أدَّى إلى ارتفاع البروتينات في البول، ولم تستعد الكلية وظيفتها الطبيعية إلّا بعد مرور 9 أشهر على إيقاف الكريم الحاوي على الزئبق.

وأوصت الدراسة بعد ظهور هذه الحالة بأخذ احتمال استخدام المريض المستحضرات التجميلية الحاوية على الزئبق بعين النظر عند تحرِّي أية سمِّية كلوية أو شكٍّ في التسمُّم بالزئبق.

المصادر :

هنا

هنا

هنا