البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

اكتشاف المورثة المسؤولة عن الذكاء البشري!

استطاع العلماء تحديد المورثة المسؤولة عن جعل أدمغتنا أكبر واستخدموها لخلق فئران بأدمغة خارقة. حيث قام الفريق بتطوير فئران ذات أدمغة ضخمة وسريعة النمو من خلال حقن الأجنَّة في الأرحام بجرعة من الحمض النووي البشري الــ DNA، حيث يعتقد العلماء أن المورثة الموجودة في الجزء المحقون من الــ DNA هي ما تميزنا عن باقي الحيوانات في العالم من حولنا.

يختلف الدماغ البشري عن أدمغة باقي القردة في العديد من النواحي الهامة، حيث تختلف دورة الإنقسام الخلوي، وتتولّد القشرة الدماغية لفترة أطول، وبالرغم من أنَّ التشابه بين الحمض النووي البشري ونظيره عند قردة الشمبانزي يصل حتى 98%، إلا أننا كبشر نملك أدمغة أكبر بكثير، وتتعرض هذه الأدمغة لنمو هائل للمادة البيضاء خلال أول سنتين من عمر الإنسان، ما يعني تزايداً هائلاً في الاتصالات العصبية. وقد أشار العلماء لهذه الميزة كسببٍ للفرق في الذكاء بيننا وبين باقي الحيوانات من الرئيسيات، لكن من غير الواضح حقيقةً أين تقع التعليمات المسؤولة عن هذا التميّز في مادتنا الوراثية.

قام علماء من جامعة دوك Duke في الولايات المتحدة الأميركية بانتقاء أجزاء محددة من الحمض النووي DNA ومقارنتها مع DNA الشمبانزي، مُركِّزين على ما يسمى التسلسلات المحفزة Enhancer sequences، وهي عبارة عن قطع صغيرة من الــ DNA وظيفتها تنظيم النشاط والتعبير المورثي للجينات المجاورة لها. يوجد في كل جينوم عدة آلاف من المحفزات، لكن لم يجد أحد في أية دراسات سابقة أي محفز له علاقة مباشرة مع نمو الدماغ خاصةً ضمن الجينوم البشري.

قام العلماء خلال مسحهم الأولي بتحديد 106 من تلك المحفزات التي يمكن أن يكون لها علاقة بإختلاف معدل نمو الدماغ بين الإنسان والشمبانزي. وقد أظهرت التحليلات الدقيقة أنَّ ستة من هذه التسلسلات تتوضع قرب جينات يعتقد بأنها تُسهم في تطور الدماغ وقد أطلق العلماء عليها اسم "المحفزات المنظمة للتسارع البشري Human-Accelerated Regulatory Enhancers" ويرمز لها اختصاراً HARE، ثم قام العلماء بترقيمها من 1-6.

أظهر المحفز الخامس HARE5 تميزاً ملحوظاً عند إدخال التسلسل الوراثي الخاص به في أجنَّة الفئران، حيث أصبحت أدمغتها أكبر بنسبة 12% مقارنةً مع نظيراتها المحقونة بالمحفز المأخوذ من التسلسل الوراثي للشمبانزي. ومن المدهش هنا أنَّ الفرق في التسلسل الوراثي لكلا المحفزين يقتصر على 16 حرفاً فقط. لقد كان الإختلاف بين المجموعتين في معدل نمو الدماغ متقارباً إلى حد كبير في البداية، ومع اقتراب نهاية الحمل بدا حجم التبرعم في الأدمغة المزودة بالــ DNA البشري واضحاً بالعين المجردة.

تقول ديبرا سيلفر، المشرف الرئيس على البحث والأستاذ المساعد في علوم الوراثة الجزيئية والأحياء الدقيقة في جامعة دوك:" لقد اكتشفنا أنَّ تسلسل المحفز في الـــ DNA البشري لا يختلف إلا بـ 16 حرف وراثي عن نظيره في الشمبانزي. ولقد تم التعبير عنه في أجنَّة الفئران بشكلٍ مختلف. حيث كان المحفز البشري قادراً على تسريع انقسام الخلايا الجذعية. مما مكَّن الفئران من إنتاج المزيد من الخلايا العصبية. ويبدو أنَّ HARE5 يزيد القدرة على خلق المزيد من الخلايا العصبية وزيادة حجم الدماغ مما أعطى الأفضلية لدماغ الإنسان.

ومن المثير للإهتمام بهذه النتائج، أنَّ أكثر المناطق تأثراً بهذا النمو المفرط في أدمغة الفئران هي القشرة الدماغية التي يعتقد بأنَّ لها دور فعال في مهارات اللغة والتفكير.

وفي نفس هذا السياق تقول سيلفر:" نحن نشاهد اختلافات في تطور الدماغ، وبالتحديد في البنية العصبية التي تشكل القشرة الدماغية، حيث تمتلك القشرة الدماغية أهمية وظيفية في موضوع إتخاذ القرار والتفكير عند الإنسان ونحن مهتمون بشدة بدراسة تأثيرها على الذاكرة و الحياة الإجتماعية عند الفئران".

ويبقى السؤال عن كيفية وصولنا لهذه النسبة من الذكاء مفتوحاً، لكننا الآن نملك قطعة صغيرة رائعة من الحمض النووي DNA لنبدأ من خلالها البحث في الموضوع، بالإضافة إلى جيشٍ من القوارض العبقرية الحاقدة.

برأيكم ماهي التطبيقات العلمية التي يمكن من خلالها الاستفادة من هذا الاكتشاف؟ أطلقوا العنان لخيالكم..

المصادر:

هنا

هنا

البحث الأصلي: هنا