البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

لا عودة ولا رجوع في قرارات الخلية ومصيرها!!

إنَّ أول وأقدم قرار لتحديد مصير الخلية في التطور ينحصر بمجموعتين مميزتين من الخلايا:

إما أن تُكوِّن خلايا الأرومة المغذية التي تعمل على تشكيل الكيس المُحي والمشيمة.

أو أن تُكوِّن الخلايا الجنينية التي تتطور إلى الجنين نفسه وباقي أنواع الخلايا التالية في الجسم.

هذا القرار النسلي الأول يمكن دراسته بشكل فعال باستخدام الخلايا الجذعية للفئران، والتي تُمثِّل هاتين السلالتين الأوليتين للخلية أي تُمثِّل خلايا الأرومة المغذية TS والخلايا الجذعية الجنينية ES على التوالي.

على مدى السنوات الماضية، ومن خلال العمل الذي حصل على أساسه كلا الباحثين Shanya Yamanaka و John Gurda على جائزة نوبل، تعلمنا أن خلايا أجسام البالغين يمكن إعادة برمجتها عكسياً لتعود تطورياً إلى حالة الخلايا الجذعية الجنينية المبكرةES، إلا أنَّ الظروف التي تسيطر على أول قرار لمصير خلية والذي من شأنه أن يُمكِّن الخلية المشتقة من الجنين أن تساهم وظيفياً في المشيمة لم يتم اختبارها بشكل عميق !!

دراسة جديدة قام بها فريق من الباحثين في معهد بابراهام والتي تم نشرها في مجلة "Nature Communications“، تُظهر أنَّ الحدث التمايزي الأساسي الأول في التطور بين السلالات الجنينية والأرومة المغذية أكثر قوة من التقديرات السابقة.

حيث أنَّ الالتزام بسلالات الخلية المختلفة يعود في جزء منه إلى امتلاك الخلايا أنماطاً متميزة من العلامات الجنينية التي تتحكم بالتعبير عن الجينات في الجنيوم من جهة، وبكبح جينات أخرى باستمرار من جهة أخرى (1)*، وتشير التغيرات فوق الوراثية إلى أن التعديلات الكيميائية في الـDNA لا تؤثر على تسلسل الحمض النووي لكنها تؤثر على التعبير الجيني، هذه العلامات تصنع هوية الخلية وتمنعها من العودة إلى أنواع أخرى من الخلايا.

وبالرغم من أن القرار بين خلايا الأرومة المغذية والخلايا الجنينية غير قابل للعكس ولا عودة فيه في الجنين المتطور، إلا أنَّ خلايا ES يمكن التلاعب بها في ظروف تجريبية معينة لتغيير هويتها جزئياً، حيث قام بعض الباحثين بقيادة الدكتورة Myriam Hemberger بتقييم فعالية مجموعة من الاستراتيجيات لإعادة برمجة خلايا ES لتصبح شبيهة بنموذج خلاياTS، بما في ذلك التعبير عن عوامل النسخ الرئيسية – أي البروتينات التي تتحكم بالتعبير الجيني – التي تدعم وتعزز هوية الخلايا TS في خلايا ES والتحول في مسارات محددة.

أكد هؤلاء الباحثون أنَّ هوية ES لا يمكن إعادة كتابتها تماماً، وحددوا مجموعة حيوية من الجينات فوق الجينية المنظمة والمقاومة لإعادة البرمجة، والتي تمنع تجاوز الحدود بين سلالات الخلايا الجنينية والأرومة المغذية.

إن التنظيم فوق الجيني لهذه الجينات الجوهرية أمر أساسي في إدامة وتخليد أول قرار لمصير الخلية في تطور الجنين المبكر، وتحديد الإمكانيات التطورية لكلا نوعي الخلايا الجذعية.

تقول الدكتورة Hemberge: "تساعدنا هذه الدراسة على فهم كيفية المحافظة على هوية الخلية في أول سلالتين لها، ولماذا خلايا ES قابلة لإعادة البرمجة في خلايا الأرومة المغذية للمشيمة."

قد تكون هذه الحواجز المدعمة بين السلالات الخلوية محكمة ومشددة بهدف حماية الجنين من تشكيل مشتقات الأرومة المغذية بشكل غير مقصود داخل أنسجته الخاصة والتي من شأنها أن تكون قاتلة لنموه !

"هذا العمل سيساعدنا على المضي قدماً لإنشاء نماذج ذات صلة للأرومة المغذية المبكرة للإنسان والتي ستلعب دوراً فعالاً في تعزيز فهمنا لمضاعفات الحمل الأكثر شيوعاً مثل تسمم الحمل وتقييد نمو الجنين."

شرح الصورة:

خلايا ES أعيدت برمجتها لمدة 5-6 أسابيع لتصبح شبيهة بمصير خلايا TS عبر تحريض عامل النسخ Cdx2 وإشارات Raf

عوامل نسخ خلايا TS (Cdx2) بالأخضر

Elf5 باللون الأحمر

النوى باللون الأزرق

التعبير المساعد النموذجي لكلا Cdx2 و Elf5 لخلايا TS غير مستقر وقد فقد الكثير منه في عملية إعادة برمجة نموذج خلايا TS

هوامش:

(1)* العلامات الجنينية تحصل عليها الخلايا عندما تتوجه نحو هوية خلوية معينة أي عندما تتخصص.

المصدر:

هنا